ما هكذا تورد الإبل يا نواب الأكثرية
مع احترامي الشديد لنائب رئيس مجلس نواب العراق، السيد بشير حداد، على رجاءه من النواب العرب بمنح فرصة ساعات معينة لوفد من اقليم كوردستان بغية التوصل الى اتفاق نهائي على حل كل المشاكل المعلقة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة "الاتحادية" العراقية، ومع تفهمي التام لدافعه الوطني والإنساني النبيل و تقديري العالي للعرف الاجتماعي الرفيع الذي استند اليه والتقليد الديني السامي الذي اتبعه، كان يحق له (كممثل شعب الاقليم في رئاسة المجلس) أن يطالب كافة النواب وباسم رئاسة المجلس بالتريث لمدة يوم واحد - حيث تبَيٌنَ من كلام رئيس المجلس بهذا الشأن بانه يؤيد طلبه ضمنيا - بدلا من الرجاء منهم . لأنه لا يجوز أصلا إصدار القوانين في برلمان الدول الاتحادية (الفدرالية) بصدد مسالة تمس خصوصا اقليما معينا من البلاد، وفقا لأصوات أغلبية القومية الأكثر نفوسا، بحجة الديمقراطية!
فلو كان هذا الأسلوب جائزا في الدول الاتحادية فعلاً، لتم إصدار كل القوانين وفقا لإرادة أكثرية كتلة أو كتل القومية الأكثر نفوساً دائماً! على سبيل المثال في بلجيكا وفقا لأصوات النواب الهولنديين، الذين يمثلون القومية الكبرى هناك، ويشكلون الأغلبية البرلمانية؛ ولما إستطاع إقليم فالونيا الاعتراض على ذلك، ولتم حرمان القومية الفرنسية والقومية الالمانية من حقوق دستورية خاصة بهما أو مستحقات شرعية لفئة معينة من مواطنيهم، مثلاً الموظفين والمستخدمين! ولكان مثلاً بإمكان النواب الألمان في سويسرا أن يفعلوا مثل هذا التجاوز، بحق شعبي الاقليمين الفرنسي والإيطالي، فهم يمثلون 70٪ من سكان سويسرا!
في الدول الفدرالية الديمقراطية، يجب التوافق على تشريع القوانين التي تتناول المسائل التي تخص مشكلة إقليم معين، وبعكس ذلك سيكون التصويت غير عادلا وغير شرعيا لان الأغلبية في هذه الحالة تظلم شعبا بأكمله، فقط لأنه الأقل نفوسا وعدد نوابه أقل ممن يتباهون بالعدد الاكثر! فهذه الأكثرية هي في هذه الحالة ليست ديمقراطية، بل هي تجسد (دكتاتورية الأكثرية) في مواجهة كتلة الاقلية، لان جوهر الديمقراطية يكمن في حماية حقوق ومصالح الاقلية. فالذي حصل بالأمس في مجلس نواب العراق، وسابقاته التي مرٌت بلا مبالاة، كقانون شرعنة القوات غير النظامية (الحشد الشعبي) المتشكلة أساسا لمحاربة داعش - بفتوى من المرجع الديني الاعلى لمذهب واحد، رغم تناقضه الصريح مع نص المادة التاسعة من المرجع القانوني الاعلى للبلد (دستور العراق)، الذي يحظر ذلك! ومن ثم قرارات احادية مجحفة بمثابة (عقوبات جماعية) لشعب اقليم كوردستان بسبب اجراء الاستفتاء على الاستقلال بسبب فشل عمليتي الديمقراطية والفدرالية في العراق، إضافةً الى سلب سيادته من قبل حكومة الجارة الشرقية المهيمنة والمسيطرة على جميع المقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية (النظامية وغير النظامية) بل وحتى الثقافية للعراق؛ - ولقد جري الاستفتاء على الاستقلال في الوقت نفسه في سكوتلاند وكتلونيا أيضاً ولم تقدم حكومتا بريطانيا واسبانيا على معاقبة الشعبين الاسكتلندي والكتلوني جماعيا بسبب الاستفتاء، والذي يعتبر ارقى أشكال التعبير عن الرأي إذا ما جرى في جو سلمي حضاري (وهذا ما جرى). فهذا الأسلوب الأحادي (بأكثرية أصوات النواب العرب) في دولة يتألف سكانها من مكونين قوميين كبيرين وأقليات قومية ودينية متنوعة في تشريع القوانين يتعارض جليا أيضاً مع النظام الاتحادي (الفدرالي) وأصول تشريعه المعروفة، ولعدة أسباب:
- مجلس النواب في الدول الاتحادية يمثل المجلس الأدنى لبرلمان الدولة، ومجلس الأقاليم هو المجلس الاعلى، ولكن في العراق لايزال وبعد خمسة عشر عاما من تطبيق النظام الاتحادي، لا يوجد المجلس الاعلى! ولايوجد سوى إقليم واحد في البلد الذي يجب ان يكون إتحادياً (فدرالياً) مؤلفا من عدة أقاليم!
فالبرلمان في الدول الاتحادية يتألف من المجلسين المذكورين، ولا يمكن اعتبار مجلس النواب بمفرده البرلمان، فهو دستوريا يمثل أحد الجزئين، واي من الجزئين لا يمثل البرلمان بكامله وبصورة قانونية وشرعية لوحده، لذلك يمتلك العراق لحد الآن نصف برلمان!
- بخصوص تشريع أي قانون يتعلق بعموم البلد الاتحادي، لابد من التوافق على صيغة تحفظ حقوق ومصالح كل المواطنين والمواطنات في كافة أرجاء البلاد، ولتجنب تشريع أي قانون يضر بحقوق ومصالح مواطني ومواطنات أي اقليم كان، لان ذلك يمثل تجاهلا لحقوق شعب الاقليم برمته، وهذا يخالف مبدأ الفدرالية الذي يضمن المشاركة المتساوية في السلطة والثروات، والذي يحقق التعايش والتحاور والتعاون بين جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية المتعددة.
على كل حال وفقا للدستور يحق لرئيس الجمهورية – وعليه إلتزاماً بالدستور - عدم المصادقة على القانون المهمِش لإرادة ممثلي شعب اقليم كوردستان، ويلحق الغبن بفئة اجتماعية حيوية وكبيرة، وإعادته الى مجلس النواب؛ وفي مدة المراجعة يمكن لوفد من اقليم كوردستان ان يزور بغداد بمعية لجنة استشارية عليا للإقليم لحل كل المشاكل المعلقة، بما فيها مشكلة المناطق المُستقطعة من الإقليم من قبل النظام البعثي البائد، والمسمى في العهد الجديد بالمناطق "المتنازع عليها"، استنادا الى الدستور العراقي وعلى مرأى ومسمع الرأي العام.
كما ويجب الاتفاق مع مجلس النواب ايضا على منع حدوث أية مخالفة جديدة لمبدأ الفدرالية ولمواد الدستور في المستقبل.
باسنيوز