الكورد ضمانة العراق الحقيقية
وأنا أتجول، مكتشفاً لجمال الطبيعة مع أصدقائي الكورد، في ربوع إقليم كوردستان، مرة ونحن في منطقة بارزان الساحرة، وأخرى باتجاه محافظة دهوك مجتازين الطريق السريع الجديد الذي لا تقل مواصفاته عن مواصفات طرق أوربا السريعة، متوغلين بين الجبال والوديان حتى سرسنك وسولاف باتجاه العمادية، المدينة العجيبة التي تتربع على صخرة فوق سطح العراق ونحن نستمتع بالأغاني الكوردية ذات الألحان والأصوات التي لا يقل جمالها عن جمال الطبيعة، تساءلت، ماذا لو كان رئيس النظام السابق صدام حسين قد انفتح على الكورد ومنحهم حقوقهم القومية المشروعة، بدلاً من محاربتهم وقتلهم والاتجاه لعقد صفقات مع شاه إيران السابق والتنازل عن حقوق العراق في مياه شط العرب والأراضي لإضعاف الثورة الكوردية، ومن ثم الدخول في حروب مدمرة مع إيران وغزو الكويت وقيادة البلد إلى الهاوية.
أعرف أن السؤال قد ولى وقته، لكنني أذكره هنا كي تأخذ الطبقة السياسية التي حكمت، وما زالت، العراق بعد 2003 وحتى اليوم، ومستقبلاً درساً بليغاً مما جرى من كوارث للعراق والعراقيين نتيجة تهميش الكورد واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثالثة، باعتبار أن الطبقة السياسية تعد نفسها مواطنين من الدرجة الأولى، وبقية العراقيين من الدرجة الثانية، أما بقية المكونات العرقية والدينية فهم مواطنون من الدرجة الرابعة أو الخامسة.
من حق العراق أن ينفتح في علاقاته على العرب، كما من حقه الانفتاح على دول العالم لضمان مصالحه المشروعة وعودته إلى مكانته بين دول العالم وكي يتخلص من التهديدات والتدخلات التي تمارسها بعض دول الجوار مستخدمة المذهب تارة وقوة تأثيرها على بعض قادة الأحزاب الشيعية والسنية تارة أخرى.
نحن مع انفتاح العراق نحو العرب والغرب ففي ذلك ضمان لأمنه واستقراره الاقتصادي والسياسي، وأنا هنا أقدم الاستقرار الاقتصادي على السياسي كونه هو الأهم، والاقتصاد من يصنع الاستقرار السياسي والأمني والحياتي، لكن الأهم من هذا وذاك هو أن ينفتح العراق على العراق، على العراقيين أنفسهم بلا تهميش أو تقديم قومية أو دين أو مذهب أو طائفة على الأخرى، أن ينفتح العراق على العراقيين أنفسهم ومن ثم الانطلاق نحو العالمين العربي والغربي.
هناك مفهوم خاطئ للديمقراطية يؤمن به السياسيون العراقيون ومفاده أن الأغلبية هي من يجب أن تتحكم بأمور البلد على حساب تهميش الأقلية، لكن جوهر النظام الديمقراطي يؤكد على ضرورة أن تحمي الأغلبية حقوق الأقلية مهما بلغت نسبتها، واضعين في الحسبان أن الكورد هم ليسوا أقلية في العراق، فهم من سكان البلد الأصليين، كما أنهم يشكلون ما نسبته ربع سكان العراق أو أكثر، حيث لا تتوفر إحصائيات دقيقة لنفوس العراق وقومياته وطوائفه، وهذا يعني أنهم يشكلون القومية الثانية في العراق من حيث العدد لكنهم في الوقت ذاته يكونون الضمانة الأولى لقوة البلد واستقراره.
لقد برهنت الأحداث والمواقف التاريخية منذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق عام 1921 وحتى اليوم أن الكورد هم الضمانة الحقيقية لاستقرار وقوة البلد، بل أن التداخل الشعبي بين العرب والكورد والتصاهر بين القوميتين كون عائلات ومجتمعاً متجانساً من الصعب فيه التمييز، في مناطق عدة، بين القوميتين، وهذه ميزة عراقية متفردة عن بقية المجتمعات والدول التي فيها غالبية قومية إلى جانب الكورد، وأعني تركيا وإيران وسوريا، من هنا نقول إنه يجب على الطبقة السياسية الوطنية، أن توفر الشعور والانتماء الوطني عندها، أن لا تضحي بهذه الميزة ولا بهذا التفرد وتنفتح كلية على الكورد باعتبارهم مواطنين مخلصين لبناء البلد وتقدمه وتطوره واستقراره وأن لا يكرروا أخطاء الأنظمة السابقة القاتلة والتي دمرت العراق وشتتت شعبه وضيعت ثرواته، بأية طريقة كانت وفي أي نسبة مهما كانت ضئيلة في تلك الممارسات الشوفينية تارة، والغبية تارة أخرى.
إذا كانت هناك أية خطط وطنية قادمة لبناء العراق واستقراره وتقدمه فيجب أن تضع الكورد في مقدمة تفكيرها ونهجها، وأن تلغي المحاصصات القومية والدينية والطائفية في توزيع المهام والمسؤوليات والمناصب، وأن تفتح الأبواب لمن هو وطني وحريص على تطور العراق وإنقاذه من الهاوية، وأن لا تحدد بأن يكون رئيس الحكومة من تلك القومية وهذا المذهب، والأمر ذاته ينطبق على رئيسي الجمهورية والبرلمان والمناصب الأخرى، اعتماداً على مبدأ الكفاءة الوطنية ونزاهة صناديق الاقتراع وأن تضع نصب أعينها بأن الكورد هم الضمانة الحقيقية لحاضر ومستقبل العراق.
روداو