• Friday, 26 April 2024
logo

ابن الخطيب و ظهور سوءات الدولة العراقية

ابن الخطيب و ظهور سوءات الدولة العراقية
شيروان الشميراني


الكثيرون يريدون التركيز في الحادث على وزارة الصحة وتحميلها المسؤولية عن الفاجعة، هذه حقيقة و خطوة مصيبة وصحيحة لأن الوزارة هي المسؤولة المباشرة عن جميع الوحدات الإدارية الواقعة تحت هيكلها التنظيمي، لكن القضية في العراق تتعدى وزارة الصحة وأن الاقتصار على الوزارة و محاسبة الوزير أو مدير المستشفى خطوة مجانبة للصواب وتفسيرغير دقيق للحدث المؤلم.

ان وزارة الصحة جزء من منظومة فاسدة تحكم العراق منذ حوالي عقدين مضيا، و الحادث مؤشر على حقييقة أن جسد الدولة العراقية مهترء و فاسد و خرب، خلاياها كلها مصابة بالأمراض وما حادث مستشفى ابن الخطيب سوى ظهور وتجلي من تجليات هذا الفساد، فهي مثل تقرحات الالتهابات التي تصيب الجسد المجروح المتعفن، البعيد عن العلاج الناجع، وهي النافذة التي من خلالها يمكن تصور ما يحدث في العراق من التخريب على يد أبنائه غير البارّين.

المسؤولية واقعة أيضاً على مجلس النواب، مجلس النواب لا يمارس دوره الرقابي، ليس مهمة البرلمان التشريع فقط، بل أن الدور الرقابي أكثر أهمية من التشريع لأن التشريع بحاجة الى الرقابة من أجل حسن تنقيذه، والرقابة هي التي تحافظ على حياة الدولة والإبقاء على الجسم الإداري سليماً معافى، إن الفساد المستشري لا تتحمله المؤسسة التنفيذية لوحدها، بل أن البرلمان هو المسؤول الأكبر في تقييم أداء الحكومة التنفيذية وصلاحها من فسادها، ليست مهمة البرلمان هي إرضاء الأحزاب و توزيع الوزارات والموافقة على التخصيصات المالية فحسب، أن البرلمان مسؤول عندما تحول الأجهزة الرقابية والنزاهة فيه الى مساومات والسبيل إلى التجارة والربح والخسارة، حيث العديد من الملفات لا يقتصر وقف التحقيق فيها على التوافقات والمساومات السياسية، بل الحصول على المال الكثير عبر التهديد بملفات الفساد والتوقف في المضي بها الى النهاية عندما يدفع الفاسد الفرد او الشركات مبلغاً مغرياً مقنعاً من المال الى الجهة المحققة.

في الشهور و الأسابيع الفارطة كنا نتكلم عن الموازنة وتمريرها، لكن الجهة الرقابية لا تتابع نظافة تفعيل فقراتها، مجرد الأرقام تصوت عليها في البرلمان ثم يتوقف، هنا بموازاة البرلمان يكون دور ديوان الرقابة المالية التي لا تقوم بواجبها، كيف تصرف المبالغ المخصصة لكل وزارة، و هل هي جاءت بالنتيجة المبتغاة منها أم لا، ديوان الرقابة المالية لا يردع الفاسدين الذين يلعبون بنار الفلوس و المال.

النزاهة مسؤولة مباشرة عن الحادث، من الذي يسرق الأموال المخصصة للقطاع الصحي؟ ان البرلمان مسؤول عن نوعية التنفيذ، وديوان الرقابة عن تتبع صرف الأموال بالطريقة الصحيحة، والنزاهة عن الفاسد وتقديم السارق إلى العدالة، فهي منظومة تحكم وليست وزارة محددة، إن الحادث وان لم يكن بفعل فاعل، لكن افتقار المستشفى الى وسائل الحماية من الطوارئ وتأخر الدفاع المدني وشرطة النجدة، كلها أجزاء تتقسم على الهيكل الإداري للدولة و ليست وزارة الصحة لوحدها، فهي وان كانت المسؤولة المباشرة لكنها تتقاسمها مع جميع الهيكل الإداري الذي ينبغي ان يكون متكاملا...ما يعني ان التعفن في كل شريان الجسد العراقي المهتريء، كمرض السرطان الذي ينتشر في كل الجسد، وعندما يشتد الألم في عضو معين في الجسم لا يعني ان هذا العضو هو منبع الألم، بل هو مظهر من مظاهر الألم الذي ينهش و يحطم الجسد كله.

وبالتالي إن الإصلاح يجب ان يكون جذرياً، ما حدث في مستشفى ابن الخطيب ممكن أن يتكرر في أي مكان آخر، و في أي وزارة أخرى، و السؤال هل حال وزارة الكهرباء مثلا بأفضل من وزارة الصحة؟

والدليل الآخر ما حدث مع أجهزة كشف المتفجرات، التي كانت السيارات المفخخة تتخطاها بدون وجع رأس، وهي كانت تستورد لوزارة الداخلية و ليست وزارة الصحة، والتجارة بالآدوية التي تدخل ضمن نطاق الصحة والتجارة وتهريبها، كم الأدوية منتهية الصلاحية تدخل العراق عبر شركات تابعة للمسؤولين؟

المسؤول هو هذه المنظومة التي حطمت مؤسسات الدولة وحطمت معها كل أمل للإنسان العراقي بحياة كريمة ورغد في العيش.








روداو
Top