• Friday, 26 July 2024
logo

منظومة البريكس.. تحالف عالمي جديد

منظومة البريكس.. تحالف عالمي جديد

مؤيد رشيد

 

تساؤلات كثيرة وقلق كبير حول العالم بسبب هذا الصراع المتنامي في حدته بين قوى عالمية كبرى تسعى لخلق عالم جديد يتمتع بقطبية ثنائية او عالم متعدد الأقطاب.

 تفردت الولايات المتحدة الأميركية بتسيد العالم لثلاثة عقود مضت بعد  تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، مما أدى الى إنتهاء  الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في 26 كانون الاول 1991 .

 لم يعد هذا الإستقطاب ملائما للتغيرات السياسية والإقتصادية حول العالم، فالصين باتت تمثل ثقلا ماليا واقتصاديا وسياسيا مؤثرا حول العالم وكذلك بالنسبة لروسيا التي إستعادت الكثير من أمجادها السابقة قبل تفكك المنظومة الإشتراكية.

 يذهب العديد من المحللين إلى التشاؤم او التفاؤل حول أهمية الدور القادم لدول مجموعة البريكس، أو مخاوف تراجع النفوذ و الهيمنة الأميركية حول العالم.

 نحن نعلم وبيقين أن الإقتصاد هو الذي خلق السياسة ابتداء من نظرية المقايضة وانتهاء بالنظرية النقدية او نظرية النقود، فالسياسة هي دوما في خدمة الاقتصاد والإستثمار او رأس المال، وهو الذي يبحث دوما عن فرص جيدة ومناخ آمن، وهذا ما يمكن أن توفرة السياسات الاقتصادية او الاجتماعية أو العسكرية لتحقيق هذه الأهداف من خلال قوانين مكتوبة او ستراتيجيات غير معلنة تترك آثاراها على الجغرافية السياسية للمصالح.

 سيبقى طويلا هذا السجال نظريا أو فعليا على أرض الواقع إلى ما لا نهاية مادامت هناك قوى ومصالح متشابكة متعارضة أو متقاطعة، والتي هي هدف كل صراع.

مجموعة البريكس تسعى لخلق منظومة إنتاج واستثمار وتوزيع جديدة فيما بينها كمجموعة وبين بقية العالم، وتهدف إلى خلق قوانين وأشكال جديدة للتعاون والتبادل التجاري قد تصل الى المقايضة وإدخال الثروات كالنفط والغاز والمعادن كالذهب وما شابه، في عمليات التبادل كمرحلة أولى على طريق خلق عملة موحدة فيما بينها، وهو أمر ربما يكون صعباً نسبياً ولكنه ليس مستحيلاً.

 كما أنها تسعى كمنظومة لخلق أسعار صرف مرنة لعملاتها المحلية لعمليات التبادل فيما بينها في عملياتها التجارية كمرحلة أولى أيضا وعلى الطريق، وهذا في حد ذاته بمثل تحديا لدول المجموعة وتهديدا لهيمنة عملات عالمية سادت زمنا طويلا كعملة قياس عالمية كالدولار واليورو، وهذا وعلى طول الطريق وصولا الى خلق عملة موحدة لمجموعة دول البريكس.

 هذا جانب من المعادلة، اما الجانب الآخر فهو خلق الاسواق والتي هي تعتمد على الكثافة السكانية وهو ما يبرر دخول دول تعتبر فقيرة الثروات نسبيا كإثيوبيا ومصر ولكنها تمتلك كثافة سكانية كبيرة نسبيا، وهذا هو الجناح الآخر والذي تقوم عليه النظرية الاقتصادية بشكل عام وهي نظرية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وهما اساس نظريتي العرض والطلب، فلا إنتاج بلا استهلاك وتوزيع والعكس صحيح.

 إن إيجاد أسواق جديدة حول العالم هي جهود مرتبطة بنظم الإنتاج الجديدة والمتطورة حول العالم، ونحن اليوم نعيش عالما مختلفا يستثمر في انتاج التكنولوجيا المتطورة والحديثة والمتجددة بنفس قدر استثماره في الغذاء والدواء والصحة والتعليم والخدمات إلى آخر هذه المنظومة.

 خارطة مجموعة البريكس توزيعها الجغرافي مهم جداً بين آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وهي نقاط ذات ارتباط وتوزيع جغرافي يعطيها أهمية كبيرة على خارطة طرق التجارة العالمية.

 مجموعة البريكس ضمت مؤخراً ست دول جديدة للمجموعة من بينها مصر والسعودية والإمارات كأعضاء دائمين في بداية العام القادم، والدول الأعضاء في البريكس لا يشملها تحالف سياسي وربما توجد بين بعض أعضاءها إختلافات سياسية وآيديولوجية، وربما يكون الدخول الى هذه المنظومة هو بداية وصفحة جديدة للتقارب ونهاية للخلافات القائمة، فمن ضمن الاهداف هو التنسيق فيما بينها للتأثير في الاتفاقيات التجارية الأساسية، فهي كمنظومة لديها القدرة على تشكيل تكتل إقتصادي قوي خارج إطار المجموعة الصناعية السبعة  G7، فدول البريكس أكثر تطوراً في المجال الاقتصادي في العالم، وهذا الأمر يدعمه عدد من النقاط.

 فالبرازيل تعتبر من أكثر الدول المزودة للمواد الخام حول العالم وروسيا مصدراً عالمياً للطاقة الكامنة والغاز والحبوب، والهند هي مصدر مهم لتكنولوجيا المعلومات، أما الصين فلها موقع إنتاجي وديموغرافي متقدم ومتطور وباتت أكبر قوة إقتصادية حول العالم، وجنوب أفريقيا هي منطقة تعدين مهمة عالمياً وموقع ستراتيجي عالمي مهم جدا بإشرافها على المحيط الهندي والمحيط الأطلسي معا، والسعودية والامارات فهما من الدول المهمة والمنتجة لمصادر الطاقة حول العالم، كما انهما يمثلان ممر الربط السككي الستراتيجي الأمثل على طريق الساحل الأخضر الجديد بين الهند واوروبا، ومصر العربية هي ايضا ممر ستراتيجي مهم على خارطة المواصلات العالمية.

 هذه السمات المهمة تتمتع بالكثير منها دول البريكس، وتركز دول المجموعة بشكل كبير على التعليم والاستثمار الخارجي والمشاريع الصناعية المحلية الضخمة، فنحن هنا نتحدث عن تبادل تجاري بين تجمعات بشرية ضخمة تتوزع في عدة قارات حول العالم. إنه سوق للتبادل التجاري ضخم بين دول المجموعة من جهة وبقية العالم من جهة أخرى.

إنها خطوات على الطريق تسعى هذه المنظومة بشكل عام ودول عربية كالامارات والسعودية ومصر بشكل خاص من خلالها لأجل تأمين مستقبل أفضل و أكثر أمانا للأجيال القادمة.

 إن دخول هذه الدول العربية الثلاث لهو أمر له دلالة كبيرة على المستوى الإقليمي، فهناك تحديات كثيرة محليا وإقليميا ودوليا، وهناك دوما ظروف متغيرة ومتقلبة من حولنا.

 العالم يتقدم ويتطور بشكل متسارع ومطرد من حولنا، أما نحن فقد اخترنا مقاعد المتفرجين. محلك سر. لا بل الى الوراء در! ورجعنا الى عصور الغاب وفضلناها كقوانين تحكمنا وارتضيناها، ونسينا أن السعي هو الهدف والهم الأوحد للمثابرين في تحقيق مكانة وغد أفضل لشعوبهم.

 

 

 

باسنيوز

Top