• Thursday, 28 March 2024
logo

العراق: القتلة يشهرون وجوههم

العراق: القتلة يشهرون وجوههم
حازم امين



يصلح البيان الذي أصدرته كتائب حزب الله العراق في أعقاب اغتيال الصحافي إيهاب الوزني في مدينة كربلاء في الفرات الأوسط، نموذجاً لبيانات مستنسخة لطالما صدرت في أعقاب كل عملية اغتيال يشتبه بأن تكون نفذتها جماعات القتل في العراق تحديداً، لكن خارج العراق أيضاً!

البيان لم يشر إلى عملية القتل التي استهدفت الصحافي، انما لحال الغضب التي أعقبتها وأدت إلى احراق جزء من القنصلية الإيرانية في المدينة. والإشارة لوزني في البيان تمت من دون تسميته ومن دون الإشارة إلى أنه قُتل. هو جزء من "مجاميع الفتنة الممولة من الخارج" والتي تتحرك على وقع شعورها بالهزيمة المحتومة في الانتخابات المقبلة. لم تشعر الكتائب بالحاجة إلى ذكر الوزني في بيانها، والأرجح أنها لم تقوى على ذلك، فالجريمة وقعت تحت أنظار الجميع، والكاميرات قد تكشف هوية القتلة الذين من المرجح أنهم سيعبرون الحدود على نحو ما فعل قتلة هشام الهاشمي بعد أن كشفت هوياتهم. بيان الكتائب يصلح فعلاً لأن يكون بيان تبنٍ لعملية الاغتيال، ذاك أن القتيل بحسبهم قارب الخيانة، وهذا ما لم يرد حرفياً في البيان، إلا أن البيان أشار إلى سياق من الأحداث يفضي إلى ضرورة القتل.

القتَلة في العراق لم يعودوا مجهولين. الناس تعرفهم بالأسماء، واذا كان قتلة الهاشمي قد عبروا الحدود بعد انكشافهم، وإعلان أسمائهم، فمن المرجح أن يكون قتلة الصحافي الآخر أحمد عبد الصمد في مدينة البصرة قد لجأوا إلى بغداد واختبأوا في أحد مقرات الحشد الشعبي بحسب ما نقلت تقارير صحافية. علماً أن هؤلاء أيضاً صاروا معروفين بأسمائهم ووجوههم وانتماءاتهم. نقرة على محرك البحث ويظهرون مع الأدلة والفيديوهات التي وثقت جريمتهم. لا بل أن عبد الصمد قبل مقتله كان حدد هوياتهم وأرسلها إلى الكثير من أصدقائه.

قد يبعث هذا الوضوح على الريبة، إلا أن القرائن أقوى من أن تدحض، وهذا تماماً ما جعل كتائب حزب الله تتردد في إصدار إدانة شكلية لقتل الوزني، ذاك أن الجريمة معلنة ولا حاجة لمواراتها وراء إدانة لا سياق لإصدارها. ثم أن الكتائب لا ترغب بإدانة القتل حتى لا تستدرج إلى المصادقة على ذلك.

فرق القتل في العراق تخوض حرباً مكشوفة جعلت من إدانة الجريمة فعلاً هزلياً يمكن تفاديه. فطهران وصلت إلى قناعة هناك أن الشارع الشيعي غير ممسوك، وأن احتمالات إفلاته منها كبيرة، وأن المواجهة لم تعد تحتاج إلى أقنعة. المهمة الأولى في هذه الحال هو القضاء على وجوه الحراك. هذا يتطلب حملة تصفيات مباشرة لا يمكن خلالها إخفاء الوجوه. أقصى ما يمكن أن يحصل هو أن يعبر القتلة الحدود الطويلة، وأن يتواروا خلفها لفترة. أما السلطات العراقية المقيدة بالنفوذ الإيراني، فهي مقيدة أيضاً بسلاح الحشد الشعبي (القانوني)، ومقيدة بحضور الميليشيات في الوزارات، ومقيدة بالعجز عن عبور الحدود أو عن مطالبة السلطات الإيرانية أو السورية بتسليم القتلة. ونجم عن هذا كله، استمرار مأساوي للجريمة، وبدء عملية نزوح كبير إلى خارج العراق أو إلى مناطق كوردستان، وخلو ساحات الاحتجاج من الوجوه المؤثرة.

نظرياً هذه هي خطة فرق الموت في العراق، وهي باشرت تنفيذها عبر عمليات القتل التي تشهدها المدن الشيعية منذ نحو سنتين، والنشطاء العراقيون اذ يُبدون مزيداً من الصمود في وجه حملات قتلهم، يشعرون بأنهم لوحدهم في العراء في مواجهة فرق القتل. فبيانات الإدانة الصادرة عن الهيئات الدولية صارت حدثاً مضجراً لا مردود له، والوعود الحكومية بالمحاسبة لم يتحقق شيء منها، والحدث الهائل المتمثل بانشقاق شارع شيعي عن طهران لم يجد من يستقبله على رغم استثنائيته. وهو إذا وجد من يلاقيه، فلكي يوظفه في مواجهة غير عراقية مع طهران من المرجح أن ترتد ويلاً وثبوراً على الناشطين.

مرجعية النجف بدورها لم تبد رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني الذي كشف عنه الحراك العراقي. الاغتيالات المتعاقبة والقتل المعلن للناشطين لم يخلف بالمرجعية غضباً كافياً كان، لو حصل، سيصعب على القتلة مهمتهم.

عواصم دول الجوار صارت تعج بالناشطين العراقيين العالقين خارج بلدانهم بحثاً عن رحلة إلى دولة أبعد تأويهم وتحميهم من القتل الذي ينتظرهم في بلدهم.

العراق اليوم بلد طارد لكل من تخول له نفسه الاعتراض على نفوذ إيران في مدنه وحكومته ومراقده وحشده. والعراقيون متروكون لوحدهم في مواجهة كواتم الصوت، ووحدها الكاميرات تسجل ما يجري وتلتقط ملامح القتلة. ولا أحد يحرك ساكناً.










باسنيوز
Top