صيحات البلاهة والبلادة.. ظاهرة تستدعي المعالجة والرثاء
منذ مثول عدد من الاشخاص أمام المحاكم في أربيل بتهم تتعلق بمحاولة زعزعة أمن الإقليم وإستقراره. وإصدار الحكم القضائي بحقهم، بعد التحقيق القانوني بأقصى درجات الحرفية القانونية وبالاستناد الى المعلومات والأدلة والوثائق وإعترافات المتهمين، من قبل الجهة القانونية المختصة التي تعاملت مع القضية باستقلالية وحياد. دخل البعض المزايدين السياسيين في السباق الانتخابي قبل غيرهم وبدأت أنشطتهم وفعالياتهم الانتخابية مبكراً، فطفت صراخاتهم على السطح. وباتت تتعالى صيحات البلاهة ودعوات البلادة ضمن موجة عاتية من السجال الداخلي المحتدم حيال الطعن في نزاهة القضاء في كوردستان، رغم يقينهم من أن الحكم الصادر ليس نهائياً وهناك مرحلة يتمكن فيها المتهمون من الطعن بالقرار وفق القانون.
بعضهم يرفضون الحكم رفضاً مطلقاً لأهداف إنتخابية ونوايا خبيثة تؤكد التدخل الصارخ في شؤون المحاكم وتسييس الملفات، وبعضهم يرتدون ثياب خبراء القانون وحقوق الإنسان، ويوجهون النقد واللوم والعتاب للعقوبة، ويعتبرونه تقويضاً لحالة الاستقرار والعدالة. وآخرون يتناولونه بالرصد والتحليل والتأويل ويبدون طروحات لاتتناسب مع المعطيات المتاحة من جهة، ومع التطورات والمستجدات من جهة أخرى، لأنهم بالأساس يجهلون ألف باء القانون والقضاء.
الرافضون له بالمطلق، هم الذين يعانون من عقد الكراهية ويرغبون بنشر التفرقة والفتنة لعقد شخصية أو حالة من الشر الذاتية، لذلك لا يتركون كل شاردة أو واردة إلا ويصبون الزيت على نارها، ويدغدغون مشاعر المواطنين بشعارات انتخابية مضطربة بدلاً من الاعتماد على البرامج والمشاريع، وبقصص وروايات مفبركة دون مراعاة سيادة القوانين وأعراف السلطة القضائية.
أما علة ومعضلة المدافعين زوراً عن حقوق المتهمين، المنتشرين في مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام الممول السائر في فلك الإرهاب الفكري، والراغبين في امتطاء جواد الشهرة لدى الأصدقاء والخصوم، فإنها ظاهرة تستدعي النظر والمعالجة وتستحق في ذات الوقت الرثاء، خاصة وأنهم يظهرون للملأ وكأنهم كائنات عمياء، أو معصوبة العين ولم تبلغ النضج، وتوجه بآليات وإنفعالات سلبية لنشر الحقد والكراهية.
ولأن المزايدين المغالين الذين يظهرون مع كل الأزمات، لايمتلكون المعلومات القانونية والقدرات السلوكية ومهارات الحديث والحوار وتقييم وتقدير ما يقولون وما يفعلون وتداعياتها الأليمة، يعانون من مرارة علاقاتهم المتلبسة وبؤس عيشهم في بحر الفشل والفضائح والإخفاقات، ويعانون من وقوفهم في مكان جامد مليء بالانزعاجات الواضحة، ويعانون من فقدان الرصيد الرصين الجاد، لذلك يطرحون رؤاهم ومنطلقاتهم وفق إرادة ورغبات الآخرين.
على العموم، هذه الأزمة كالأزمات الفاشلة السابقة، التي سعت الى تسييس القضايا الصحية والاجتماعية والمالية، مختلقة ومتشعبة في مضمونها ومدلولاتها، ومعلومة الصلات. ويمتلك عنها الشعب الكوردستاني معلومات كافية تلجم الغاوين، لذلك يستطيع الشعب الكوردستاني تجاوزها بكل شموخ تعزيزاً للقيم، ومراعاة للأوضاع السائدة في الإقليم والعراق والمنطقة، ودون الرضوخ لأي إملاءات يحددها الآخرون. يتجاوزها من خلال التعامل معها بمرونة وحرص وحكمة، ومن خلال منع الفاشلين من التدخل في شؤون القضاء والمؤسسات القانونية، وإرغامهم على احترام المؤسسات القضائية وتركها لتؤدي واجباتها، ومن خلال التأثير في تفكير المسببين لها، وطمأنتهم بأنهم لا يستطيعون إحداث الفوضى، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً في سبيل إعادة ما فقدوه، أو لإخفاء عجزهم من خلال سياسة إلهاء الآخرين.
rudaw