• Monday, 27 May 2024
logo

طالب كوردي يترجم أمهات كتب الأدب إلى اللغة الكوردية

طالب كوردي يترجم أمهات كتب الأدب إلى اللغة الكوردية
يقول "مادح بيريونيسي" إنَّ حبه للأدب تطوَّر وهو في سن صغيرة أثناء طفولته التي قضاها في إيران.

"لا أدري إن كان القول إنَّ كل إنسان يولد وفي داخله شاعر ضرباً من المبالغة"، هكذا قال مديح ضاحكاً، بينما كان يجلس في مقهى مزدحم بقرب جامعة "تورونتو" في كندا، التي يدرس بها للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية، وفقاً لتقرير موقع "ميدل إيست آي".

ومع أنَّ لغته الأم هي اللهجة السورانية الكوردية، الشائعة بين الكورد في كوردستان إيران وكوردستان العراق، قال مادح ذو الـ25 عاماً إنَّه يجد صعوبة كبيرة في العثور على كتب بلغته الأولى، واضطر إلى قراءة الشعر بالفارسية بدلاً منها.

وأضاف: "عندما كنا أطفالاً، كانت الكتب الكوردية نادرةً للغاية. أتذكَّر أوَّل بضعة كتب قرأتها بالكوردية. قلت لنفسي: (ياللعجب! إن هذا لا يزال أدباً لكنه مختلف)".

اليوم، يسعى مادح، الذي تعود أصوله إلى مدينة "مريوان" بالقرب من الحدود الإيرانية-العراقية، إلى مشاركة شغفه بالأدب عن طريق ترجمة أمهات الكتب والشعر إلى الكوردية.

أوَّل كتاب ترجمه إلى الكوردية كان "أغاني كبير"، الذي يضم مجموعة من قصائد المتصوف الهندي "كبير داس" الذي عاش في القرن الخامس عشر وترجم كتبه إلى الإنكليزية الشاعر البنغالي "روبندرونات طاغور" الحاصل على جائزة نوبل في الأدب.

ومؤخراً، ترجم مادح أعمال الشاعرة الأميركية "إيميلي ديكنسون" إلى الكوردية.

قال مادح إنَّه يأمل بأن يجعل الأعمال الأدبية الشهيرة في متناول الناطقين بالكوردية، خصوصاً الذين يعيشون في دول الشرق الأوسط، ويأمل أيضاً في المساهمة في حفظ اللغة الكوردية من الاندثار.

وأضاف أن الكُتَّاب الكورد عبر التاريخ "كانوا يشعرون بمسؤولية الكتابة بالكوردية" لأنها لغة "جميلة وجديرة بالحفظ".

وتابع: "أعتقد بأني أفعل الأمر نفسه، لحماية اللغة الكوردية".

يبلغ عدد الكورد في العالم 35 مليون نسمة تقريباً، يعيش معظمهم في تركيا، وإيران، وسوريا، والعراق؛ وقد أصبح شرق العراق منطقة كوردية تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي تحت سلطة "حكومة إقليم كوردستان".

يتحدَّث الكورد عدة لهجات، منها الكرمانجية (الكوردية الشمالية) التي تغلب لدى الكورد في تركيا، والسورانية (الكوردية الوسطى) التي يتحدثها الكورد في العراق وإيران.

تُكتب الكرمانجية بحروف لاتينية في تركيا، التي تبنَّت الأبجدية اللاتينية في عشرينات القرن الماضي مع تأسيس جمهوريتها الحديثة. أمَّا السورانية فتُكتب عادةً بنسخة معدَّلة من الأبجدية العربية.

ومع أنَّ معظم الأدب الكوردي قبل القرن العشرين كان شفهياً، تعود بعض المجموعات الشعرية الكوردية إلى القرن السادس عشر، وفقاً لـ"جعفر شيخ إسلامي"، المدرس المساعد بجامعة "أوتاوا" الكندية، والمتخصص في اللغة الكوردية.

وقال جعفر إن معظم تلك القصائد كان مكتوباً بلهجة كوردية قديمة تُدعى "الكورانية"، بينما كُتب بعضها بالكرمانجية.

وأضاف لـ"ميدل إيست آي" أنَّه وبحلول نهاية القرن التاسع عشر "بلغت الكتابة الأدبية بالكوردية مبلغاً كبيراً، والسبب في ذلك ليس مفاجئاً؛ إذ شهدت هذه الفترة صعود القومية الكوردية".

وفي الوقت الذي ازدهرت فيه الكورمانجية في العراق، واجه الأدب المكتوب بالكورمانجية صعوبةً في التطوُّر في تركيا، التي منعت الكورد لعدة عقود من استخدام لغتهم في الكلام والكتابة، وحتى من تدريسها.

وأضاف جعفر أنَّ تلك الفترة هي التي شهدت تأسيس نظام الدراسة بالكوردية، وأصبحت هي اللغة المستخدمة في التدريس في المناطق المحيطة بأربيل والسليمانية.

وتابع: "كان هذا إيذاناً بأن يقرأ الكورد ويكتبوا بلغتهم".

قال جعفر إنَّ أول كتاب غربي تُرجِم إلى الكوردية كان الإنجيل، الذي ترجمه المبشرون المسيحيون الذين تعلَّموا الكوردية أثناء عملهم في المنطقة.

ونشرت ترجمات مبكرة أخرى في الدوريات الكوردية في أوائل القرن العشرين، بدءاً من المقالات الصحفية والتعليقات السياسية والتاريخية، وحتى التحليل الأدبي والقصص القصيرة.

ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي وتأسيس "حكومة إقليم كوردستان"، نُشرت مئات الكتب بالكوردية في العراق، بينما نُشرت في تركيا آلاف الكتب من ألوان أدبية وفكرية مختلفة، وفقاً لما قاله "جعفر".

في الوقت الراهن، تمَّت ترجمة أعمال "ويليام شكسبير" و"ويليام فوكنر" الكلاسيكية إلى الكوردية، جنباً إلى كتب شهيرة من الأكثر مبيعاً على قوائم "نيويورك تايمز"، من بينها سير ذاتية لقادة أميركيين ورموز سياسية أخرى.

لكن الترجمات تعاني، وفقاً لـ"جعفر"، من تقطُّع في الإنتاج وسط غياب الدعم المؤسسي والحكومي في جميع أنحاء المنطقة الكوردية.

وقد جعل غياب لغة أدبية كوردية موحَّدة من الصعوبة بمكان مشاركة الأعمال الأدبية بين الكورد المنتشرين جغرافياً على مساحات شاسعة والذين يتحدثون بلهجات مختلفة.

وقال "جعفر" إنَّ الانقسامات السياسية والجغرافية في غياب دولة كوردية موحدة منعت ظهور لغة موحدة.

وأضاف: "عموماً، تحتاج اللغة، والثقافة، والمترجمون إلى أكبر قدر ممكن من الدعم؛ إذ من دونه لا يمكن للغة نفسها أن تبقى".

وتابع: "الترجمة يمكن أن تجعل أية لغة غنية جداً وأكثر حداثة وقدرة على التعامل مع القضايا الحديثة، من الصحة حتى التكنولوجيا والسياسة.. وكل الأمور التي نتعامل معها (في حياتنا)".

أقرَّ مادح، الطالب والمترجم، بأنَّ توزيع ترجماته إلى الكوردية كان أمراً صعباً. على سبيل المثال، استغرق إنهاء الترجمة الفارسية لشعر "إيميلي ديكنسون" ثلاثة أشهر، بينما استغرق إعداد النسخة الكوردية أكثر من عام كامل.

وقال إن التشظي الجغرافي الذي يتسم به المجتمع الكوردي هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، بالإضافة إلى أنَّ الكورد يتحدثون بعدة لهجات.

لكن مادح لا يزال يختار ترجمة الأعمال الأدبية التي تضرب في عمق الموضوعات المهمة، والتي تساهم في إثارة قضايا مهمة ونقاشات في داخل المجتمع الكوردي.

وأضاف أنَّ "رسالة المتصوف "كبير" هي رسالة تسامح، وأعتقد بأن هذه الرسالة مهمة للغاية في المجتمع الكوردي، لأن الكورد لديهم ديانات مختلفة ولهجات مختلفة".

بينما تكتب "إيميلي ديكنسون" بقوةٍ عن القضايا التي تتصل بحقوق المرأة والموضوعات التي يشترك فيها العالم كله وفكَّر بها البشر من قديم الأزل، مثل الطبيعة، والحياة، والموت.

وتابع: "أعتقد بأنَّ المجتمعين الكوردي والفارسي، وكل أولئك الذين يتحدثون لغات شرق أوسطية أو شمال إفريقية، معتادون أكثر على الحسّ الشعري، وعلى اللغة الأدبية. إذا تحدَّثت معهم عن طريق الأدب، فأغلب الظن أنهم سيفهمون رسالتك".

وأضاف: "أعتقد بأنَّ هذه الأعمال الأدبية ستؤثر في المجتمع، سواء أحببت ذلك أم لم تحبه.. أنا موقن بأنها تثير في نفوسنا الأسئلة نفسها".
Top