أين الخلل في كارثة ابن الخطيب؟
خلاصة الخبر تقول "الحريق الذي اندلع في الطابق المخصص للإنعاش الرئوي في مستشفى ابن الخطيب الخاص بمرضى كورونا في العاصمة العراقية بغداد اثر انفجار عبوة أوكسجين، أدى الى وفاة اكثر من 100 شخص وإصابة أكثر من 100 آخرين."
السيد الكاظمي رئيس الحكومة العراقية طلب فورا التحقيق في الحادث وتحديد المقصرين خلال 24 ساعة. من المؤكد التقصي عن ملابسات هكذا حادث مؤلم والتوصل الى تحديد المقصرين خلال المدة الزمنية التي حددها رئيس الوزراء ليس ممكنا بالمطلق، وطلب رئيس الحكومة هذا جاء من باب شدة الحرص والمسؤولية القانونية له.
واصلت لجنة التحقيق بحريق ابن الخطيب اعمالها بهمة عالية وتوصلت في النهاية الى لائحة من التوصيات، بناء عليها قرر مجلس الوزراء العراق الاتحادي اصدار عدد من العقوبات الانضباطية بحق عدد من المسؤولين الاداريين في المستشفى والوزارة وصحة بغداد. هذه العقوبات هي من باب تحديد تبعات مسؤولية الحادث.
لكن الاهم في الامر هو ان التوصيات، بحسب بيان مجلس الوزراء، تضمنت "إلزام وزارة الصحة وتوابعها كافة من دوائر ومستشفيات ومؤسسات صحية بتطبيق الأنظمة والتعليمات والتعميمات النافذة بما يضمن سلامة المرضى والمرافقين والمراجعين والملاكات الطبية ومنها التقيد بعدد المرافقين وتحديد ساعات الزيارة واختيار العناصر الكفؤة، وتكليفهم بمهام الاستعلامات والتأكد من توفر متطلبات السلامة وشروط الأمان من إنذار مبكر ومنظومات إطفاء الحرائق، والتعامل بحزم مع المخالفين والمقصرين في تجاوز قانون الوزارة وتعليماتها". وجاء في توصيات لجنة التحقيق ايضا "تفعيل نص المادة (12) من قانون التعديل الثالث من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21 لسنة 2008)، لإنهاء حالة تنازع الاختصاص بين المحافظات والوزارات المرجعية فيما يتعلق بدوائر الصحة والمديريات العامة للتربية، وإلزام الوزارات والمحافظات بتنفيذ نص المادة آنفا".
نفهم من الفقرات المعلنة من توصيات اللجنة بأن هناك العديد من الاشكالات والمعوقات بل وحتى التشابك في العمل والصلاحيات في مؤسسات الدولة، علاوة على حالات من عدم الشعور بالمسؤولية وعدم المبالات وصولا الى حد الفساد، كل هذه الامور كانت المحصلة والنتيجة التي آلت اليها الامور ليتحول المستنجدين بالمستشفى من نار الجائحة، كمن يستنجد بالنار من الرمضاء. والطامة الكبرى هو تحول المشفى والمستشفى الى محرقة يتحول فيها المرضى الى قطع من الفحم.
اكبر مشكلة يعاني منها القطاع العام في العراق هو هلامية المسؤولية وتشابك وتقاطع مهام العمل وتفتت بنية الاداء. وهذه الاشكالية الكبيرة ليست وليدة اللحظة بل هي حصيلة تراكم عقود من تراجع الاداء المؤسساتي في الجهاز الحكومي وتسيّد الجهة الآمرة من خارج هيكلية القطاع العام قبل عام 2003، اضافة الى الحروب المتتالية وحالة عدم الاستقرار السياسي التي ادت الى تدهور عام استشرى في مختلف قطاعات الحياة، ولدت منها حالات الفساد وتفشي الرشوة والمحسوبية في عموم هيكلية القطاع العام.
عقد العراقيون الكثير من الامل على السلطات المنتظرة التي تولت قيادة البلد بعد عام 2003، خصوصا وانهم ذاقوا الامرّين ابان العهد الذي سبق ذلك التاريخ، هذه الآمال التي توسعت مع افق الشعارات التي رفعتها القوى والاحزاب السياسية التي ظهرت في المشهد السياسي العراقي، هذه الآمال العريضة اخذت تتراجع عاما بعد آخر بسبب الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها حكومات ما بعد التغيير وفشلها في قيادة البلد وتخبطها من حيث ارساء العلاقات الخارجية وانفعالية القرارات التي اصدرتها فيما يتعلق بالشأن الداخلي وتلكؤها القاتل من حيث النهوض بأعبائها.
قد يتصور البعض من القراء ان كاتب هذا المقال يتكلم من موقع المتحامل على الحكومة العراقية، كل التقدير لتصور كهذا وان كان غير صحيحا، مع هذا اقولها بكل صراحة وموضوعية، بان الحكومات العراقية التي تولت السلطة بعد الاحتلال لم تستطع تحديد بوصلة العمل، وهذا ليس ذنب السادة الذين تولوا قيادة هذه الحكومات بالقدر الذي هو رهن التدخلات السياسية من قبل القوى المهيمنة التي تعاملت مع الوضع السياسي الجديد عموما من منطلق المصلحة الحزبية الضيقة بالشكل الذي أشل في كثير من الاحيان الحكومة عن اداء مهامها.
من المؤكد ان العامل الخارجي كان له دوره السلبي على الوضع العراقي في الداخل، لكن القادة التاريخيين لابد وان يتحلوا بشيء من الراديكالية في اتخاذ القرارات الحاسمة حتى وان كان ذلك على حساب تصفيتهم في نهاية المطاف.
الغريب في الشأن السياسي العراقي، الكل يتحدثون عن الفساد الاداري والمالي في مختلف مفاصل الدولة، بل لا يتردد البعض في التصريح بأنهم مشاركون في تقاسم كعكة الفساد والغنيمة، الا اننا لا نجد من يبادر الى طرح خارطة طريق لوضع حد لهذا الفساد الذي ترك البلد ومواطنيه في متاهات الحرمان والعوز وتراجع في جميع مرافق الحياة.
ان كارثة مستشفى ابن الخطيب يمكن ان تتكرر في أي لحظة وفي أي بقعة من البلد، العبرة ليس في معاقبة المقصرين (ان كانوا حقا مقصرين في مجال مسؤولياتهم)، بل العبرة في اتخاذ قرارات سليمة وجريئة تراعي المصلحة العليا للبلد وتحقق تطلعات السكان. والاهم من ذلك انهاء حالة تماهي سلطة الحكومة من خلال تحريم التدخلات من خارجها بالشكل الذي ينقذها من التجيير السياسي والفئوي.
باسنيوز