في ذكرى الجبل الاشم
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الدیمقراطي الكوردستاني
ليس سهلا ان يكتب الانسان الشاهد على جزء من حياة زعيم مثل الملا مصطفى البارزاني، لما كان على قيد الحياة،فكيف يسهل ان يكتب عن رحيله؟
شهر اذار و بلا مبالغة، شهر يعني الكثير للأمة الكردية، وللحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي تحل ذكرى وفاة رئيسه مصطفى البارزاني في غرة هذا الشهر، وفيها ذكرى ميلاده، و وفاته تسبق ميلاده في اذار، هذا في اوله و ذاك قبل وسطه.
نادرا ما تجود ارحام الزمن و الامم برجل فذ متصل الهمة بعيد المدى، يرتبط بقضيته و تستحوذ هي على كيانه، فينطلق نحو الهدف فأما ان يكون و اما ان يموت، واي هدف؟ تحرر امة بأسرها.
امة حكمتها الجغرافيا و تأمر عليها التاريخ المصطنع، و تراكم الزمن على اثارها القديمة لتحول الاغلبية الطامحة للتسلط دون حقهم الانساني.
لم يعدم الكرد روادا في التحرر، لكنهم لا يقرنون بالبارزاني، فملحمة صنعها بأرادته و وفق موازين القوى السائدة على فترات نضاله منذ الصبا، ما كانت لتفور بها ثورات شعبنا لولا عبقرية نضاله.
قلت بدءََ: يصعب الكلام عن جزء من حياته، فكيف تنسج الذاكرة جملا عن رحيله؟
رحيله يشبه في جانب منه ذاك الشعور المر في انطفاء العين و عجز الحراك، فليس يسيرا ان تجتاح الانسان عاصفة صماء تحيل الفجر ليلا، و الحماس ركودا، و الدرب بلا اتجاه، كان ذاك اصعب شعور يتسلل للنفس و قد تلقت نبأ الرحيل.
في قبره ببارزان مهد الثورات، والى جواره ادريس ابنه، تكمن اسفار الامة بصدق و جلاء.
سبعة عقود من عمره انفقها منذ الطفولة في درب نضال مستعر، لم يعرف فيه اليأس طريقا لعقله و لا ليده و لا حال دون خطوه للأمام.
من مزاره الذي ببارزان يفوح طيب النضال و ترتقي خيوط الوثبات و الانتفاضات و الثورات و تنتشر الوان الرجاء و الثقة، و عند مزاره يردد المريدون تعابير الوفاء النقية.
كأن طريق رحيله ابى الا ان يشبه طريق إيابه نحو مثوى يشحن الزائرين له بروح الانعتاق.
من بارزان بدأ و منها تداعت له كردستان كلها، بكل من فيها، بكل تاريخها و عمقها، رجالها و نسوتها و شبابها و اطفالها، وحتى الذين مالوا لخيانته كانوا يخشونه لعلمهم بحبه لشعبه و حب شعبه له، ثم الى بارزان عاد جثمانه المطهر الذي كُتب عليه هو الاخر ان يوارى اولا ثرى اللجوء.
سبعة عقود، جعلت وجه العالم يدور ليسمع عن شعب لا يرتضي الا مكانته التي يستحق رفعة و طول يد، بلا املاء و بلا جبر و بلا قيد من ملك او رئيس، سبعة عقود صححت للدنيا اننا امة ممزقة الارض يأسرنا الاخرون بلا جريرة، ويعيد فيها الظالمون سيرة السيد و العبد.
سبعة عقود من النحت في الصخر، و التصبر على القسوة و الغدر، سبعة عقود بارزانية بحق، قلع فيها جذور التاريخ المزيف و الحاضر السيء، ليزرع بقدر ثوار حزبه و امته بساتين تنبت رجالا يحملون مشاعل النور.
لكنه لما فاضت روحه ماكنا لنملك الا البكاء عليه كما لو ان الصدور تشققت، فلقد عاد الكبير الى قريته بعد ان حاز لنا مكانين، مكاننا في ذرى الثورات، و مكان شعبه الذي اخذ منه صنع المعجزات، فما خفف عنا الا ان وجدنا اولاده يكملون الدرب، و يسيرون على الصعب، والايام و المنجزات و العمل الدؤوب في المهام الوطنية ، كلها تشهد للرئيس مسعود البارزاني بذلك الدوام لدرب ابيه.
رحم الله تلك النفس الزكية التي زرعها الله بك يا ايها الجبل الاشم كما وصفك الجواهري.
ومجدا لذكراك في يوم رحيلك الذي لن ننسى احياءه ما بقي الكرد و كردستان