البيشمركة..تاريخ من البطولات والانتصارات
جندت الحكومات العراقية، خاصة في عهد نظام الرئيس الاسبق صدام حسين، طاقاتها العسكرية لمحاربة الكورد العراقيين ، وقتلت منهم مئات الالاف باساليب وحشية ومنافية للقوانين الدولية. حتى الحرب العراقية الايرانية (1980-1988)، العبثية والتي تسبب بها الطرفان، ايران والعراق، والتي راح ضحيتها ما يقرب من مليوني شخص من البلدين، وصولا الى غزو الكويت، كانت احدى النتائج الغبية في حرمان الكورد من حقوقهم الشرعية، حيث كان صدام حسين قد تنازل في اتفاقية الجزائر عام 1975 عن حقوق العراق في مياه شط العرب والسيادة على الكثير من الاراضي مقابل تخلي شاه ايران عن دعم الكورد العراقيين واجهاض ثورتهم في الحصول على الحكم الذاتي.
الثورة الكوردية ومقاتليها البيشمركة، بقيادة الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني، ومن ثم نجله الزعيم مسعود بارزاني، عرفوا بصلابتهم وعنادهم المستمد من صخور جبالهم التي تآخو معها، من اجل الحصول على حقوقهم وعدم الانحناء لمن يريد قهرهم بالباطل، هكذا عرفناهم منذ فتوتنا ونحن نسمع بشتى الاوصاف التي اطلقت على هؤلاء الابطال، ولعل اشهر صفة اطلقتها الحكومات العراقية عليهم للنيل منهم هي"العصاة"، وبالفعل كانوا عصاة ضد من حاول قهرهم، واشداء في قتالهم من اجل حقوقهم المشروعة. كما اطلقت الحكومات العراقية المتتالية تسميات شتى على حروبها ضد الشعب الكوردي، واشهرها كانت"حرب الشمال" ، معترفة بانها تشن حربا ظالمة ضد شعب مسالم. حتى استل صدام حسين، الذي كان مهووسا بالتاريخ وعناوين المذابح التي اقترفها العرب ضد القوميات الاخرى، واطلق على ابشع مذبحة في التاريخ الانساني الحديث ضد الكورد تسمية"الانفال" ليضفي شرعية دينية مزيفة على جرائمه هذه.
في كل هذه المراحل والمعارك، غير المتكافئة من حيث عديد الجيوش العراقية واسلحتها الفتاكة، وبين عدد مقاتلي البيشمركة واسلحتهم البدائية البسيطة، وظروف حياتهم الصعبة للغاية، كانت الانتصارات من نصيب البيشمركة الذين تسلحوا بشرعية قضيتهم والقتال من اجل بقاء شعبهم والدفاع عن ارضهم، حتى بات معروفا باننا اذا اردنا وصف اي رجل شجاع بانه من"البيشمركة"، واقترن اسمهم بالبطولة والتضحية.
كانت أشد اخطاء، من اطلق عليهم الزعيم مسعود بارزاني في كتابه"للتاريخ"، تسمية"حكام العراق الجدد"، هي العودة الى استخدام السلاح ضد الكورد، ونعني هنا استخدام سلاح الحكومة، سلاح الدولة، إن كانت هناك دولة، الذي يجب ان يسخر للدفاع عن جميع العراقيين بجميع قومياتهم ومكوناتهم وعن كل العراق ضد التهديدات والتدخلات الخارجية، ودفع الجيش العراقي، الذي يفترض انه"سور للوطن"، ويقاتل من اجل حماية امن واستقرار العراقيين وسيادة البلد، لمقاتلة قوات البيشمركة التي هي، وحسب الدستور، قوات حكومية مهمتها الدفاع عن اقليم كوردستان وحدود العراق، والعودة بالاوضاع الى "الانفال".
حدث ذلك في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي عندما زج بمدرعات ودبابات ومدافع الجيش العراقي والحشد الشعبي وميلشياته بمعركة غادرة ضد قوات البيشمركة التي كانت تدافع عن كركوك واقليم كوردستان، اربيل خاصة، ضد الارهابيين، في 16 أكتوبر 2017 كرد متشنج ومتطرف ومعادي لتصويت الكورد بنعم على استفتاء انفصالهم عن العراق.
وعادت قوات البيشمركة لتكتب نصرا جديدا في معركة صد القوات العراقية التي اندفعت باتجاه اربيل في معركة (برديه) في 20-10-2017، ويتحمل العبادي كونه القائد العام للقوات المسلحة، وقتذاك مسؤولية دماء العراقيين، من الجيش العراقي والبيشمركة، التي سالت في هذه المعركة.
كانت من ابرز نتائج الغدر الذي تعرضت له قوات البيشمركة التابعة للحزب الديموقراطي الكوردستاني وابعادهم عن مواقعهم في كركوك وسهل نينوى، هي احتلال الحشد الشعبي لهذه المناطق، وقيام ميلشياته المسلحة الموالية لايران بالسيطرة عليها والتحكم بمصير السكان ذات الغالبية المسيحية والكوردية، ومن ثم تنفيذ هجمات ارهابية بالصواريخ والطائرات المسيرة (الدرون) من قبل بعض الميلشيات، كما اثبتت التحقيقات والادلة، على اربيل وتهديد امن وحياة المواطنين والمنشآت الحيوية، مطار اربيل خاصة.
ويعد الهجوم الارهابي الذي نفذه تنظيم داعش ضد قوات البيشمركة في كركوك، أمس، واستشهاد وجرح عدد من المقاتلين الكورد نتيجة من نتائج احداث 16 اكتوبر 2017 الغادرة، وتتحمل حكومتي العبادي وعادل عبد المهدي، الذي كان يجب ان يعيد الامور الى نصابها وتمكين قوات البيشمركة من ملأ الفراغ الذي تركته للدفاع عن كركوك وأقليم كوردستان بدلا من ان تعبث داعش في المنطقة بدون رادع قوي وحقيقي.
يقول المثل الانجليزي" ان تأتي متأخرا افضل من ان لا تأتي"، وانطلاقا من ذلك فاننا نجد ان الوقت بات مناسبا اليوم لعودة قوات البيشمركة التابعة للحزب الديموقراطي الكوردستاني لاخذ مواقعها وممارسة مهامها الدفاعية في كركوك وسهل نينوى، وعلى الحكومة الاتحادية أن تعمل على تحقيق ذلك خدمة لامن واستقرار العراقيين في المنطقة.
روداو