• Monday, 03 March 2025
logo

الدولة العميقة والحكومة العراقية

الدولة العميقة والحكومة العراقية

د.سامان شالي

 

تشير "الدولة العميقة" إلى شبكة سلطة خفية مفترضة داخل الحكومة ، وغالبا ما تشمل بيروقراطيين غير منتخبين أو وكالات استخبارات أو قادة عسكريين أو غيرهم من الشخصيات المؤثرة التي تعمل بشكل مستقل عن القادة المنتخبين ، وغالبا ما تؤثر أو تتحكم في السياسات والقرارات خلف الكواليس. في العراق، كان للدولة العميقة تأثير كبير على الحكم والديمقراطية والاستقرار الوطني. يستكشف هذا المقال آثار الدولة العميقة على الحكومة العراقية، ويحلل جذورها وآليات سيطرتها وعواقبها على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

الخلفية التاريخية للدولة العميقة 

لقد تشكل التاريخ السياسي للعراق من خلال الحكم الاستبدادي والتدخلات الأجنبية والصراعات الداخلية، والتي ساهمت جميعها في صعود الدولة العميقة. في ظل النظام السابق، كانت الحكومة خاضعة لسيطرة مشددة من قبل وكالات الاستخبارات والجيش. وفي أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، أدى تفكيك المؤسسات العسكرية إلى خلق فراغ في السلطة، مما سمح لفصائل مختلفة، بما في ذلك الميليشيات الطائفية والقوى الأجنبية والشبكات البيروقراطية الراسخة، بتشكيل بنية جديدة للدولة العميقة.

 

آليات السيطرة من قبل الدولة العميقة

 تعمل الدولة العميقة في العراق من خلال آليات مختلفة، بما في ذلك:

 1. أجهزة الاستخبارات والأمن: تلعب أجهزة الاستخبارات العراقية، المرتبطة غالبًا بالفصائل السياسية أو المصالح الأجنبية، دورًا حاسمًا في تشكيل السياسات وقمع المعارضة وحماية مصالح النخبة.

2. الشبكات الطائفية والعرقية: تستخدم الأحزاب السياسية، وخاصة تلك المرتبطة بالجماعات الدينية والعرقية، أنظمة المحسوبية للحفاظ على السيطرة على مؤسسات الدولة، وبالتالي الحد من الحكم الديمقراطي.

3. النفوذ الأجنبي: تمارس الجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك إيران وتركيا والقوى الإقليمية الأخرى، نفوذها على السياسة العراقية من خلال المساعدات المالية والدعم العسكري والضغط الدبلوماسي، مما يعزز هياكل الدولة العميقة.

4. الفساد والسيطرة الاقتصادية: الفساد هو أداة مهمة للدولة العميقة، حيث تتلاعب النخب بعقود الدولة وعائدات النفط والمناصب الحكومية لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية. 

5. وسائل الإعلام والدعاية: تؤثر بعض وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها جهات فاعلة من الدولة العميقة، على الإدراك العام والروايات السياسية، وغالبًا ما تقمع الأصوات المعارضة والصحافة المستقلة.

6. الروابط الاقتصادية والشركات: تتضمن الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات المالية التي تؤثر على سياسات المؤسسات المالية. يمكنها التلاعب بالأسواق والتمويل والضغط للحفاظ على سيطرتها.

7.  التخطيط الاستراتيجي الطويل الأجل: تعمل الدولة العميقة خارج دورات الانتخابات للحفاظ على النفوذ الطويل الأجل. كما أنها تشارك في عمليات سرية وميزانيات سوداء واتفاقيات سرية.

 

التأثيرات على الحكم والديمقراطية: لقد كان للدولة العميقة في العراق عواقب وخيمة على حوكمة البلاد والمؤسسات الديمقراطية.

1. إضعاف المؤسسات الديمقراطية: على الرغم من العمليات الديمقراطية الرسمية، تتلاعب الدولة العميقة بالانتخابات والقرارات القضائية والإجراءات التشريعية، مما يضمن بقاء السلطة الحقيقية في أيدي النخب غير المنتخبة.

2. عدم الاستقرار السياسي والعنف: يساهم وجود الجماعات المسلحة وقوات الأمن الموالية للدولة العميقة في العنف السياسي والاغتيالات وعدم الاستقرار، مما يقوض الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية.

3. الفساد الواسع النطاق: مع سيطرة الجهات الفاعلة في الدولة العميقة على الموارد الاقتصادية، أصبح الفساد متوطنًا، مما أدى إلى تحويل الأموال العامة عن الخدمات الأساسية ومشاريع التنمية.

4. تآكل الثقة العامة: فقد العراقيون الثقة في حكومتهم بشكل متزايد بسبب عجزها عن توفير الأمن والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية، وغالبًا ما يلقون باللوم على شبكات النخبة الراسخة.

5. الاعتماد على الخارج: يؤدي تحالف الدولة العميقة مع القوى الأجنبية إلى تقليص سيادة العراق. في كثير من الأحيان تؤثر الجهات الخارجية أو تملي القرارات الرئيسية بدلاً من المصالح الوطنية.

 

العواقب المترتبة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية

يمتد تأثير الدولة العميقة إلى ما هو أبعد من السياسة ليشمل النسيج الاقتصادي والاجتماعي في العراق:

1. سوء الإدارة الاقتصادية: يؤدي سيطرة الجهات الفاعلة في الدولة العميقة على موارد الدولة إلى سوء تخصيص الأموال، مما يعوق التنوع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية.

2. انتشار الفقر والبطالة: بسبب الفساد والركود الاقتصادي، يعاني العديد من العراقيين من الفقر ونقص فرص العمل، مما يؤدي إلى زيادة السخط والاضطرابات.

3. إعاقة المصالحة الوطنية: تعمل الانقسامات الطائفية والعرقية، التي يستغلها غالبًا الجهات الفاعلة في الدولة العميقة، على منع جهود المصالحة الحقيقية، وإطالة أمد التوترات والصراعات الاجتماعية.

 

الحلول المحتملة والطريق إلى الأمام

إن معالجة نفوذ الدولة العميقة في العراق تتطلب إصلاحات سياسية ومؤسسية كبيرة:

1. تعزيز المؤسسات الديمقراطية: يجب تعزيز القضاء المستقل والشفافية الانتخابية وآليات المساءلة للحد من تدخل الدولة العميقة.

2. مكافحة الفساد: إن تنفيذ قوانين أكثر صرامة لمكافحة الفساد، وتحسين الشفافية في المعاملات الحكومية، وتمكين منظمات المراقبة يمكن أن يقلل من التلاعب بالنخبة.

3. الحد من الاعتماد على الخارج: يجب على العراق أن يعمل نحو سياسة خارجية متوازنة تعطي الأولوية للمصالح الوطنية على التأثيرات الخارجية.

4. تمكين المجتمع المدني: إن تشجيع النشاط ووسائل الإعلام المستقلة والحركات الشعبية يمكن أن يساعد في محاسبة الحكومة والدفع نحو الإصلاحات.

5. إصلاح قطاع الأمن: إن نزع السلاح السياسي، ودمج الميليشيات في قوة وطنية موحدة، وضمان السيطرة المدنية على الأجهزة الأمنية يمكن أن يقلل من قبضة الدولة العميقة على السلطة.

6. تمكين السلطة الرابعة: يمكن للإعلام أن يلعب دوراً مهماً في كشف الفساد ومن يقف وراءه. كما يجب علينا أن نميز بين الإعلام الحر وبين الإعلام الذي يعمل لصالح الدولة العميقة. و يجب حماية نظام الإعلام الحر قانوني.

 

الخلاصة

غالبًا ما يرتبط مصطلح "الدولة العميقة" بنظريات المؤامرة. لقد ساهمت الدولة العميقة بشكل عميق في تشكيل المشهد السياسي في العراق، وقوضت الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي بشكل متكرر. وفي حين تواجه الجهود الرامية إلى تفكيك نفوذها تحديات كبيرة، فإن الإصلاحات الرامية إلى تعزيز الحكم والحد من الفساد وتمكين المواطنين توفر مسارًا نحو عراق أكثر استقرارًا وسيادة. وسيتطلب تحقيق هذه الأهداف عملاً جماعيًا من جانب القادة السياسيين والمجتمع المدني والمجتمع الدولي لضمان حكومة أكثر شفافية ومساءلة للشعب العراقي.

 

 

 

كوردستان24

Top