أزمة النظام السياسي في العراق
مجاشع التميمي
ليست مشكلة النظام السياسي في العراق الضعف الهيكلي بل عجز النظام السياسي، وقضية العجز التي أصابت النظام السياسي ليست مشكلة الدستورية لانه لا يوجد خلل في الدستور وهو بشكل عام مترابط في مواده وكتب بأيادٍ متخصصة في ظل رقابة وأشراف أممي ودولي عليه.
إذن المشكلة هي في عدم تطبيق الدستور العراقي، ومن ثم فأن هيكل النظام السياسي لم يكتمل، لأن هناك تراتبية أشار إليها الدستور في الدورة الأولى (2006-2010) حيث كان هناك مجلس رئاسة، وهذا المجلس له صلاحيات نقض القوانين وإعادتها لمجلس النواب، حيث كان من المفروض أن يتم تشريع بعض القوانين المكملة للدستور وأهمها تشريع مجلس الاتحاد الذي هو الغرفة الثانية للسلطة التشريعية أي مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وكان من المفترض أن يشرع قانون مجلس الاتحاد في الدورة الأولى و يباشر مهامه في الدورة الثانية (2010-2014).
ومجلس الاتحاد مرتبط بالمادة الأولى من الدستور التي أشارت إلى أن العراق دولة اتحادية؛ حيث لا يجوز القول إننا دولة اتحادية في نظامنا السياسي ومجلس النواب يتكون من غرفة واحدة. وهذا الموضوع لا يمكن القبول به في الدول الاتحادية، لذلك اصبح لدينا خلل في هيكلية النظام السياسي، فحينما تم الانتهاء من الولاية الأولى وبدأت الولاية الثانية، لم يكن هناك مجلس اتحاد رغم أن النص الدستوري يشير إلى أن صلاحيات مجلس الرئاسة تنتقل إلى مجلس الاتحاد، لكن لم يتم ذلك لعدم توفر الغرفة الثانية للمجلس (مجلس الأتحاد)، لذلك انتقلت الصلاحية إلى رئيس الجمهورية رغم أن صلاحياته بسيطة ولا تتناسب مع صلاحيات مجلس الرئاسة في الدورة الأولى، على فرض أن مجلس النواب كان يجب أن يشرع قانون مجلس الاتحاد المسؤول عن حماية المحافظات والمحافظات غير المنتظمة في الأقاليم، وهذا هو جزء من الضعف الهيكلي الذي تسبب في عجز النظام السياسي العراقي.
أما الخلل الثاني المهم في النظام السياسي هو أن القوى السياسية الموجودة الآن لم تلتزم بقانون الأحزاب الذي شرع عام 2015 بعد التأجيل لأكثر من 10 سنوات، إضافة إلى أنها عملت بغياب تنظيم العمل السياسي، والكل يعرف أن هناك تراتبية هي (الحكومة والدولة والنظام السياسي).
عموما الحكومة جزء من الدولة وهي سلطة من السلطات الثلاث (التنفيذية- التشريعية- القضائية)، ونجد أن الحكومة هي سلطة واحدة من هذه السلطات التي تعمل وفق منظومة الدولة. والسؤال هنا من أكبر من الدولة؟. والجواب هو أن النظام السياسي اكبر من الدولة؛ لأن النظام السياسي يشمل الكل النقابات والاتحادات والأحزاب والسلطات الثلاث والهيئات المستقلة التي أفرز لها الدستور بابا آخر.
لذلك حينما نتحدث عن النظام السياسي ونقول نظامنا السياسي عاجز، بمعنى يوجد خلل بنيوي فيه وهذا الخلل جاء من العجز في الديمقراطية، فنحن ذهبنا إلى صناديق الاقتراع منذ 2005 وما زلنا نذهب، لكن ما هي البنى التحتية المتوفرة للعملية الديمقراطية، أي هل خرجنا من التأثير الديني أو التأثير القبلي؟ وهل وفرنا مجتمعا مدنياً قادراً على دعم النظام السياسي؛ ففي الأنظمة الديمقراطية لا يجوز أن يكون هناك نظام ديمقراطي بدون مجتمع مدني ويتمثل في المنظمات المدنية وغيرها التي استهدفت من قبل الحكومية أي المجتمع المدني. والمثير للدهشة أن جميع الحكومات العراقية استهدفت المنظمات غير الحكومية أي استهدفت المجتمع المدني، والتهمة جاهزة حين حصول أي تظاهرة سلمية عبر اتهامها بالعمالة والارتباط بالخارج؛ لأن النظام السياسي واضح أنه يستهدف الحالة الديمقراطية التي يتبناها ووجوده من خلالها، بمعنى شرعية هذا النظام أصبحت شرعية ناقصة وعاجزة
إن البعض يطالب بنظام قوي ويميل أكثر الى الدكتاتورية، وهذا أمر طبيعي لعدم توفر البيئة الاجتماعية التي تؤهل المجتمع من خلال ثقافة مستمرة لممارسة العملية الديمقراطية؛ ومن غير المعقول أن نذهب إلى انتخابات مجلس نواب وندرب الجمهور على الانتخابات البرلمانية، في الوقت الذي قمنا باستهداف مجالس المحافظات وتعطيل عملها منذ عام 2013، أضافة إلى حل مجالس القضية والنواحي، لأن قضية الانتخابات تبدأ من مختار المنطقة ومجلسي الناحية والقضاء اللذين يجب أن يكونا منتخبين، بل يجب أن يتم انتخاب المحافظ من خلال تعديل النص 122 من الدستور، بحيث يصبح المحافظ منتخبا وهذا هو الأمر الذي يحتاجه المجتمع.
روداو