• Thursday, 12 December 2024
logo

حزب البعث: أيديولوجيا الخراب والدمار الشامل

حزب البعث: أيديولوجيا الخراب والدمار الشامل

د.محمد العرب

 

في تاريخ الحركات السياسية التي تبنت شعارات مثالية وبراقة، يبرز حزب البعث كأحد أكثر النماذج فتكاً بالإنسانية وتشويهاً لمعاني الوطنية والعدالة ، تأسس الحزب على مفهوم (البعث) أو النهضة، لكنه سرعان ما تحول إلى أداة قمعية استغلت العقول قبل الأجساد، لتخلق نظاماً شمولياً لا يرى في البشر سوى أدوات تُسخر لتحقيق هيمنة السلطة المطلقة.

في ظلام الأقبية، حيث تُنتزع الكرامة وتُدفن الإنسانية، يتجلى إرث حزب البعث بأبشع صوره. هناك، في أماكن مثل سجن صيدنايا في سوريا او سجن الرضوانية في العراق ، يعيش المساجين كأنهم أشباح تنتظر الفناء. يسمعون أصواتاً غريبة تتحول إلى صرخات، لتتلاشى الحدود بين الأمل والخوف. حين تُفتح الأبواب، يتسلل الضوء كغريب غير مرحب به، وحين يُقتادون للخارج، يختلط لديهم معنى الحياة بالموت. هذا المشهد ليس استثناءً، بل هو نموذج لسياسة حزب بعثية شمولية تفننت في سحق الإنسان روحياً وجسدياً..

حزب البعث أيديولوجيا إرهابية بكل المعايير. رفع شعارات الوحدة والحرية، لكنه مارس كل ما يناقضها. باسم الوحدة، قام بتمزيق النسيج المجتمعي، واضطهد الأقليات، وبرر الإبادة الجماعية. باسم الحرية، داس على أبسط حقوق الإنسان، محولاً الأوطان إلى ساحات مفتوحة للقتل والترهيب. في العراق، استخدم الحزب أيديولوجيته لتبرير حملات الأنفال ضد الأكراد، بينما في سوريا، تحول إلى آلة قمع لا هوادة فيها، تدوس على كل من يجرؤ على الحلم بالحرية.

الفكر البعثي العبثي ليس مجرد انحراف سياسي، بل هو جريمة منظمة تحمل في جوهرها كراهية عميقة للإنسان. في سجون الحزب، كان الهدف أبعد من العقاب الجسدي؛ كان تحطيم الروح. السجين لا يُسجن فقط، بل يُحوَّل إلى كائن فاقد للكرامة، يعيش في خوف دائم من الموت أو الجنون. ومن نجا من سجونهم، خرج بحياة لا تصدقها الروح، حيث يتحول النور إلى عبء ثقيل يحمل ذكرى الجدران الباردة والوجوه الغارقة في العذاب.

حزب البعث أيديولوجيا مشوهة نجحت في تفريغ السياسة من أخلاقياتها، وجعلت القتل والتعذيب أدوات لبناء دولة القمع. لقد صمم الحزب أنظمته التعليمية والإعلامية والثقافية لتحويل الشعوب إلى قطعان خانعة، تحيي القائد الفرد كإله، وتعتبر الولاء للحزب أهم من الولاء للوطن. أي محاولة للخروج من هذا الإطار كانت تعني الإبادة، سواء كانت إبادة جسدية في السجون، أو إبادة معنوية في المجتمع.

ما يجعل إرث حزب البعث كارثياً ليس فقط الجرائم التي ارتكبها، بل التأثير العميق الذي تركه في المجتمعات التي سيطر عليها. الشعوب التي عاشت تحت ظله لم تخرج منه سالمة، بل خرجت حاملة لجروح عميقة في نسيجها الاجتماعي. التواطؤ، الوشاية، والخوف أصبحوا جزءاً من ثقافة تلك المجتمعات، ما أدى إلى تدمير الثقة بين الناس، وزرع بذور الكراهية والانقسام.

من أخطر ممارسات حزب البعث هي تطويع العقول وتدمير الضمير الإنساني. في ظل حكمه، تحولت القيم إلى أدوات لتبرير الفساد والقمع. القومية أصبحت ذريعة لتصفية الأقليات، والعدالة تحولت إلى محاكمات صورية تُدار لخدمة النظام، وليس لخدمة القانون. لم يكن الهدف بناء دولة، بل بناء نظام أبدي لا ينتهي إلا بفناء كل من يعارضه.

اليوم، وبعد عقود من جرائم حزب البعث، لا يزال إرثه يطاردنا. في العراق، رغم سقوط الحزب، ما زالت آثاره حاضرة في شكل مجتمع ممزق ومنقسم، يعاني من تبعات عقود من القمع والدمار. في سوريا دمر البعث  كل أمل في مستقبل أفضل، محولاً البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة. إرث البعث ليس صفحة تُطوى، بل جرح عميق يحتاج إلى سنوات من النضال لشفائه.

حزب البعث ليس مجرد حزب سياسي، بل هو نموذج للجريمة المقننة. لقد نجح في تحويل الدولة إلى أداة للقتل، والمجتمع إلى سجن كبير. مقاومته ليست خياراً ، بل واجب أخلاقي على كل من يؤمن بإنسانية الإنسان. القضاء على هذا الفكر لا يعني فقط التخلص من رموزه، بل أيضاً التخلص من كل آثاره التي ما زالت تسري في عروق المجتمعات التي دمرها. حزب البعث أيديولوجيا الخراب التي لا يجب أن تُمنح فرصة للعودة، تحت أي مسمى أو في أي ظرف.

 

 

 

كوردستان24

Top