• Friday, 19 April 2024
logo

نختلف ولكننا لسنا اعداء .. المعارضة الوطنية تراقب المؤسسات الشرعية ولا تعاديها

نختلف ولكننا لسنا اعداء .. المعارضة الوطنية تراقب المؤسسات الشرعية ولا تعاديها
ان الوضع السياسي الذي استجد , بعد صدور بيان حركة التغيير , ليس اشارة الى قوة البيان او الى هيستريا السلطة كما تتباهى به حركة التغيير, او تسعى الى اخفاء الخطا الذي شاب فحوى البيان , بل هو اشارة الى استخدام بعض الجمل والعبارات السياسية التي استخدمتها التغيير في بيانها , بشكل غير مسؤول , يقرأهُ انصار السلطة والمعارضة في كوردستان , الاناس العاديون والمثقفون , وكأنه خطر على مستقبل العملية الديمقراطية , الاحساس بهذه المخاوف , دليل على تطور الفكر السياسي وادراك الفرد للمعنى الحقيقي للديمقراطية , وهذا التعبير الواسع عن الرفض وقلب طريقة صياغة البيان , هو انعكاس لمستوى نضوج الفكر السياسي وانعكاس لمفهوم الشارع السياسي في كوردستان , للثقافة الديمقراطية , وبالمقابل فان طريقة كتابة البيان , بهذه الصيغة , كانت سببا لرفضه من قبل كل الاطراف , كما اظهر انعكاس الفكر السياسي لدى قيادة حركة التغيير, ان اهالي كوردستان لا يقبلون به . ولكن السؤال هنا هو : هل ان الناس في كوردستان , بما فيهم انصار الحزبين ( الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني ) ايضا , يرفضون كل النقاط الواردة في بيان الغيير وهم غير مستعدين لمناقشته ؟ام ان في البيان بعض النقاط والفقرات الجيدة التي يمكن النظر اليها بنظرة مختلفة عن بعض الفقرات الاخرى ويمكن التباحث حولها ؟

لقد رأينا كيف رفض الناس في كوردستان , خلال الايام الماضية , البيان بالكامل ولم يقبلوا ان يكون تعبيرا عن رأيهم لسبب بسيط هو ان اطار البيان الذي كان قد حددته حركة التغيير لبرنامجها , اذا لم يكن بمقدورنا ان نسميه , محاولة لاجهاض الديمقراطية , فبالامكان تسميته بـمحاولة للانسلاخ عن الديمقراطية والخروج عن اطار المبادئ السياسية والدستورية التي بني عليها النظام السياسي في هذه البلاد , تلك التي يعتبرها اهالي كوردستان من مكاسبه التي دفع من اجلها القرابين والشهداء على مدى مئات السنين ,و ليس المقصود هنا ايجاد المبررات كما يدعي البعض من ان قادة التغيير لا حصة لهم ولم يدفعو القرابين من اجل تجربتنا هذه ام انهم ليسو مشاركين في العملية السياسية, بل بمعنى عدم القبول بدفع العملية السياسية باتجاه لا يتفق مع امال الناس في كوردستان وطموحات كل الاطراف السياسية .
وهنا يبرز سؤال وهو : لماذا اظهر الرأي العام انه لا يقبل بالبيان الذي اصدره التغيير ؟الجواب يدفعنا الى العودة الى ايجاد تعريف جديد لبعض المصطلحات التي تستخدم داخل المجتمعات الديمقراطية بمعنى معين فيما تسخدم في داخل المقالات السياسية بقصد ومعنى مغاير , مثلا :
* عندما يتم الحديث عن الديمقراطية فان اهالي كوردستان يفهمون المصطلح بمعنى الديمقراطية الليبرالية , فيما تستخدمها الاطراف الاخرى ـ معارضة كانت ام سلطة ـ بمعنى اخر , وهذا ما لا يتفق علية الرأي العام ويقف ضده .
* الديمقراطية الليبرالية اي الديمقراطية النيابية ,والديمقراطية النيابية تعني الديمقراطية التي تكون فيها الاحزاب السياسية , ممثلة للشعب داخل البرلمان, ولهذا ينظر الى الحزب السياسي على انه ضرورة نيابية, وكل جهة تسعى زوال الحزب السياسي, لأي سبب او مبرر كان, فهو في النهاية, يسعى الى اسقاط الديمقراطية النيابية وبناء الديمقراطية البوبوليستية عن طريق صناديق الاقتراع, بمعنى تقوية السلطة الفردية واضعاف المؤسسات القانونية والدستورية.
هذا الكلام ليس دفاعا عن القصور الذي تعاني منه الاحزاب السياسية في مشروع التمثيل النيابي, لأن في كل الدول الديمقراطية بما فيها ديمقراطية " الدول الغربية وديمقراطية الدول ما بعد الشيوعية والدول النامية "تعاني الاحزاب السياسية من النواقص في مشروع التمثيل ولم تكن موفقة في تمثيل الناس داخل البرلمان, كما ينبغي.
ولهذا السبب, وفي الوقت الذي تعتبر فيه الاحزاب السياسية جزءّ من مشاكل المجتمعات الديمقراطية, فان عدم وجود الاحزاب السياسية ايضا يعني عدم وجود الديمقراطية النيابية. ولهذا فان المجتمعات الديمقراطية وضعت عقوبات على الاحزاب السياسية التي تخفق في تحقيق مشروع التمثيل النيابي, خلال دورة برلمانية كاملة. وهذه العقوبات,هي صناديق الاقتراع ومحكمة المساءلة, ولهذا فان في المجتمعات الديمقراطية, يتم التأكيد على نزاهة وعدالة مشروع الانتخابات لكي يتم معاقبة الاحزاب المقصرة في اداء واجبها النيابي, خلال دورة برلمانية كاملة,ولكن السؤال الاخر هنا هو,اليس من واجب المعارضة ان تسعى الى معالجة التقصير وان توضح موقفا للرأي العام ,ازاء تقصير الاحزاب السياسية ؟
لا شك ان المعارضة الوطنية التي تمثل قطاعا من الناس, تصادق على برنامج مغاير لذلك البرنامج الذي تطبقه الاحزاب المشاركة في الحكومةالان, ومن حقهم ان يقنعوا الناس برفض برنامج الاحزاب المشاركة في الحكومة وحثهم على القبول ببرنامجهم هم, ولكن يجب ان يتم هذا العمل ضمن اطار اللعبة الديمقراطية و ان تتم مناقشته تحت سقف البرلمان وليس من خلال تحريض الناس بشكل مباشر,وتجاهل المؤسسات الشرعية والديمقراطية .
الحديث عن المعارضة, يعني الحديث عن مجتمع ديمقراطي, ولا يجوز ومن غير المقبول ان تكون المعارضة موجودة بشكل مكشوف وان تكون لها فضائية وراديو وموقع الكتروني, وان لا يكون هناك اطار معين وحدود قانونية للانشطة السياسية التي تمارسها. كأن تصف نضام الحكم في البلاد بـ"التوتاليتاري"و " الدكتاتوري",لا وجود لهذا في اي بلد ديمقراطي, ولهذا حينما تمنح المعارضة لنفسها حق وصف السلطة السياسية بالتوتاليتاري والدكتاتوري فانها في هذه الحالة, تنزع عن نفسها هوية المعارضة الوطنية, مسبقا, وتجابه السؤال التالي الذي لن نجد له الاجابة :
( اذا كانت السلطة السياسية الموجودة حاليا في كوردستان, سلطة دكتاتورية وتوتاليتارية, فكيف وجد ت المعارضة؟ وهل بامكان حركة التغيير ومن خلال اجهزة اعلامها ان ترينا نموجا لسلطة دكتاتورية وتوتاليتارية ما, ان تقبل بوجود المعارضة بشكل حضاري؟ هل بامكان حركة التغيير ان ترينا مقاطع تصف فيها المعارضة ـ في بلدان ديمقراطية ـ النظام السياسي في تلك البلاد, بالدكتاتور والتوتاليتاري وان تسعى الى الحصول على شرعية اسقاط النظام من خلال الشارع؟ هل سمع احد ما, الحزب الجمهوري وهو يصف ادارة اوباما بالسلطة الدكتاتورية والتوتاليتارية, لأن الحزب الجمهوري موجود خارج السلطة؟وهل حينما يصل الحزب الجمهوري اوالحزب الديمقراطي, الى السلطة, يقال للسلطة في امريكا, حكومة الحزب الجمهوري او حكومة الحزب الديمقراطي؟
الغرض من هذه الاسئلة, ليس تحشيد التأييد للاحزاب الموجودة في الحكومة والتأليب ضد حركة التغييرالتي هي خارج الحكومة, بل هي محاولة للعودة الى اصول اللعبة الديمقراطية ودعوة للتعود على الالتزام باسس اللعبة الديمقراطية.
ان الخروج على اصول اللعبة الديمقراطية يفقد الديمقراطية معناها ,
اذا بلغ مجتمع ما مستوى متكامل وبدون قصور فهذا يعني ان نشاط العقل في هذا المجتمع، متوقف.
حول هذا الجانب، يعتقد كارل بوبران التقدم يجلب معه مشاكل جديدة، فعلى سبيل المثال ان التطور في مجال العلوم الطبية اصبح سببا في الزيادة غير المعقولة لسكان العالم،الى حد بات فيه العالم يعاني من مشكلة وهو يبحث لها عن حلول عن طريق الحد من الولادات، وهذا الحل اتى معه بمشاكل جديدة،وفي مقدمتها الزيادة في نسبة كبار السن على حساب النقصان في نسبة الشباب وبالتالي النقص في الايدي العاملة في البلدان المتقدمة الامر الذي يحوّل المجتمع الى مجتمع لكبار السن، اي الى مجتمع بحاجة الى خدمات دون ان يقدمها.
ان منهج بوبر يقول لنا ان مشاكل المجتمع الديمقراطي لا تنتهي،لهذا فانه يتناول في مقاله المذاع عبر راديو المانيا في العام 1972 تحت عنوان" المذهب المعرفي في منظولر المنطق " يتحدث عن " التعلم بين منهج المحاولة والخطأ" ويجمعها في ثلاث نقاط هي :
1 ـ المشكلة.
2 ـ محاولات اصلاح المشكلة.
3 ـ ابعاد محاولات الاخطاء لاصلاح المشكلة.
ان بوبر يربط المحاولات لاصلاح المشكلة بالاستخدام المعرفي وهذا يعني ان كل مشكلة في المجتمعات الديمقراطية لها حلولها وهذه الحلول مبنية على اسس معرفية من اجل الحفاظ على حق الافراد داخل المجتمع، ولهذا السبب فاننا اذا ما نظرنا الى اقليم كوردستان ضمن اطار منهج بوبر واذا ما سألنا، هل هناك مشكلة ما في كوردستان؟ فاذا حاولنا ان نقتنع بانه لا وجود للمشاكل في كوردستان فهذا يعني اننا نقول لانفسنا ان تطور العقل في مجتمعنا قد تجمد وليس هناك اي مظهر من مظاهر التقدم في الاقليم، ولكن السؤال الاخر الذي يعترضنا هو، اننا اذا ما اعترفنا بوجود المشكلة فكيف نعمل على حل تلك المشكلة؟
دون شك، يجب ان تكون الحلول مبنية على اسس معرفية ومنطقية وان تقتنع كل الاطراف بالابتعاد عن " محاولات ابعاد الاخطاء لعلاج المشاكل "اذا لم تتوفر هذه المرونة لابعاد المحاولات الخاطئة داخل المجتمع فهذا يعني اننا نخاف من ارتكاب الاخطاء واكبر خطأ هو ان نخاف من ارتكاب الاخطاء على حد زعم" هابرماس".
وهذا بدوره يعني اذا لم تكن الاخطاء موجودة في المجتمعات الديمقراطية فان الديمقراطية غير موجودة.
وعلى هذا الاساس فان مفكرا كبيرا مثل توم كولدن بالمر من معهد كاتو، يتناول التحديات التي تجابه المجتمع الديمقراطي في البدان النامية،ويشير صراحة الى ان الديمقراطية ليس لديها الحلول السحرية ويقول :
( التوقعات الواقعية هي مفتاح الدعم وتثبيت الديمقراطية،واذا كان الناس يتوقعون نتائج سحرية من الديمقراطية فانهم سيتعرضون للاحباط وسيتخلون عن الديمقراطية.
ومن جهة ثانية فان الناس اذا ما لم يتوقعوا اجراء انتخابات حرة وعادلة من الحكومة فانهم لن يتعرضوا الى الاحباط في هذه الحالة، ولكنهم، دون شك لن ينعموا بالديمقراطية الى امد بعيد).
قصد "بالمر" من ربط حالة النظر الى الديمقراطية على انها تحمل معها حلولا سحرية،كسبب لفقدان الامل مع حالة فقدان الامل من قبل المواطن عندما يشعر بلا عدالة الحكومة، يقصد ان الناس حينما تعول على النتائج السحرية للديمقراطية وتعتقد ان البلاد اذا ما تحولت الى الديمقراطية فهذا يعني ان كل مشكلاتها محلولة،هذا يعني ان البلاد ان اي بلاد لن تؤسس اذا لم يكن فيها اخطاء ومشاكل ونواقص، ولهذا فان الديمقراطية تفقد معناها في هذه الحالة وتتحول الى طوباوية، اشخاص معدودون يفسرون الديمقراطية على هذا النحو و يستغلون الاخطاء والنواقص لتمرير ايديولوجيتهم واثارة الرأي العام والاستحواذ على السلطة.
ان الاشخاص الذي لا يستطيعون مجابهة المجتمع الديمقراطي والمؤسسات الشرعية والدستورية، ليس لديهم طريقة اخرى سوى تأليب الشارع واللجوء الى الفوضى،وهذا ما يؤدي بنا بشكل مباشر الى نتيجة ان طرق معالجة البحث عن الاخطاء والنواقص والكشف عن مواطن الفساد داخل المؤسسة السياسية من اجل ايجاد الحلول لها ليست منطقية،بل انها محاولات خاطئة من اجل اسقاط النظام واضعاف المؤسسات السياسية في المجتمع الديمقراطي ومصادرة الفيتو عن المؤسسات من اجل تحديد امكانات النظام وتحديد صيغة عمل المعارضة ضمن اطار المؤسسات الشرعية للنظام الديمقراطي.
حول هذا الموضوع المهم يقول البروفيسور كينيس روبرت استاذ العلوم السياسية في جامعة كورنيل والمتخصص في السياسة المقارنة في امريكا اللاتينية، يقول حول مسالة اضعاف مؤسسات المجتمع الديمقراطي من قبل بعض القادة البوبوليست:
( نعم تفسيركم هذا صحيح فالقادة البوبوليست يظهرون حينما تكون المؤسسات ضعيفة او حينما تتعرض المؤسسات الى بعض الاشكالات، تقوية المؤسسات هي افضل دواء ضد البوبوليزم، ولكن المشكلة تكمن في كيفية انجاز هذا العمل؟لأن تقوية المؤسسات ليس بالعمل الهين وليس هناك اي نهج واضح وبسيط ،لكنني اعتقد ان افضل طريقة لمجابهة البوبوليزم هو وجود حزب سياسي قوي بامكانه ان يمثل الناس في العملية السياسية و يطمئن له الناس، ولهذا فان وجود حزب سياسي قوي و نظام مؤسساتي متين ووجود نظام قضائي متمكن، و مؤسسات قوية تظمن حقوق المواطنين وتستجيب لمطالب الناس ضمن العملية السياسية، كل هذه حلول ناجعة للتصدي للبوبوليزم).
وحول استغلال ظاهرة الفساد ومعاناة الناس وتوظيفها في الخطاب السياسي للبوبوليست يقول البروفيسور روبرت لكولان :
( ان انتقاد ظاهرة الفساد هي احدى اساليب معاداة المؤسسات الديمقراطية.
للوصول الى السلطة والحصول على الاصوات يعمد البوبوليست الى انتقاد المؤسسات السياسية والتشهيربها ووصفها بالفساد من اجل ان تؤثر على الناخبين، ولهذا فانا اعتقد ان هذا جزء من استراتيجيتهم، ففي امريكا اللاتينية،اذا ما اراد شخص ما ان يرشح نفسه فانه ينتقد المؤسسات السياسية ويصفها بالفاسدة بهدف الوصول الى السلطة, ولهذا فان هذه العملية ليست حكرا على البوبوليزم وحدهم بل هي جزء من الخطاب السياسي ومحاولة للوصول الى السلطة، ولكن لا شك ان وجود ظاهرة الفساد وتفاقمها توفر المناخ لظهور الشخصيات البوبوليستية.
وهذا هو السبب الذي يدفع بالقادة البوبوليست الى توظيف الفساد في خطاباتهم من اجل تأليب الناس بهدف الوصول الى دفة الحكم دون ان يكون لديهم البديل لمعالجة مشاكل الفساد او الحد منها.
اعتقد ان افضل حل للحد من ظاهرة الفساد هو تقوية المؤسسات،بشكل يمكن فيه تطبيق القانون وان يطمئن الناس للحكومة التي يجب ان تكون هي الاخرى مسؤولة امام القضاء، ولهذا فان البوبوليست تسعى لاضعاف المؤسسات الحكومية لتكون سببا لزيادة التعقيدات وفقدان السيطرة على مسألة الفساد، لأن البوبوليزم ينمو في الاجواء التي تكون فيها المؤسسات ضعيفة ولهذا فانني اكرر الاشارة الى المؤسسات القضائية والتمثيل، نظام قضائي قوي بمقدوره ضمان حقوق المواطنة، فضلا عن وجود لجنة قوية لتشريع القوانين واحزاب سياسية قوية واستجابة سريعة لمطالب المواطنين وسماع صوتهم، اعتقد هذا افضل حل).

سيادة القانون والمؤسسات من اجل تطوير المجتمع
اشارنا سابقا الى ان الديمقراطية تستخدم بمعنى الديمقراطية الليبرالية، لكننا ها هنا سنأتي الى جانب اخر من الموضوع ونقول ان الديمقراطية الليبرالية ايضا، لن يكون لها وجود بدون سيادة القانون ومؤسسات قوية،والسؤال هنا هو، ماهي العلاقة بين الديمقراطية الليبرالية والمؤسسات؟
للاجابة على هذا السؤال، يعتقد المتخصصون ان تركيزالمفكرين والساسة في المجتمع الديمقراطي على اهمية دور سيادة القانون في بناء المؤسسات ودور المؤسسات في تقدم وتطور الاقتصاد، والليبرالية تسهم بشكل فعال في توفير الرفاه للناس،وهذه المشاركة والاسهام تأتي عن طريق اصرارها على بناء المؤسسات وفقا للقانون والتي تحولت بدورها الى حافز لتطبيق القانون، ولكي نفهم العلاقة بين الليبرالية وهذه المؤسسات، لابد اولا من التمييز بين نقطتين مهمتين،وان نسأل انفسنا ان كنا نقف بالضد من الحكومة او اننا نعمل لصالح تحديد صلاحيات الحكومة؟
غالبا ما يحصل خلط بين هذا الجانبين ولا سيما من قبل اولئك الذين لا يريدون للمجتمع ان يخطو نحو الليبرالية، ولكن هذا لا يعني ان هؤلاء لا يحبذون الليبرالية او انهم اناس لهم افكار وايديولوجيا معينة،بل انها تشمل كل الناس الذين يرفضون الحكومة والسلطة المحدودة ويدعون الى حكومة بصلاحيات مطلقة،ولهذا فان كل هؤلاء الاشخاص، ان كانوا من اليسار او العلمانيين او من الاحزاب الدينية، يركزون محاولاتهم على اضعاف الحكومة، وعلى العكس من هؤلاء، فان اولئل الذين ينظرون الى الحكومة ضمن اطار النظام الليبرالي الديمقراطي، فهؤلاء لا يريدون اضعاف الحكومة بل يفضلون ان تكون للحكومة جملة من المهام المحددة وان تنفذ تلك المهام بنشاط وكما ينبغي.
للحديث حول قوة المؤسسات ودورالقانون في بناء المؤسسات وتحولها الى دعم وظهير لتحقيق سيادة القانون التقت كولان البروفيسور دايان ديفيز استاذ السيسيولوجيا السياسية في جامعة ماسيوشيتد وسألته عن هذا الموضوع فقال:
( دعني اتحدث اولا عن تقوية سيادة القانون وتقوية المؤسات الديمقراطية وتأمين نوع من الامان والطمانينة للمواطنين من قبل الدولة واقول ان كل هذا مهم للغاية، هذا الجانب يعتبر اهم الاشياء في التعامل مع الافكاروالاراء المختلفة والمتباينة من الناحية السياسية والاقتصادية وغيرها،اما اذا كان السؤال عن كيفية الوصول الى سيادة القنون والى بناء مؤسسات قوية؟ فساجيب واقول ان هذا كان جزءا من نضال القرن العشرين ولا زال النضال مستمرا ليتحول الى تحدي للقرن الحادي والعشرين، وهوكيف يمكن ان نقوي المؤسسات الديمقراطية؟ ولا سيما في عالم يواصل السير نحو الاختلاف والتباين والعنف، في اعتقادي ان تقوية المؤسسات الديمقراطية في ظروف كهذه، عملية صعبة لأن هناك تباين في الواردات ومعضم الناس يقولون :
" ليس المهم ان نتجه الى صناديق الاقتراع، المهم هو ان نوفر لقمة العيش وان لا نتعرض للجوع "لذافانا اعتقدان الاعلام الحر وحرية التعبير مهمان للغاية لأن الناس بحاجة الى معرفة وفهم، كيف يمكنهم صنع القرار وهل ان هذه القرارات تناسبهم ام لا؟ لا يمكن للناس ان يعرفوا كيف يتم صنع القرار، من دون وجود اعلام حر).
ما تحدثت عنه السيدة دايان، كان حول متاعب بناء المؤسسات القوية داخل المجتمع،ولكن السؤال هنا هو كم ستكون الصعوبة مضاعفة اذاما كانت هناك ثمة قوة داخل المجتمع، تعتبر نفسها يسارية وتعمل بشكل معاكس من اجل اضعاف المؤسسات؟
للاجابة على هذا التساؤل وفي حديث خاص بكولان يقول البروفيسور ستيفن دايموند استاذ القانون في جامعة سنتا كلار:
(ربما كان وصف هؤلاء، محل للنقاش، انا افضل ان يقال لهؤلاء" بوبوليست ساعون للسلطة"وهؤلاء البوبوليست في جانب منهم،هم رد فعل للاصلاحات التي حصلت داخل الليبرالية في اجزاء من العالم النامي، خلال الـ 25 سنة الماضية، اي هي في الاساس محاولة للتأقلم مع التحديات التي تنجم عن مساعي اعادة البناء والخصصة،وفي اعتقادي ان هذاهو توجيه سلبي للاحداث ولها علاقة بوجهة نظر واشنطن التي تجري المحاولات لفرضها على العالم.
ولهذا فانا افضل ان نطلق عليهم اسم " الستالينيون" او " الستالينيون الجدد" بدلا من"الماركسيين" لأن هناك اختلاف في هذا الجانب.
في الحقيقة ان طبيعة هذه الانظمة تشابه نظام شافيز المبني على طراز نظام كاسترو، شافيز يميل الى تلك الحركات التي تسعى وراء السلاطة، وبعد وصول هذه الحركات الى السلطة فانها تسعى الى تقوية سلطتها،في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ضهرت الى الوجود كقوى وحركات ديمقراطية ومن ثم سيطروا على البلاد سيطرة كاملة، ثم وسعوا سلطاتهم،وجاء هذا كرد فعل ومعاداة لاصلاحات الرأسمالية المتمثلة بالخصخصة، غير انهم لجأؤا الى الية السيطرة فيما بعد من اجل توجيه سياسة واقتصاد البلاد في الاتجاه الذي ارادوه، وكان هذا تحديا حقيقيا للحركات الديمقراطية،ولهذا فان وجود مؤسسات ديمقراطية قوية، هو افضل عائق امام نظام فاسد ونظام بوبوليستي يسعى فيما بعد من اجل السيطرة على السلطة، ولكن السؤال هو:ضمن اي سياق تعمل هذه المؤسسات؟اذ يجب مراعات الانفتاح والشفافية والديمقراطية اثناء عملية بناء هذه المؤسسات، ولكن حينما تسلم الحركات الاجتماعية زمام الامور الى نخبة صغيرة، فانها ستتسبب في حدوث المشاكل، اذن، فان المسألة تتوقف على المواصفات الاجتماعية للمؤسسات،اذن فان هذا تحدي يجابه الناس الذين يسعون الى بناء المؤسسات التي تسيّر امور الحكم، يتوجب على الناس في الدول النامية، اهالي العراق ان ينظموا انفسهم بشكل جماعي، بشكل ديمقراطي، على سبيل المثال، في الاتحادات التجارية، اي يجب التاكيد على الناس ان ينظموا انفسهم ضمن هذه المؤسسات الديمقراطية كما الاحزاب السياسية، لكي يستطيعوا التعبير عن انفسهم ).
ان ما يؤكده البروفيسور دايموند هو ان تحاول كل الاطراف معالجة مشاكلها عن طريق المؤسسات الشرعية داخل النظام الديمقراطي.
وحول موضوع روح التعاون بين الاطراف السياسية من اجل العودة الى المؤسسات الشرعية، يقول البروفيسور ليسلي اليوت استاذ العلوم السياسية والمتخصص في سياسة امريكا اللاتينية في جامعة بيركلن وفي لقاء خاص بكولان : ( لابد ان يتحلى رؤساء المجاميع بارادة العمل الجماعي وان يثق بعضهم ببعض من اجل العمل ضمن مشروع مشترك، واذا سادت روح الضغينة والحقد وعدم الثقة بينهم ، فستنعدم سبل السير نحو الامام.
اما حول المؤسسات فيمكنني القول ان وجود المؤسسات القوية ستكون عاملا لتوفير الفرصة للناس لاختيار مرشحيهم المختلفين عن طريق الاقتراع والتعبير عن ارائهم السياسية، واهمية المؤسسات تتضح حينما يتم انتخاب الرئيس الذي لا يمكنه الاقدام على تنفيذ منا يتمناه ، على سلبيل المثال، فانه لا يمكنه استخدام القانون بدون موافقة البرلمان، هناك جملة لادم شوارزكي، حينما يتحدث عن فقدان الديمقراطية لاولئك الموجودين في السلطة,بمعنى ان عوامل ابعاد اولئك الذين في السلطة واستبدالهم باخرين، موجودة باستمرار.
ما يدعو الى الاطمئنان هو ، اذا كان الناس يثقون بعمل كهذا فأن من الصعوبة على قوى البوبوليزم التخريبية،ان تظهر الى الوجود).ٍ

ترجمة عبدالرحمن باشا
Top