• Saturday, 27 April 2024
logo

المسيئون للتعايش والتسامح اعداءُ للحرية والتاريخ المشرق لكوردستان

المسيئون للتعايش والتسامح اعداءُ للحرية والتاريخ المشرق لكوردستان
ترجمة/ بهاءالدين جلال




عندما تزور منطقة (الخنس) الأثرية في محافظة دهوك،ترى بأم عينيك آثار التشويه التي حلت بالقطع الصخرية المنحوتة بالتأريخ جراء ضربها بالقنابل و الرصاص من قبل الانظمة الحاكمة في العراق، وكان هدف النظام البعثي هو تشويهها من اجل تعريب وتصحيح القومية لمختلف المكونات التي تعيش في المنطقة( الكورد الايزديين،الكورد الشبك،الايزديين،الكلدان و الاشوريين و السريان)،لذا عندما تتأمل التأريخ المنحوت على الصخور منذ آلاف السنين تجد أنها تحتفظ بحقيقة روح التعايش و التسامح بين تلك المكونات القومية و الدينية المختلفة،ولكن النظام بعد أن شعر بفشل جهوده في مسح هذا التأريخ الناصع لمكونات تلك المنطقة قام بهذه الفعلة التي ستبقى وصمة عار في تأريخه الاسود وهو دليل على نهجه في الابادة الجماعية لشعب كوردستان بكافة مكوناته القومية و الدينية،والآن قد تم اعمار منطقة الخنس و يقصدها العشرات من السياح المحليين و الاجانب عبر البطاقات،يشعرون بأن هذه الصخور التي شوّهها النظام البعثي البائد جزء من الظلم و القمع الذي مارسه النظام ضد عموم المكونات الدينية و القومية في اقليم كوردستان،ولكن السؤال هو هل أنّ محاولات البعث لتضليل تأريخ صخور جبال كوردستان واشعال النار في المساجد و الكنائس و معابد الايزديين معاً تمكنتْ من مسح روح التسامح و التعايش بين مكونات شعب كوردستان؟أنّ عملية اعمار كوردستان بعد انسحاب مؤسسات البعث من اقليم كوردستان هي التي تجيب عن هذا السؤال،كما أن القادمين الى الآقليم يرون الحقيقة بأنفسهم،ارادة شعب كوردستان بكامل مكوناته القومية و الدينية المختلفة تمكنت من اعادة بناء بلدها على اساس التعايش و التسامح،وهذا هو دليل دامغ لعموم السواح الذين يزورون هذا الموقع الاثري بصورةعامة وكذلك الاخوة العرب العراقيين القادمين للسياحة،لأنهم يتجولون في مناطق الاقليم ويرون عن كثب كيف أنّ الجوامع و الكنائس و معابد الايزدين اعيد بناؤها مرة اخرى وفي اماكنها السابقة و على مدى عدسة الكاميرا،ونقصد بذلك أنه لاحاجة لتحمل المشقة من أجل رؤية تلك الاماكن وبأمكان السائح تصويره فوتوغرافياً.لذا عندما نشاهد في مكان ما آثار المحاولات التخريبية لتشويه تأريخ التعايش و التسامح وفي المكان ذاته نرى أنه تم بأرادة شعب كوردستان بناء تلك الاماكن المقدسة بعد تدمير المدن و القرى في الفترة الماضية ،وهذا يعني أنه بوجود الحرية تكون كل تلك الاماكن محمية، وتتهدم معاً عندما تختنق الحرية،اذن هذا الواقع يعلّمنا بأنّ التأريخ المنحوت على الصخور و ارادة شعب كوردستان لمواصلة التعايش و التسامح في كوردستان،لا قوة تستطيع مسح تلك التاريخ و لا تشوّه التسامح و التعايش بين مكونات شعب كوردستان.
قد يحاول البعض الاستفادة سوءاً من الحرية المتوفرة الآن في كوردستان ليمارس العنف أو يحث على ممارسته،ولكن مهما تكون هذه القوة او ورائها أيادي البعض كما هي آثار قنابل ومدافع النظام البعثي على صخور الخنس،فإنها
تُسجّل حقد وكراهية الاعداء ضد هذه الحرية والتعايش وفي المقابل تزيد مرة اخرى ارادة شعب كوردستان للتصدي و المواجهة.
اعداء الحرية يكرهون التسامح و التعايش
التسامح و التعايش بين مختلف القوميات والديانات في موقع جغرافي معين مسؤولية اخلاقيةو وجدانية بين المجتمع،وهذه توفر الارضية للقبول بمعتقدات الغير وتفضيلها مثلما هي مقدسة و مفضلة لديك تتعامل معها بنفس الشكل وهذا ما يؤكد عليه فولتير بقوله"قد اختلف معك في الآراء،ولكن لدي الاستعداد أنْ اضحي من اجل الدفاع عن آرائك: ويقصد بذلك التصدي لهذا الوحشي ويعني عنده(العنف)وهذا مايقال عن أنّ التسامح و التعايش هو نتيجة الشعور بالمسؤولية الاخلاقية و الوجدانية،أي أنّها تفرض علينا أنّ نكون يداً واحدة ونقف صفاً واحداً ضد ظاهرة العنف التي يصفها فولتير بالمفترس الوحشي،ولو ننظر اليه بهذا الشكل فهذا يعني أنّ الحيوان الوحشي افضل من ممارسة التطرف و انتاج العنف،لأنه ما يلحقه التطرف الآن بالأنسانية من الاضرارفي اطار توليد الارهاب،لم يستطع أي حيوان وحشي على مر التأريخ وحتى بين الاساطير من غرق مدينة مثل نيويورك بالدماء في ظرف نصف ساعة و ترعيب الانسانية، أي مفترس وحشي كان يرهب كل الانسانية بحيث يجعل الحريات الانسانية من اجل الحماية منه تقع تحت طائلة المسائلة، وفي هذا الاطار لم تُحرَم كوردستان من مخاوف هذا الوحش،كلنا يتذكر فاجعة الاول من شباط عام 2004 عندما قام هذا الوحش المفترس في اقل من دقائق بتحويل العيد الاضحى الى المأتم و العزاء وأدمى بذلك الدين و العيد،وكذلك احداث يوم الثاني من شهر كانون الاول 2011 في زاخو عندما طال التطرف خلال ساعات قليلة المدينة و خلق وضعاً وصلت بظلالها الى اماكن اخرى حتى أنّه وصل الى السليمانية حيث تم اقتحام المحال و الاماكن العامة،السؤال لايقتصر على مدى الاضرار التي الحقها هذا الوحش بكل الاطراف؟بل يكمن في كيفية احتجازه ومنعه من زج نفسه بالمجتمع الكوردستاني و التسلل الى النسيج الاجتماعي للمكونات الدينية و القومية المختلفة، أي منع هذا الوحش الخروج من وكره لكي لايهدد الاستقرار و التعايش و التسامح التي تسود هذا الشعب منذ آلاف السنين.
التصدي للوحشي المتطرف،مسؤولية اخلاقية و وجدانية للجميع
عندما يستجد التطرف فهو لايشكل التهديد لطرف واحد، بل يهدد عموم الجوانب الحياتية للمجتمع و يجعل من الرعب جزءاً من تكوين النسيج الاجتماعي لأفراد المجتمع،أي خلق الخوف في اعماق الافراد ازاء ظاهرة،وهي تؤلم الضمير،والحقيقة أنّ فرداً أو طرفاً واحداً لايستطيع لوحده تبديد الخوف أو ايقافه،لذا علينا جميعاً الشعور بالألم الذي سبّبه لنا التطرف،وفي هذا الاطار يتّضح أنّ التطرف لايخص فكرة أو ديانة معينة،بل يخص التعامل مع تلك الفكرة أو اتباع و فهم الديانة،كما أنّ ظهور التطرف أو الحث من اجل توليد العنف يدفع الحكومة الى اتخاذ اجراءات قانونية صارمة،حيث لم تراع حكومة اقليم كوردستان هذا الجانب لحد الآن،المسألة ليست في تجاهلها أو اعتبارها خطيرة،كلاّ المسألة هي إنّ هذه الظاهرة لم تكن موجودة، وبمعنى آخر لم يكن من المتوقع عبر تأريخ يمتد لآلاف السنين من التعايش و التسامح أنْ يصل التطرف الى مستوى يهدد مكونات المجتمع على أساس الهوية الدينية،البروفسور جاميس كيبسون استاذ حكومي في جامعة سات لويس و هو من الاصل الافريقي الجنوبي،أشار بكل صراحة في تصريح خاص ل(كولان)الى هذه الاخطار قائلاً: "أنا أتفهم المخاطر التي تتحدثون عنها وهذه المسألة موجودة حالياً في افربقيا وهناك دائماً القلق من اندلاع التطرف جراء العنف مرة اخرى"واضاف "أنا متخصص في شؤون افريقيا الجنوبية واقيم حالياً هناك،لذا ماتخافون عليه حول تشويه التسامح الى العنف لها العلاقة الكاملة بجنوب افريقيا،لأنه لازات هناك بعض الناس المتطرفين في هذا البلد يتحينون الفرصة لترديد الشعارات بأستمرار و التي تدعو الى ضرورة قتل(BORES) والمقصود بذلك الافريقيين البيض،وهذا يعني الدعوة الى العنف و القتل،والسؤال هو هل على المجتمع الديمقراطي أنْ يكون متسامحاً حيال هذه التعابير؟للأجابة عن هذا السؤال بأعتقادي من المفروض فسح المجال أمام كل التعابير،ولكن عندما يتم تغييرها الى افعال أو تتحول الى الدفع لتوليد العنف فعلياً، حينها من واجب الدولة التدخل بكل ما أوتيتْ من قوة و التصدّي للتطرف" مخاوف البروفسور كيبسون تكمن في أنْ يؤدي التعبير عن آراء مختلفة الى اندلاع العنف،لذا فهو يقترح بتدخل الحكومة والسيطرة على مصادر العنف،وبصراحة على عموم الافراد و الاطراف التعاون مع الحكومة والتصدي صفاً واحداً لمنع ظهور التطرف الذي يؤدي الى بث العنف،وفي هذا الصدد توجهنا بسؤال آخر الى البروفسور كيبسون، لماذا في الكثير من المرات تستجد ظاهرة العنف في ظل اجواء التسامح؟ وأجابنا عن السؤال قائلاً :((التسامح يعني أنّك تتحمل الشخص المختلف عنك و معك،ويتطلب التسامح اتفاقنا على آلية توضّح اختلافاتنا ونقبل بها،و التسامح لايعني أنّنا نتسامح بيننا أو نحب بعضنا بعضا،بل في المجتمعات الديمقراطية يعني التسامح الاحترام المتبادل و القبول بالأختلافات،واذا كنتُ اكثر صراحة يمكنني القول أنّ التسامح في المجتمعات الديمقراطية يعني حتى احترام الاشخاص الذين لانحبهم و غير متفقين معهم في الاراء،وهذا يعني الدعوة لضمان الحريات لغيرك مثلما تدعوها لنفسك،وأنا لاأسمّي ذلك اصغر معنى للتسامح،لأنه يدعونا الى أن نتحمل اختلافات الآخر).
ولكن الواقع الذي كان موجوداً في اقليم كوردستان عبر التأريخ،يعطينا تعريفاً أوفى للتسامح و ما نجده من التسامح و التعايش اللذين كانا يسودان مختلف القوميات و الديانات في كوردستان كانا أكبر مما يتحدث عنه الآن البروفسور كيبسو حول واقع جنوب افريقيا،وبهذا الصدد تحدث مراسلو(كولان) في دهوك مع القس فليب الخوري حيث أشار الى أنّه و منذ 2000 سنة كان هناك التعايش و التسامح بين الديانات في كوردستان و قراهم مشتركة ويعيشون معاً كمواطنين في وطن واحد ويعمّرون مناطقهم وبلادهم،و الاكثر من ذلك زار مراسلونا قبل اسابيع منطقة (ديرلوك) واستمعوا الى حديث رواه احد القرويين ومفاده أنّ اهالي قرية مسلمة لم تستطيع حفر بئر ماء في قريتهم ، واذا بأهالي قرية مسيحية جارة لهم قامت بحفر البئر في قريتهم و تأمين المياه لهم ،اذن واقع كوردستان يؤكد لنا أنّ للتعايش و التسامح معنى أوسع مقارنةبأغلب مناطق العالم وهذا يجعلنا نعتز بهما دائماً.
وللمزيد من الوقوف على هذا الجانب، توجهنا بسؤال الى البروفسور لورين لي بريكر استاذ الديانات العالمية في جامعة اوهايو :ما أوجه التسامح؟ وكان جوابها الى (كولان): ((من الممكن الاجابة على مستويين من أوجه التسامح، الاول هو على مستوى الافراد،بمعنى أنه يمكن الحديث عن التسامح كمفهوم في العلاقات بين الجيران،بين افراد المجاميع المختلفة التي تعمل معاً في المكان ذاته ،وهذه هي نظرة الافراد للحياة و فلسفتها،انفتاح على من يمتلك خلفيات وآراء مختلفة و مستعد للحياة و لقبول الاختلافات،اختلافات دينية، عرقية،لغوية،قد يجوز أنْ تكون هذه محاولة على مستوى الافراد من أجل تعلّم لغة مختلفة،وعلى سبيل المثال، لو رغبتَ في العراق أنْ تتعلم العربية الى جانب الكوردية و التركمانية و اللغات الاخرى،وتعلّم اللغات على مستوى الافراد وسيلة للتقارب من الآخرين و تعلّم ثقافاتهم و كيف يمارسونها،اذا كنتَ من السنة يمكن أنْ تتعلم كيفية ممارسة طقوس الشيعة وقبولها،أو بالعكس لاترغب فيها،اذا كنتَ مسلماً ترغب في الاطلاع على تعاليم المسيحية، أي لم تقتصر على ما يشير اليه القرآن الكريم و الاحاديث حول المسيحية، بل تريد أنْ تفهم المسيحية عن طريق الانجيل و تعاليم القسسة،اذن تحاول قراءة الانجيل وتفسيره وتتحدث مع المسيحين،ولاتظن بأنك فهمت المسيحية لانك قرأتَ القرآن فقط،اذن هذا نموذج لتعلم كيف يعمل التسامح على مستوى الافراد).
وفي هذا الاطارحول ظهور العنف بين متتبعي الديانات المختلفة التي تولّد العنف احياناً كثيرة ،تشير البروفيسور لي الى أنّ الديانات لاتولّد العنف،بل هناك أناس يطرحون تفسيرات مختلفة للديانات و لآغراض سياسية،((الدين ليس مشكلة بحد ذاته،بل المشكلة هي اننا عندما نتحدث عن هذه المجموعات التي تستخدم العنف و تتذرع بحجج دينية،علينا النظر في اسباب اكثر تعقيداً،علينا معرفة سبب قيام مجموعة بأستخدام العنف،لأنه من الناحية الاجتماعية يعتبر العنف شكلاً آخر من الأتصال في غياب الوسائل الاخرى للأتصالات،بالتأكيد هناك مجموعات أخرى لها دوافع ايديولوجية و تعمل من اجل فرض اسلوب آخر للتنظيم الاجتماعي على الدولة،ولكن نسأل مرة أخرى الى أي حد ولماذا تتلقى هذه المجموعة الدعم،وكيف تلجأ الى الدين لجمع هذا الدعم؟مع عدة عوامل اجتماعية و اقتصادية و سياسية اخرى المتعلقة بهذا الجانب،اذن هذه مسألة اكثر تعقيداً أنا لاعتقد أنّ الدين يلجأ الى العنف في مجال السياسة)
Top