• Thursday, 28 March 2024
logo

النظام الرئاسي والمجتمع المدني: لكي لا تكون سلطات الرئيس رمزية، الافضل ان يبقى رئيسا لحزبه

النظام الرئاسي والمجتمع المدني: لكي لا تكون سلطات الرئيس رمزية، الافضل ان يبقى رئيسا لحزبه
ترجمة: دارا صديق نورجان


الديمقراطية، اي التعدد السياسي
عندما نتحدث عن الديمقراطية انما علينا ان نتحدث عن التعدد السياسي و وجود الاحزاب السياسية المختلفة في المجتمع، فبدونها لايمكن انشاء الديمقراطية في المجتمع، و بصدد اهمية دور الاحزاب السياسية، لبناء الديمقراطية تقول السيدة (سيري كلوبن) مديرة دراسات (الحقوق الديمقراطية و التطور) في مركز(CMI) عن تقرير مجلة كولان هذا: من الصعب تصور ممارسة الديمقراطية في المجتمعات الواسعة و المعقدة بمعزل عن وجود الاحزاب السياسية و تكمن تلك الصعوبة في معظمها في امكانية الافراد من التعبير عن افكارهم ويتنافسوا مبادئهم و طرح وجهاتهم السياسية المختلفة ازاء القضايا و المسائل بشكل عام و ان يتعامل الناس فيما بينهم و على اختلاف وجهات نظرهم و مبادئهم و افكارهم بشكل منظم بعيدا عن تنظيمهم في اطار الاحزاب السياسية، و من جانب اخر فان الاحزاب السياسية بدورها لا تؤدي تلك المهمة بشكل جيد، لا بل ان ممارسة تلك المهمة تؤدي في بعض الاحيان الى تعميق الخلافات.
و في ذات الاتجاه المهم و لاغناء هذا هذا التقرير سألنا البروفسور (أينك ادمونسن) و هو الان استاذ العلوم السياسية في جامعة (Tromso) و خبير في المسائل السياسية للدول النامية و سبل مكافحة الفساد حول مدى انعكاس النظام الديمقراطي للتعدد الحزبي السياسي في المجتمع؟ و اجاب على سؤال (كولان) هذا و بكل وضوح: لا يمكن ان نفكر او نتصور وجود الديمقراطية في اي مجتمع بمعزل عن وجود احزاب سياسية "لان بدون تلك الاحزاب لن يكون هناك شيء اخر باسم (الديمقراطية الليبرالية) لان وجود نظام للتعدد الحزبي و يؤدي مهماته بجدارة و بشكل جيد هو احد الشروق المسبقة لوجود ديمقراطية نيابية، ان الاحزاب السياسية، القناة الرئيسة بين المواطنين و بين صناع القرار، فهي، اي الاحزاب السياسية هي مهمة سواء بالنسبة لانبثاق الديمقراطية ام لضمان ترسيخها.. و حسب (ستا شنايدر) فان (الاحزاب السياسية هي التي تصنع الديمقراطية كما ان الديمقراطية المعاصرة لا تستمر بدون وجود احزاب سياسية فالديمقراطية ليست فقط وجود نظام حزبي شكلي و صوري فحسب او اجراء الانتخابات، بل هي تولى الحكم و السلطة وفق ارادة الشعب ، التي يعبر عنها في انتخابات حرة و عادلة.
وفي النهاية فان عملية الدمقرطة هي مرتبطة بوجود المعارضة و بشكل يتوفر فيه بديل مناسب و مستمر و واقعي للسياسة التي تتبعها الحكومة.. و يجب ان يكون لدى الحزب السياسي بدائل لها ايضا برامجها الواقعية و على اختلاف مرشحيها لكي يتمكن الناخبون من منحهم اصواتهم ابان الانتخابات، غير ان سؤالنا الذي وجهناه للسيدة (ايف ساندبيرك)استاذة العلوم السياسية في جامعة بوستن و الخبيرة في مجال التطور الديمقراطي في الدول العربية و الاسلامية قد دار ايضا حول تأثير الاحزاب السياسية غير اننا قد توخينا في ذلك السؤال عما: اذا كان وجود الاحزاب السياسية بتلك الاهمية لبناء الديمقراطية فهل هذا يعني ان وجود تلك الاحزاب كافِ لبناء الديمقراطية؟ فردت قائلة: وفق الادبيات السياسية فان و جود التعددية الحزبية هو احد شروط سيادة الديمقراطية و هذا ما يؤكده التاريخ و يثبته بالفعل و بالمقابل فان وجود التعددية الحزبية لوحده ليس ضمانة وحيدة لسيادتها فهناك شروط اخرى يجب توافرها في هذا المجال ، و كمثال على هذا المجال نقول ان وجود اكثر من حزبين في ايطاليا يتسبب في عدم اداء الحكم بشكل فعال وذات المسألة تتسبب في الولايات المتحدة احيانا في تجميد بعض المسائل و تعليقها، اي ان ما يؤكد عليه هؤلاء الخبراء هو ان وجود التعددية الحزبية ضروري ومهم للمجتمع الديمقراطي ولكن نعود و نتساءل: كيف ترسخ الثقافة الديمقراطية في وسط تعدد حزبي جذورها بشكل يضمن انسيابية تداول السلطة السلمي عن طريق او بين الاحزاب السياسية ، عن هذا المجال يتعرض البروفسور العالمي المعروف (مايك جوهانستون) و هو احد ارفع الباحثين في الاستشارات الوطنية الديمقراطية للشؤن الدولية (NDI) يتعرض لهذا التقرير بالقول: اقولها بكل ثقة انه سيكون للاحزاب السياسية انعكاس ملحوظ على اسلوب الديمقراطية و يتوقف ذلك و الى حد بعيد على كيفية فرز الاصوات و توزيع مقاعد البرلمان او هل هناك منافسة مفتوحة عادلة بيت الاطراف المختلفة، وهل يتم تداول السلطة بشكل سلمي و ضمن معطيات نتائج الانتخابات و تعتبر شرعية من قبل قطاعات واسعة من الشعب واذا كان الجواب نعم فان ذلك يعني ان المجتمع قد قطع مرحلة او شوطا بعيدا في تحقيق ديمقراطية لها مصداقيتها و كمثال على ذلك ايضا نتساءل: هل ان هنالك في مجتمع ما فقط حزبان او مكونان اثنيان يتنافسان فيما بينهما؟ ام هناك اثنيات اخرى مختلفة تتنافس فيما بينها احيانا؟ كما ان هناك مسألة اخرى و هي هل ان نتائج الانتخابات هي انعكاس لتوزيع الرأي العام فمثلا تكون نتائج الانتخابات في المملكة المتحدة حاسمة غير انها بعيدة جدا عن كونها تعبيرا عن توزيعات الرأي العام.
ان تاكيد (كولان) على اهمية الاحزاب السياسية في بناء الديمقراطية و تصحيح الاخطاء التي كانت تفرز مسألة وجود الاحزاب السياسية لبناء الديمقراطية و بالمشاركة مع الاحزاب التوتاليتارية من امثال حزب البعث في سورياو الحزب الشيوعي في الصين و التي كانت تتعمد اجهاض نظام التعددية السياسية و تحويلها نحو احزاب سلطة شمولية كما في سوريا و الصين، اي اننا نعود هنا الى موضوعنا و نتساءل : اذا كان احد شروط البناء الديمقراطي هو وجود الاحزاب السياسية فكيف يكون دور الاحزاب السياسية في المجتمعات الديمقراطية التي تتبع نظام الرئاسة في الانتخابات و من هم الذين يرشحون انفسهم لمنصب رئاسة الدولة؟ و نتساءل ايضا اذا ما تم انتخاب رئيس للبلاد من قبل الشعب و بشكل مباشر فهل هناك قانون يجبر الرئيس على الاستقالة و التخلي عن رئاسة حزبه؟ في ذلك و نحن كمجلة (كولان) لم نمنح انفسنا هذا الحق و الرد على هذا السؤال لذا فقد اتصلنا بعدد من الخبراء و المختصين في العالم و قد جاءت ردودهم مشكورة و تتلخص في هذا التقرير.

النظام الرئاسي و العملية الديمقراطية
لقد اوصى السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان في عام 2009 برلمان كوردستان العراق بتشريع قانون رئاسة الاقليم لانتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة و هذا يعني تغيير النظام البرلماني و تعديله من انتخابه للرئيس الى الانتخاب المباشر له من قبل الشعب ، اي ان النظام الديمقراطي في اقليم كردستان هو نظام رئاسي ينتخب فيه الرئيس بصورة مباشرة و الذي سينتخب حتما من يستطيع تحمل مسؤليات المرحلة و يكون مسؤلا بشكل مباشر امام الثقة التي اولاه اياها الشعب .غير ان الشعب في النظام البرلماني لن يصوت للرئيس بشكل مباشر (مثل النظام الحالي في العراق) بل يكون انتخابه عن طريق البرلمان و في مثل هذا النظام فان رئيس الوزراء هو الذي يتولى (كسلطة تنفيذية) المهمة الرئيسية في تنفيذ اداء اعمال الدولة و مهماتها و يكون لرئيس الدولة في هذه الحالة سلطة رمزية تشريفاتية فقط فيما سيكون الرئيس في نظام الانتخاب المباشر من قبل الشعب رئيسا قويا و يتولى بشكل مباشر اعلى منصب تنفيذي في البلاد و هنا ايضا ينبرى سؤال: ترى هل يكون من يرشح نفسه للرئاسة في المجتمعات الديمقراطية الشخص الاول في الاحزاب التي تتمتع داخل المجتمع بالنفوذ و الجماهيرية الواسعة؟ ويمكن لاشخاص اخرين ايضا ان يرشحوا انفسهم للرئاسة غير ان الفوز و الحظ الاول سيكون لصاحب حزب سياسي ذي نفوذ و جماهيرية في المجتمع، ثم سالنا السيدة (سيري كولبن) عن مسألة وجود قانون يجبر رئيس الدولة المنتخب على ان ينسحب من رئاسة حزبه و اجابتنا بكل صراحة و وضوح:( من الممكن عرض هذا الموضوع من زوايا مختلفة فمن جهة يكون من المهم ان يتولى الرئيس سيمااذا كان رئيسارمزيا تشريفاتيا مهمات تتجاوز تمثيله في حزبه و سيكون انسحابه من رئاسة حزبه في هذه الحالة اجدى و انفع، و بالعكس من الافضل عندما يتولى الرئيس السلطة اللحقيقية و ليست الرمزية ان يبقى او يحتفظ برئاسة حزبه السياسي، لكي يكون في نظر الشعب في مستوى المسؤلية و يكون على بينة و ضوح من برامجه في الادارة والآداء و بالتالي يمكن ان تكون علاقته مع حزبه السياسي احد اسس تفعيل المشاريع التي تنفذها الحكومة و بشكل تكون تلك العمليات في خدمة الشعب بشكل امثل و عند مستوى طموحاته و على العموم فانه ليست من المتبع في المجتمعات التي تمارس الديمقراطية منذ امد طويل ان يتخلى من يتم انتخابه لرئاسة الدولة عن رئاسة حزبه السياسي و بتابعة وجهة نظر السيدة (سيري) :انها قد ميزت او حددت نوعين من الرئاسة في المجتمع الديمقراطي اولهما الرئاسة الرمزية التي لا تتولى المسؤلية ازاء طموحات الشعب و تحقيقها و منتخب من قبل البرلمان و ثانيهما و هو الاهم الرئيس المنتخب من قبل الشعب و بشكل مباشر ، فالشعب يتوقع منه ان ينفذ البرامج التي اعلنها اثناء حملته الانتخابية و في هذه الحالة يجب ان يكون الرئيس قويا و يبقى رئيسا لحزبه السياسي طريقا لتنفيذ برنامجه الذي وعد شعبه بتنفيذه و بالاعتماد على قوة حزبه السياسي و امكاناته.
و بصدد مدى ارتباط قوة الرئيس بحزبه يقول البروفيسور (مايكل جوهانستون) لتقريرنا هذا: هذا سؤال جدير بالملاحظة و الاهتمام و لاننا نتحدث هنا عن نظام رئاسي و ليس برلماني فبامكاننا القول ان الرئيس في هذه الحالة و حتى لو لم يبق رئيسا لحزبه السياسي فانه يحتفظ بشخصية قوية و بارزة فيه و هذا من معطيات النظام الرئاسي الذي يؤمن و يوفر شخصية قوية و مرد ذلك الى الواقع الثابت بان الرئيس في النظام الرئاسي على عكس النظام البرلماني، لا يدير الحكم ، كما رئيس الوزراء ، بالاعتماد على حزبه السياسي وحده بل و تكون له شخصية قوية تؤمن في العديد من الحالات، و عبر قراراته و سياساته، دعم الاحزاب المعارضة ايضا، كما حدث في زمن الرئيس الامريكي الاسبق ايزنهاور، لان الرئيس عادة يعبر هن ارادة الجماهير ما يحقق له موقعا متميزا و قويا ، و عن صيغة ممارسة الرئيس المنتخب في النظام الرئاسي رئاسة الدولة و الحزب معا فقد وجهت (كولان) السؤال الى البروفيسور (اينك اموندسن) عن امكانية تخلي الرئيس عن رئاسة حزبه و الاحتفاظ فقط برئاسة بلاده فاجاب: ( كلا لا يجوزالطلب منه التخلي عن رئاسة حزبه لان كلا من الرئيس في النظام الرئاسي و رئيس الوزراء في النظام البرلماني هما عادة رئيسا او قادة حزبهما الحاكم، و لهذه المسألة جانبه الايجابي لانه سيكون ضمانة لوحدة صفوف حزبه و خطابه الموحد كما ان هذه الثنائية في الرئاسة (الدولة و الحزب) ستكون عماد توطيد سلطة الرئيس.

ملاحظة :
ان الذي عرضناه في هذا التقرير لم يكن رأي (كولان) بل اراء الخبراء و المختصين الذين اتصلت (كولان) بهم لاعداد التقرير و الهدف الاول هو تعريف القراء الكرام بمعلومات اوسع و اشمل.
Top