• Saturday, 01 March 2025
logo

السياسة الخارجية المقيدة

السياسة الخارجية المقيدة

فاضل ميراني 

 

الوضع السياسي الداخلي و الاداء السياسي- او السياسي الاداري لدولة ما خير اختبار لفهم وجود تأثير عمل للسياسة الخارجية لهذه الدولة و تقدير قوتها وفهم توجهها، اذا ارادت ان تتحرك خارجيا.

لا تُداُر الدولة التي تريد سلطتها اضافة تراكم خبرة او صنع تجربة اولى لمراكمة الخبرة،  لا تدار بتخبط و تبدل ثوابت و إشاعة العمل الصفري (تصفير ما تم عمله قبل وصول الفريق الجديد للحكم)، و أول ما يتعين على الفريق الحاكم التنبه له هو الاقتصاد (المال و النفقات و الموارد و الوضع الاجتماعي و مقوماته التي ترتبط بأداء السلطة).

حتى في الدول متعددة القوى الداخلية ثمة حدود دستورية و قانونية و عرفية لا يصح تجاوزها حتى لا يتم ابتلاع سنوات من عمر الدولة، و مثل هذا الفعل له تداعيات عاجلة واجلة، تداعيات من السوء، و التاريخ السياسي يقدّم ادلة على ذلك و التجارب مهما كانت مشروعيتها و عقيدتها، فقد جلبت المهالك على مجتمعاتها و على نفسها ايضا، لافرق في ذلك في نوع العقائد، ولا جهة الانتماء العرقي او الموقع الجغرافي .

هنا تبرز نقطتا الوعي الحزبي و الاستيعاب النيابي، فثمة كيمياء فكرية بين الاثنين تقوم على قاعدة اساسية لترتفع في فضاء حيوي يشكل واقعية لفهم مصالح الدولة و متى تتحرك وبأي مسار و متى تتوقف او تراجع مشروعها، اذ لا مبرر مقبولا ان يتم الاكتفاء بالتدرع بالكتلة النيابية لمصادرة الحقوق و الاراء و ممارسة الحق بتعسف او بباطل و حرق فرص السنوات النيابية لصالح فئة ثم تدول الامور لفئة اخرى و ليستمر مشروع التشوه بعمد او بتجاهل مقصود.

نسبية الانسان

كان الفكر الذي انتج الديمقراطية ملما بنسبية الانسان، فلا مطلق الا الله و بعض من القيم التي تناضل الانسانية في الحياة لا يجادها او للتأسيس لها و منها الحق و الخير.

كانت الديمقراطية نقيضا تهذيبيا صعبا على الذين تعودوا عدم التفكير بغلبة الوقت و الزمن و التبدل و التقدم، ولذا فهي اقرب للتقويم السليم الذي يربط بين دورة الارض حول الشمس ليشطب عاما مضبوط الوقت.

لا دولة بلا هوية، فأن ضاعت هويتها او زُوِّرت فلك ان تتخيل وضعها الذي سيكون  شبيها بوضع انسان بلا اوراق ثبوتية او بورق ثبوتي مزور، وان امتلكت هويتها فلا بد ان تكون هوية محترمة حتى وإن كانت متواضعة، لكنها حقيقية، ولها ان تطور من نفسها لتكون افضل.

الدولة مسؤولية ليست بالهينة الا على الذين يجدونها فرصة لاشباع رغبات ذاتية فيبعدون الذين يعرفون حقيقة تاريخهم و يشرعون في ادمان التشبث بالمكان والصفة او بمكان وصفة آخريين ترفعهما لنصيب من قرار، ومع تعدد انصبة القرار يبدأ الوهن في جهاز الدولة حيث الولاء مقدم على الخبرة، بل و على ادراك ما مطلوب تقديمه ليعود بالنفع على الدولة.

لا يمكن حصر مفهوم الجهل بعدم الدراية بالقراءة و الكتابة، حيث ان للجهل او التجاهل مصاديق اخطر و اشد ضررا ان لم يراجع اصحاب القرار تجارب التاريخ في الادارة، اين الخطأ وهل الصمت هو دوما الحل ام ان تطمين النفس و التعويل على الحظ كافيان مع رصيد نقدي لطواريء التبدلات؟

لابد من الإقرار بمرض سياسي مكتسب لبدء علاج تأخر كثيرا، مع الاقرار مقدما ان لا فائدة لشعوبنا من تصريحات اتهام متبادلة و مصالحات تاكتيكية لإعادة بذل الوعود و تكرار عين المشاهد بوجوه جديدة.

اعود لاذكّر ان القرارات التي تتخذ من القوى الدولية بحقنا في حقل السياسة الخارجية سيكون لها بعد مؤثر داخليا عندنا، ببساطة لان لهم من يقدم واقع السياسة الداخلية عندنا، في وقت لا يبدو ان صناعها الداخليين مهتمون بمتابعتها و تصحيحها، أمنا ومجتمعا واقتصادا وفصل سلطات.

*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني.

 

 

 

 

Top