• Thursday, 25 April 2024
logo

دور الاحزاب السياسية في الديمقراطية النيابية

دور الاحزاب السياسية في الديمقراطية النيابية
ترجمة /بهاءالدين جلال

من الممكن أن يكون للأحزاب السياسية الوجود دون الديمقراطية ...ولكن لايمكن تطبيق الديمقراطية من دون وجود الاحزاب السياسية..
((قال تيب اونيل رئيس مجلس النواب الامريكي الراحل حول وجود السياسة في المجتمع(كل السياسات في المجتمع الديمقراطي هي سياسات محلية )والقصد من ذلك هو أنّه بأمكان الاحزاب السياسية أنْ تلعب دوراً ناجحاَ في المجتمع حينما تكون عند مستوى مطالب وطموحات المواطنين و في اطار وطني،وهذا من منطلق قدرة الاحزاب السياسية في لعب دور معتدل و توفير ارضية مشتركة،من اجل انْ تظهر الاحزاب على هذه الارضية المشتركة و تتفاهم للوصول الى اتفاق،هذا الاتفاق يعتبر العامل المساعد لتوحيد المجتمع و المحافظة على وحدته،اذن لاوجود لأي مؤسسة اخرى في المجتمع غير الاحزاب السياسية،التي تتمكن في الوقت ذاته تنظيم مصالح المواطنين و تمثيلهم، كما بأمكانها عرقلة امور الحكومة وفق اللأجازة الممنوحة لها داخل المجتمع الديمقراطي،وقد أثبت التأريخ منذ قرنين بأنه من غير وجود الاحزاب السياسية لايمكن بناء الديمقراطية النيابية،وهذا مانراه عندما تتزعزع ثقة المواطنين باللأحزاب السياسية فإنّ النظام الديمقراطي يتعرض الى التفكك و الانهيار،لذا من الضروري ترسيخ نظام الاحزاب بشكل اعمق داخل النسيج الاجتماعي لعموم المجتمع الديمقراطي))
كينس والاك رئيس NDI

(الاحزاب السياسية هي مصدر مشكلات المجتمعات الديمقراطية)،وليس من العجب اشاعة هذا القول،ولكن المسألة الاهم من ذلك الذي يثير التساؤل هي : هل بالأمكان حل مشكلات المجتمعات الديمقراطية ونجاح العملية الديمقراطية فيها اذا ماتم الاستغناء عن الاحزاب؟جواب هذا السؤال الذي يشغل عموم المفكرين و المختصين في مجال السياسة و السياسيين في العالم ، ويرغمهم على اللجوء الى عدة اساليب لأيجاد بديل للاحزاب السياسية في المجتمعات الديمقراطية والدعم الاكثر لمؤسسات المجتمع الديمقراطي الاخرى، كما هو الحال ابان اوائل التسعينات من القرن الماضي عندما اهملت المنظمات غير الحكومية ( NGOs)العالمية الاحزاب السياسية و مدّتْ يد المساعدة و الدعم الى المؤسسات الاخرى للمجتمعات الديمقراطية،املاَ منها أن تحل منظمات المجتمع المدني محل الاحزاب السياسية،ولكن كما اشار اليه ايفان دوهرتي الامين العام السابق للحزب السلتيني الايرلندي و المدير الحالي لبرنامج الاحزاب السياسية في معهد( NDI)الذي قال :اذا كان ماكس فايبر يعتقد أنّ الحزب السياسي هو الطفل المدلل للديمقراطية ،فإنّ الديمقراطية الآن أنجبت طفلاَ اكثر دلالاَ وهو منظمات المجتمع المدني ،ولكن ليست الآخيرة بل أي منظمة أو مؤسسة اخرى لاتستطيع أن تحل محل الاحزاب السياسية داخل المجتمع الديمقراطي،لذا نجد العلماء و السياسيين ومراكز تطوير الديمقراطية في العالم يؤكدون على أنّه في حال لم يتم ابداء نوع من التوازن في الاهتمام و الدعم بالنسبة الى منظمات المجتمع المدني و كذلك الى الاحزاب السياسية على حد سواء عندها تختل المعادلة السياسية واهمال الاحزاب السياسية سوف يؤدي بالنتيجة الى زوال الديمقراطية، وهذا يفتح الباب أمام القادة الشعوبيين لأهمال المؤسسات الحكومية وكذلك مؤسسات القوة الخاصة و سيادة القانون،ان هذه الاخطار اوجدتْ وجهة نظر اخرى وهي أن الاحزاب السياسية بدلاَ من اعتبارها كجزء من مشكلات المجتمعات الديمقراطية ، من الافضل اعتبارها كجزء من حلولها وأنْ يتم بذل المساعي لقيام الاحزاب بتهيئة ارضية من اجل ابداء سياسة مرنة وحوار شامل و اتفاق الاحزاب السياسية ،وذلك بدلاَ من أن تصبح عاملاً لتجزئة المجتمع تصبح عاملاَ لتوحيده وحماية وحدته،وهنا يمكن النظر الى الاحزاب بأنها مصدر لحل مشكلات المجتمع و وحدة صفوفه،ولكن السؤال هو كيف يمكن تغيير الاحزاب كمؤسسة سياسية في المجتمع كجزء من مشكلاته الى جزء من حلولها؟
الاحزاب السياسية نتاج متطلبات المجتمع
في النظام الديمقراطي النيابي،المهمة الرئيسة للأحزاب السياسية و مساعيها هي تمثيل مطالب وطموحات الجماهير،لذا عندما تحتاج تلك المطالب الى من يمثّلها بشكل حقيقي تبرز الاحزاب السياسية داخل المجتمعات الديمقراطية ،وبالنسبة الى هذا الامر يقول ديفد برودر كاتب العمود الصحفي في واشنطن بوست حول الاحزاب السياسية في امريكا: رغم أنّ الدستور الامريكي لم يشر الى وجود الاحزاب و كان جورج واشنطن يعتبر الاحزاب السياسية من الد اعداء المجتمع الامريكي ،ولكن تطبيق الديمقراطية النيابية و تنظيم مطالب الجماهير اوجب ولادة الاحزاب ، وبصدد اهمية دور الاحزاب السياسية بالنسبة للنظام الديمقراطي ، تقول البروفيسورة سوزان سكارو استاذ العلوم السياسية في جامعة هوستن و الباحثة في شؤون الاحزاب و الديمقراطيات البرلمانية في الدول الاوروبية في احد بحوثها الموسوم(الاحزاب السياسية و الديمقراطية على الصعيدين النظري و العملي)إنّ الاحزاب السياسية هي اللاعبة الرئيسة و الحاسمة للنظام الديمقراطي النيابي،وهي المساعدة والدعم لصياغة مطالب و امنيات الافراد و المجموعات و تبنّي تلك المطالب كبرنامج سياسي لقيادته و تطويره،كما تسعى الاحزاب الى ايجاد السياسة البديل و دعمها من اجل تقديمها الى انصارها من المصوتين،وعلى صعيد البرلمان فإنّ وحدة الكتلة الحزبية تؤدي الى تشكيل حكومة فعّالة،كما تعمل الاحزاب من اجل أن يتحمل رؤساؤها المسؤولية ازاء المصوتين،وبصراحة اكثر فإنّ الاحزاب توفّر الحلول المناسبة للمصوتين،ما تطرحه البروفسورة سكارو في بحثها كتعربف لدور الاحزاب في الديمقراطية يشير الى أنّ للأحزاب دوراً كبيراً جداَ اقوى من دور أي مؤسسة أخرى داخل النظام،وذلك لأنّ الاحزاب السياسية عندما تشارك في الانتخابات تكرس كل جهودها للفوز فيها و تطمح الى تسنم مقاليد الحكم،لذا فأنها تسعى بأستمرار الى طرح مقترح السياسة العامة البديلة و الاعلان عن اطار تلك السياسة حتى يقيّم المواطنون نظام الحكم في البلاد من خلال المرشحين و البرامج،ولكن نتائج الدور الذي تلعبه الاحزاب لتمثيل مطالب الجماهير تصب في تعزيز المؤسسات الوطنية و النظام المؤسساتي،وفي هذا الاطار اذا كان الهدف هو امكانية وجود الاحزاب السياسية دون وجود الديمقراطية داخل المجتمع فأنّه لايمكن تطبيقها بدون تلك الاحزاب،وحول هذا الجانب و اهمية وجود الاحزاب السياسية كضرورة في المجتمع، سألنا البروفسور ميتشل اورستاين استاذ العلوم السياسية في جامعة جونس هوبكين و الباحث و المتخصص في مجال حقوق المواطنة و النظام النيابي في اوروبا،بصدد مدى قيام الجماهير بالتصويت من اجل مصالحها في المجتمعات الديمقراطية،اجاب عنه قائلاَ: ((صحيح ان الجماهير تصّوت في الديمقراطية لصالحها ولكن هناك بعض الاستثناءات ، ،و بالتاكيد الجانب الآخر عبارة عن التأثير الدولي ،الذي يوقع الناس و السياسيين تحت تأثير المنظمات الدولية و الشؤون الدولية لدول أخرى،أي يمكن أنْ يكون لها التأثير في تغيير نظرة الناس الى مصالحه،لذا من المفروض قيام الاحزاب من الاساس بجمع العديد من مصالحها،اذن الاحزاب تنبثق كمجاميع من الاشخاص التي لها مصالح مختلفة،وتحاول معالجة ذلك بشتى الوسائل،كما تسعى معاً الى صياغة برنامج الاحزاب التي تعتقد بأنّ ذلك يصب في مصلحها ، وفي الكثير من الاحيان لاتتحقق لها هذه الامنية ،ولكن تحاول الحصول على المزيد من التأييد لسياساتها التي تفيدها كما تستغل مؤتمراتها للتنظيم و الاتفاق على البرنامج الذي ينبغي على الاحزاب تطبيقه.وهذا يختلف الى حد ما في الديمقراطيات الحديثة حيث في الكثير منها رغم التقدّم الجيد للأحزاب السياسية، ولكن الكثير من السياسيين يشيرون الى اهمية وجود الاحزاب السياسية بالنسبة الى الديمقراطية. و يجوز أن يكون ذلك محل المناقشة و السجال لدى بعض المواطنين العاديين ولايستهويهم وجود تلك الاحزاب أو بعض منها،اذن الاحزاب السياسية تلعب دوراّ مهماً في ترشّح السياسيين و وتطوير برامجها،ولكن دورهم هذا غالباَ لايلقى تقدير و تقييم الناس العاديين،اذن بدون وجود الاحزاب السياسية تبرز هناك مخاوف وجودمنظمة واحدة(حاكمة) أو جيش ،هناك انواع من الاحزاب السياسية منها تمتلك البرامج و الأفكار،كما توجد اخرى تنال دعم الشعب على اساس منح الامتيازات،بل ثمة احزاب لاتمتلك اعضاءاً كثيرة و قليل من قادتها يسعون الى تلقّي دعم مجاميع واسعة،اذن فأن الشعب في الاساس يعتقد أنّه كلما يتم مأسسة النظام الحزبي و تمثل الاحزاب اكثر برنامجاً أو سياسة معينة،عندها تستقر الديمقراطية اكثر.))
وفي الاطار ذاته وحول المقولة التي تؤكد أنّ كل السياسات في المجتمعات الديمقراطية محلية و على الاحزاب السياسية ربط السياسات المحلية بالسياسة الدولية العامة توجهنا بسؤال الى البروفسور ديفيد جوليان صاموئيل استاذ العلوم السياسية في جامعة مينوسوتا و المختص في شؤون دول امريكا اللاتينية واجاب قائلاً : (( ان عبارة كل السياسات هي محلية تعود الى تيب اونيل الرئيس الراحل لمجلس النواب الامريكي ، وكان يقصد بها أنّ على السياسيين الوطنيين، اعضاء البرلمان ايلاء الاهتمام بالسياسة الوطنية و كذلك بالسياسة المحلية،و لايمكنهم تجاهل ما يحدث في اطرافهم وجوارهم و مدنهم، وبخلاف ذلك فإنّهم سوف يخسرون مناصبهم،اذن فهو عبّر عن مشكلة مهمة التي تواجهها كل الاحزاب ،وهي عبارة عن أنّ كل الافراد لها مصالحها و تضعها في نظر الاعتبار قبل كل شيء،ومن اجل تحقيق الاهداف على الاحزاب العمل معاً والوصول بشكل من الاشكال الى حل وسط، وهذا تحدّي حقيقي الذي يواجه الحزبين في امريكا،واظن أنكم تواجهونه ايضاً في اقليم كوردستان و العراق،لآن هناك الكثير من المعاداة و الاستقطاب يجب مواجهتها من اجل تحقيق السلام و تشكيل حكومة سلمية،و هذا بحد ذاته تحدٍ كبير أمام الاحزاب السياسية ، في الحقيقة من المفروض أنْ تكون الاحزاب مستعدة لتلبية المتطلبات اليومية للجماهير ، مثل تجميع النفايات و تأمين مياه الشرب، شبكة الصرف الصحي و الكهرباء،ويتطلب منها ايضاَ وجود تأملات اكبر بالنسبة لمستقبل البلاد.نحن في امريكا نطلب منها القيام بحل العجز في الموازنة،وكذلك تعزيز مستوى التعليم في المدارس و مواجهة التحديات المتعلقة بالشؤون الخارجية،وذلك من اجل اطفالنا و احفادنا،وهذاأمر لانفكر فيه الآن أنْ كان هناك انقطاع في الكهرباء أو الماء،أو أي أمر آخر،نريد من الحكومة حل المشكلة فوراً،السياسييون يتحملون مسؤولية كبيرة، عليهم الربط بين اعمالهم الحالية و المستقبلية،أنا لاأعلم كيف يستطيعون ذلك،كما أني لستُ سياسياً.))
الاستماع الى مطالب و طموح الشعب
المشكلة الرئيسة للآحزاب السياسية في مرحلة مقدمة الديمقراطية هي التوازن بين طموحات و برامج الاحزاب ومدى مشاركة الجماهير في العملية السياسية و ثقتها بالاحزاب،يعتبر المختصون و مفكرو مجال السياسة تدنّي ثقة المواطنين بالاحزاب السياسية مشكلة مهمة في المجتمع الديمقراطي، و يعزون السبب الى أنّ تلك الاحزاب التي تفوز في الانتخابات و تتسلم دفة الحكم، لاتكون عند مستوى الثقة التي صوّتت الجماهير اياها،وهذا يثير الاستياء لديها و تبحث عن بديل آخر،اذا كان هذا مظهراً من مظاهر الدول الغربية فلا وجود لهذا المظهر في الدول النامية بعد وتصيغ الاحزاب السياسية برامجها في اطار آرائها و توجهاتها وتحاول جمع الاصوات عبر الوعود بتنفيذ برامجها،وهذا يعني أنّه بدلاً من أنْ تنتظر الجماهير من الاحزاب التعبير عن طموحات و مطالب الافراد،تنتظر الافراد تحقيق طموحاتها عبر البرنامج الذي اعلنته الاحزاب السياسية،وهذا قد يحوّل العلاقات المباشرة بين الجماهير و الاحزاب الى العلاقات غير المباشرة،و كما يشير اليه البروفسور كريزيستوف جاسيويز استاذ علم الاجتماع في جامعة واشنطن في تصريح ل( كولان) إنّ هذه المشكلة ، هي مشكلة عموم علماء السياسة وكذلك المجتمعات التي تُبنى فيها العملية الديمقراطية،ويقول: (( في الحقيقة انه سؤال كل العلوم السياسية،المسألة هي أنّ الاحزاب السياسية تقوم بجمع مصالح المجاميع و التعبير عنها،و بالتأكيد فإنّنا نهتم بمصالحنا الشخصية،ولكن أحياناً نجد أن تلك المصالح مشابهة لمصالح الغير،وعلى سبيل المثال عندما يتم فتح مدرسة و يلتحق بها اطفالنا،هذا يعني أننا جميعاَ ندعو الى فتح مدرسة جديدة و جميلة لعموم الناس،ومن هذا المنطلق إنّ مهمة الاحزاب هي جمع المصالح و التعبير عنها عن طريق البرامج الانتخابية ودعم سياسة معينة، اذن ليس هناك أي تناقض بين المصالح الشخصية للأفراد و مهمة الاحزاب السياسية.ولكن الجماهير تربط الاحزاب السياسية بالانظمة الحزبية،وهذه ظاهرة عالمية موجودة في الكثير من الديمقراطيات وحتى في الحديثة منها،وعلى الناس فهم هذه الحقيقة ولاتوجد طريقة افضل لتمثيل مطالبهم عدا الاحزاب السياسية،لأن الناس في بداية العملية الانتخابية تفضّل الاحزاب القريبة من مصالحه،ويصوّت للحزب الذي لايسبب لهم اليأس،اذن هذه حقيقة واضحة،ومن الناحية التأريخية كانت هناك جهود من أجل بناء نظام لاتلعب فيه الأحزاب السياسية اي دورمهم،ولكن هذه الانظمة ليست ديمقراطية حيث تتراجع عن تمثيل مصالح الجماهير عاجلاًأم آجلاً،قد لانحبذ وجود الاحزاب السياسية ولكن وجودها ضروري،و السؤال هو كيف نتصرف في ذلك؟ وللآجابة عن هذا السؤال ينبغي أخذ نقطتين بنظر الاعتبار: الاولى يفترض أن يكون النظام ذاته شفافاً ومعروفاً و واضحاً من قبل الجميع،ومعرفة مواقف الاحزاب،ماهي التعليمات الانتخابية وكيفية ادارة النظام،وبهذه الوسيلة نستطيع مواجهة الفساد وهو المشكلة الرئيسة لدى الاحزاب السياسية،وليس فقط في الدول النامية بل حتى في الدول المتقدمة،الثانية هي ضرورة أن يكون الاشخاص الراغبين في الانتماء الى الاحزاب نشطين جداً و يطورون برامجهم داخلها،و السيطرة عن كثب على قياداتهم حسب المستطاع ،ما يؤدي الى حث الاحزاب على العمل بشكل أفضل،أنا لاأقول أنّ الاحزاب تعمل بشكل جيد لآنّ هناك بعض الاسباب التي تدفعنا الى الاستياء ازاءها،لذا أؤكد أنّ كل البدائل تتجه الى الاسوء عندما تحاول الحكومة ادارة البلاد بدون مشاركة الاحزاب السياسية وبدون اجراء الانتخابات ، حتماً هذه ليست ديمقراطية .)) اذن الامر الذي يقف عنده علماء السياسة كتحدي هو حاجة الاحزاب وفي الوقت ذاته تقصير الاحزاب في تمثيل طموحات الجماهير،ولكن السؤال الرئيس هو هل أنّ الاحزاب في الدول النامية فقط، لها مثل هذه المشكلة، أم انها موجودة حتى لدى الديمقراطيات المتقدمة؟ توجهنا بهذا السؤال الى البروفسور كريكور بوب ايليج استاذ العلوم السياسية في جامعة برينسون و الباحث في معهد ورود ولسن الشهير، حيث أجاب قائلاً: (( أعتقد أنّ الأعتراضات التي يوجهها المواطنون الى الاحزاب حول عدم الأستماع الى طموحاتهم و مطالبهم، هي مشكلة عموم المجتمعات الديمقراطية ومن ضمنها المجتمعات النامية و المتحضرة،وهذا بسبب ان غالبية المواطنين في الدول الديمقراطية الغربية يشكون من الاحزاب السياسية لعدم السماع لمصوتيها،و على سبيل المثال لو نظرنا الى الازمة الاقتصادية الحالية في اوروبا لرأينا أن اغلب المواطنين الاوروبيين يدّعون بأن الاحزاب السياسية لاتصغي اليهم،لذا نجد أنّ هناك ادانة من بعض الدول كاليونان و اسبانيا ،و في الوقت ذاته توجد احزاب في بعض الدول النامية تصغي الى المواطنين،ولكن المسألة بالنتيجة تتعلق بمستوى المشاركة وضغوط المواطنين على الهيئة المنتخبة،وما ينبغي على الاحزاب السياسية هو اظهار ديمقراطيتها على المستوى المحلي،احدى الوسائل لتحقيق ذلك هو اجراء الانتخابات وفق المنافسة الانتخابية الحرة بين الاحزاب،وبدلاَ من أنْ تقرر قيادة الاحزاب منْ هو المنتخب، من الافضل أن يقرر المواطنون من المستحق أنْ يكون مرشحهم،ولكن اذا قامت الاحزاب بأختيار المرشحين،حتى لو كانت الانتخابات حرة ويشارك الموطنون فيها بكامل الحرية ولكن لايبقى أمامهم المجال الكافي لأختيار مرشحيهم الذين يمثلوهم لأن المرشحين بشكل عام هم من الاشخاص الذين اختارتهم مجموعة صغيرة،ولذا فإنّ تحقيق الديمقراطية المحلية داخل الاحزاب السياسية امر مهم جداً، البتة المشكلة هي ضرورة تفعيل مشاركة المواطنين لهذا الغرض،لأنه في حال عدم اهتمام الافراد بالسياسة والمشاركة في التصويت أو التوجه كل اربع سنوات الى صناديق الانتخابات من اجل التصويت فقط و لايكون لهم الدور الفاعل ، عندها لايكون لهم الصوت المسموع ولا يصغي اليهم النخبة السياسية.))
وحول تدني الثقة بالاحزاب السياسية،أو تخفيض نسبة العضوية بين الاحزاب، و الى أي حد لها التأثير على الاحزاب؟ البروفسور كريزيستوف يواصل حديثه ل(كولان) قائلاً: (( غرس جذور الديمقراطية يحتاج الى وقت،كما اننا بحاجة الى المزيد من الوقت لمعرفة مدى استجابة الاحزاب الى مطالب الجماهير،لاتوجد ديمقراطية خلتْ من الخلل منذ بداية بنائها،بل هي عملية شاقّة و مؤذية احياناً،ولكن ينبغي أنْ تكون بهذا الشكل، يجب بناء المؤسسات الديمقراطية ليدافع عنها الناس ،ولكن بالنسبة الى سؤالكم،فهو مهم وليس من السهل الاجابة عنه بأختصار،لأنّ هناك عدة عوامل وراء هذه المسألة،من جهة نرى أن الاعلام يلعب دوراً مهماً جداً في الدول النامية والناس غير مرغمين للأنتماء الى الاحزاب لمعرفة مدى تمثيلها لهم أو التصويت لها،كما ان الاحزاب تولي اهتماماً قليلاً بتجنيد اعضائها الجدد، وبينما تهتم بنتائج الحملة الانتخابية عن طريق وسائل الاعلام ( الأذاعة و التلفزيون و الانترنيت ... الخ،هذه بعض العوامل، الى جانب عوامل أخرى منها عدم اهتمام الناس بالسياسة و المشاركة في الحملات السياسية حتى في الدول التي تطّبق الديمقراطية بفاعلية، لأنّه بأعتقادهم طالما الامور تسير قليلاً أو كثيراً بشكل طبيعي، اذنْ لماذا الانتماء الى الاحزاب ودفع الاشتراكات الشهرية لها و حضور اجتماعاتها،في دولة مثل امريكا نجد أنّ نصف الذي له يحق له التصويت يشارك في الانتخابات،قد يجوزأنْ يكون هذا نوعاً من الاهمال ولكن لايهمهم سبب ذلك،كما أنّ في الدول النامية والتي تحدق بها مخاطر كبيرة على الاتجاه الذي تسلكه ، نجد أنه من الاسهل للأحزاب السياسية و قادتها الطلب من الجماهير الأنتماء اليها و المشاركة في العملية،بأعتقادي إنّ هذه أمور مختلفة لها التأثير على الاوضاع التي تتحدثون عنها.))
المعايير الدولية للأحزاب السياسية
اذا كان وجود الاحزاب السياسية مهمة بالنسبة للديمقراطية الى هذا المستوى ،فالسؤال هو لماذا تتعالى الاصوات احياناَ من قبل مجموعة معينة لألغاء الاحزاب السياسية؟ في حين أنّ الاصوات ذاتها تحاول الوصول الى السلطة و حكم البلاد عبر صناديق الانتخابات؟الى أي حد تلحق تلك الآراء الآضرار ببناء الديمقراطية؟وحول هذه الاسئلة يتساءل المختصون انطلاقاَ من نقطة وهي اذا كانت الديمقراطيةُ نيابيةُُ على الصعيد السياسي و يقوم دستور مدني بضمان اللبرالية ،و على الصعيد الاقتصادي ينظّم السوق التوازن الاقتصادي، ففي هذا النموذج من الديمقراطية والتي تسمى الديمقراطية الليبرالية أو النيابية ،إنّ لم يكن للأحزاب السياسية أي وجود، هل أنّ مطالب المجتمع تخلق الاحزاب كضرورة،ولكن اذا كان الهدف من بناء الديمقراطية فقط ديمقراطية صناديق الاقتراع و اجبار الناس على التصويت الى الاشخاص وليس الى المؤسسات السياسية،عندئذٍ يتحقق نموذج من الديمقراطية الموجودة حالياَ في دول امريكا اللاتينية و روسيا و عدد من جمهوريات اتحاد السوفيتي السابق،ولمنع ظهور مثل هذا النموذج من الديمقراطية،وضعتْ الدول الديمقراطية الغربية عدداَ من المعايير للأحزاب باسم(المعايير العالمية للعمل الحزبي في المجتمعات الديمقراطية)وتضم المعايير الجوانب التي من الضروري مراعاتها من قبل الاحزاب التي تهدف الى بناء الديمقراطية عند عملها وهي : ( 1-احترام حقوق الانسان،2- احترام مباديء شرعية الانتخابات كأساس للحكم،3-احترام التعددية و مباديء المنافسة الحرة،4-الالتزام بنبذ العنف،5-نشر المباديء و السياسة المقترحة للآنجازات،6- حث المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية،7-تطبيق الحكم بمسؤولية، 8-الالتزام بضوابط عملية الانتخابات، 9-تنظيم الاحزاب بحيث لايخالف تلك المباديء،10-اتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة الفساد السياسي،هذه هي الشروط الرئيسة التي تتطلب مراعاتها من قبل الاحزاب السياسية من اجل تطويرالحياة السياسية في المجتمعات الديمقراطية، ولكن عندما يتم توجيه آراء معينة دون مراعاة تلك المباديء وتمسح مباشرة دور الاحزاب في المجتمع،في هذه الحالة بدلاَ من أنْ تخدم تلك الاراء العملية الديمقراطية،توجّه لها ضربة مبرحة وتكرر تجربة ديمقراطية فاشلة.
Top