• Thursday, 06 February 2025
logo

تعديل الموازنة الثلاثية العراقية وحكمة الشاعر الكوردي "بيرةميرد"

تعديل الموازنة الثلاثية العراقية وحكمة الشاعر الكوردي

عمر احمد

 

استغرق إعداد قانون الموازنة العامة الثلاثية العراقية سنة كاملة. ثم تمت المصادقة عليه في منتصف 2023 وكان غير منظم لدرجة أن تنفيذه لم يكن ممكناً في العام 2023. ومر العام 2024 في محاولة تعديله، وأخيراً، انتقل التصويت على جميع المواد والفقرات المعدلة إلى العام 2025، وقد ينتهي 2025 قبل أن يتم تنفيذ إجراءات التعديل، وبالتالي لن يكون للتعديل تأثير ولن يمكن العمل به. جزء من التعديل يتعلق بتسليم نفط إقليم كوردستان وبيعه من قبل شركة سومو، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تستعيد شركات النفط نشاطها وتزيد إنتاجها وتبرم اتفاقيات جديدة مع حكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية. كل هذا يذكرنا بحكمة الشاعر الكوردي المعروف بيرةميرد القائلة: "إن صخرة يلقيها جاهل في الماء، لن يتمكن مائة حكيم من انتشالها".

لكن إقرار تعديل المادة 12 من الموازنة، يعد من نواحي عدة نقطة مهمة لقطاع النفط في إقليم كوردستان، خاصة بعد توقف تصدير نفط الإقليم منذ آذار 2023 وتعرض صناعة النفط في الإقليم لصدمة كبيرة.

في شباط 2022، وصفت المحكمة الاتحادية العليا قانون النفط والغاز في إقليم كوردستان بأنه غير دستوري، ما مهد لمحكمة التحكيم في باريس بالبت في شكوى قديمة لوزارة النفط العراقية ضد حكومة إقليم كوردستان بشأن تصدير النفط المستقل، في أوائل 2023 وإصدار حكمها لصالح الحكومة العراقية.

عندما أقر مجلس النواب العراقي الموازنة الثلاثية في حزيران 2023، كان لدى النواب الكورد في المجلس أقل الملاحظات على الفقرة (ج) من المادة 12، المتعلقة بطريقة تعويض إقليم كوردستان عن تسليم نفطه لسومو. اتخذت تلك الفقرة من متوسط تكلفة إنتاج النفط في العراق معياراً لتعويض تكاليف إنتاج ونقل نفط إقليم كوردستان والتي كانت حوالي ستة إلى سبعة دولارات. لكن لم يكن بإمكان إقليم كوردستان إنتاج النفط وتسليمه إلى بغداد بهذه التكلفة بسبب اختلاف نظام عقوده النفطية.

تشتت الأطراف الكوردستانية في وقت إقرار موازنة 2023 أسفر عن فرض أسوأ الفقرات والمواد على إقليم كوردستان. لكن رغم ذلك، وبعد إقرار موازنة 2023، وصفت الأطراف الكوردستانية ما جاء في الموازنة بالمنجز والمكسب، وقالت عبر شاشات التلفاز إن بغداد سترسل من الآن فصاعداً تريليونات الدنانير لإقليم كوردستان، لكن ذلك لم يحدث. كانت الموازنة سيئة لدرجة أنه كان على المحكمة الاتحادية العراقية إصدار قرار لإخراج رواتب موظفي إقليم كوردستان من قانون الموازنة. ثم عقدت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان عشرات الاجتماعات وبذلتا جهوداً كبيرة لإقناع مجلس النواب العراقي بتصحيح بعض الفقرات، وفي الواقع بعض الكلمات في قانون الموازنة الثلاثية.

وبحسب الوكيل الأسبق لوزارة النفط العراقية فاضل نبي، هناك العديد من القنابل الأخرى في قانون الموازنة وحتى في تعديل قانون الموازنة وجداول الموازنة الجديدة، والتي يمكن لبغداد أن تفجرها متى شاءت وتعطل بها إرسال حصة إقليم كوردستان من الموازنة.

المشكلة هي أن العراق لا يريد أصلاً نفط إقليم كوردستان، ولا يمكن أن يتقبل بسهولة إمكانية الاستفادة من نفط وغاز إقليم كوردستان. فهو مستعد لاستيراد الغاز الطبيعي من الخارج، وغير مستعد للإقرار بوجود احتياطي ضخم من الغاز الطبيعي في إقليم كوردستان، ولهذا السبب تحديداً تم تعطيل إقرار قانون النفط والغاز الاتحادي عشرين عاماً. فبغداد لا تريد التوصل إلى اتفاق حول صياغة مشروع قانون من هذا النوع ولا تريد وجود مثل هذا القانون الذي يبيّن ويحدد سلطات الأقاليم في قطاع النفط. إن بغداد مؤمنة ومتمسكة بالمركزية في إدارة ثروات النفط والغاز. لذا لم يكن مثار استغراب أن أصدرت المحكمة العليا العراقية في شباط 2024 قراراً جديداً يقضي بأن حكومة إقليم كوردستان يجب أن تسلم جميع عائداتها النفطية إلى بغداد.

بصيص في الأفق يبشر بإنعاش صناعة النفط

من الممكن أن تسمح الحكومة العراقية باستئناف صادرات نفط إقليم كوردستان إن كانت لديها نية للتوصل إلى اتفاق مع إقليم كوردستان بشأن خلافاتهما وإتاحة المجال لإنعاش إقليم كوردستان، لأي سبب من الأسباب، كالتغييرات التي حدثت في الشرق الأوسط بعد الحرب، وخاصة سقوط نظام الأسد.

في نهاية 2024 وبداية هذا العام، صدر قراران قانونيان مهمان يمهدان الطريق لانفتاح صناعة النفط في إقليم كوردستان. الأول هو قرار محكمة التمييز العراقية الذي رفض طعون وزارة النفط العراقية واعتبر عقود تسع شركات نفطية مع حكومة إقليم كوردستان عقوداً قانونية.

القرار القانوني الثاني صدر عن مجلس النواب العراقي، الذي اقترح آلية جديدة للتعامل بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية بخصوص إنتاج وبيع نفط إقليم كوردستان. فبموجبه يمكن لشركات النفط زيادة استثماراتها في حقولها ورفع مستويات إنتاجها بسرعة إلى حوالى 400 ألف برميل، ويمكن لتعيين شركة استشارية لحساب التكلفة الفعلية للإنتاج ونقل النفط أن يشجع الشركات على مواصلة الاستثمار والإنتاج وتصدير النفط.

العقبات

ربما كان من المصادفة أنه كلما أتيحت فرصة لإقليم كوردستان لتصدير أو بيع النفط، تكون أسعار النفط العالمية في الهبوط. لا يتوقع أي من المصارف والمؤسسات المالية الكبرى في العالم أسعاراً جيدة للنفط في هذا العام والعام القادم. يتوقع البنك الدولي ووكالة الطاقة الدولية ومصرف غولدمان ساكس ومصرف جي بي مورغان أن سعر نفط برنت لن يتجاوز 75 دولاراً هذا العام والعام القادم. إذا كان سعر برنت 75 دولاراً، فهذا يعني أن متوسط سعر النفط العراقي قريب من أو أقل من 70 دولاراً المحدد في الموازنة، ما يعني أن العراق سيواجه عجزاً في الموازنة.

من جانب آخر، ووفقاً لأحدث اتفاقيات أوبك+، يمكن للعراق إنتاج ما يصل إلى أربعة ملايين برميل من النفط حتى شهر آذار من هذا العام، وبعد ذلك وحتى نهاية عام 2026 يمكنه زيادة إنتاجه الشهري بنحو 10 آلاف برميل ليصل إلى 4.22 مليون برميل كحد أقصى.

إن تراجع أسعار النفط يثني الشركات عن زيادة الاستثمار في الحقول. كذلك، فإن قيود أوبك+ تخلق مشاكل للعراق وتجعله يتردد في الاستمرار في زيادة ورفع مستويات إنتاج وتصدير نفط إقليم كوردستان، خاصة أن تكلفته ستكون أعلى للعراق مقارنة بالحقول الأخرى في جنوب البلاد.

 

 

 

روداو

Top