• Wednesday, 17 July 2024
logo

تركيا والتأثر بالعودة الغربية الى اليمين المتطرف

تركيا والتأثر بالعودة الغربية الى اليمين المتطرف

شيروان الشميراني 

 

الحديث عن عودة اليمين المتطرف الى تصدر المشهد السياسي على المستوى الدولي كثير ومستمر، والتراجع عن التعددية والتسامح تجاه الاخرين بدأت منذ عقود في الغرب، وإحساس الخطر من عودتهم ليس من المهاجرين فحسب، وإنما من المتجنسين، ليس من أبناء الأجيال الحديثة وإنما من أجيال عديدة سابقة مولودة هناك.

اليمين المتطرف يتبنى الاستناد إلى العِرق، أي التعصب العِرقي القومي، وللغرب تاريخ عميق مؤلم ودموي فيما بينهم من الحروب الهادفة الى التصفية العرقية، بين الالمان والفرنسيين، وداخل الشعوب الشرقية السلافية من الروس والصرب والكرواتيين والبوسنيين، وفي الولايات المتحدة الأميركية التي أساسها بُني بدماء الأعراق ذات الألوان السود، ومنهم الغربيون وصلت العنصرية الى المجتمعات الشرقية والمسلمة على وجه التحديد.

ابتلي المسلمون بالتعصب القومي الجاهلي عقب وصول الفكرة عبر تنظيم "جون ترك" في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي إلى اسطنبول، ونتيجة الضغط العرقي الطوراني على الأعراق العربية والكوردية، كانت ردات الفعل القوية منهم تجاه العرق التركي، ووفق الدبلوماسي الألماني المسلم "مراد هوفمان": لو لم تكن الفكرة الطورانية لما كان النجاح يكتب لمن يُعرف ب "لورانس العرب" في تهييج العرق العربي تجاه الدولة التركية العثمانية، استمرت المعاناة لقرن من الزمان ومازالت. ومن يريد شيئاً من التفصيل ليعود إلى السيرة الذاتية للإمام سعيد النورسي (رحمه الله).

هذا يعني أن تركيا تتأثر أكثر من غيرها بالحركة الفكرية الغربية، وان بروز الحديث عن الخصوصية العرقية من الاقوام الأخرى تجاه الاتراك هو ردود الفعل وليس مبادرة، والآن بما أنّ العالم يشعر بعودة الموجة القومية المتشددة إزاء الآخرين والخوف بادٍ ظاهر على وجوه المواطنين الغربيين من أصول غير أوروبية، بل حتى بين الشعوب الغربية ذاتها، فهل تركيا تتأثر كما هي تاريخها بهذه الموجة اليمينية المتطرفة؟.

تركيا لم تغادر حتى تعود، فهي مرت بمرحلة مُخفّفة بفضل تأثير انتشار الفكر الإسلامي من سعيد النورسي مروراً بنجم الدين أربكان والطرق الصوفية النقشبندية، كما كان للتوجه الدولي نحو التعددية وقبول الآخر والتعايش السلمي بين المختلفين فروضه على تركيا التي تجاهد من أجل كسب العضوية في الاتحاد الأوروبي، أما وبعد الوصول الى الكثير من المحطات المرسومة في حركة الدولة، وشبه اليقين بعدم نيل العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وعودة الفكرة القومية الى الغرب، فتركيا لا تجد ما يقلقها من العودة الى التشدد العرقي، أو التباهي به في وجه الأعراق الأخرى حتى ممن يعيشون داخل الأراضي التركية.

ومن دون محاولة التقييم والمواجهة، فإن العلامات أكثر من واضحة، من جانب السياسة الرسمية للدولة في كل من سوريا والعراق والداخل التركي، ومن جانب ثانٍ بعض التصرفات التي تدل بوضوح شديد على التعالي العِرقي تجاه الآخرين، علماً أن الاستناد الى العِرق في التفاضل مهدور في الميزان الإسلامي.

بعض الاحداث التي ظهرت خلال الفترة الماضية يدفعنا الى الحديث التاريخي عن الذئاب الرمادية، هذه الفكرة تعود الى العقيد العسكري ألب أرسلان أحد أكثر المتشددين في اليمين التركي، مشارك في العملية الانقلابية سنة 1960 والتي أعدمت الرئيس الملتزم الديمقراطي "عدنان مندريس" الذي أعاد الأذان باللغة العربية، وبعدها أسس ألب أرسلان حزب الحركة القومية في 1969 التي هي أكثر تشدداً من حزب الشعب الجمهوري وريث كمال أتاتورك الفكري والسياسي، الحركة القومية التي لا ترى حقوقاً للقوميات الأخرى داخل تركيا إلا بوصفهم أتراكاً، أتراكاً ليس كمواطن داخل الدولة، وإنما أتراكاً بوصفهم العرقي، هذا الحزب هو حليف العدالة والتنمية الحاكم، ومع أن الرئيس الحاكم الان قادم لتنقية التاريخ العسكري والقومي التركي بالاعتماد على رؤية إسلامية منفتحة تجاه الاخرين، لكنه ذهب الى ألمانيا للمشاركة مع الجمهور التركي في دعم المنتخب ضد هولندا، دعم المنتخب من الواجبات، لكن الملاحظة في الدافع، وهو ردود الفعل الرافضة تجاه علامة الذئاب الرمادية المتشددة، بكلمة أخرى هو أظهر بذهابه المقصود بإنه مع تلك الحركة بحمولتها الفكرية اليمينية.

من يدقق في السياسة التركية في ملف القوميات الأخرى، يلحظ أن هذا الملف تحت قبضة دولت بهشتلي، وريث الذئاب الرمادية وخليفة ألب أرسلان، والرئيس ليس بيده الكثير لفعله حتى ما يرغبه أو يعتقده، هو أقرب الى الأسير عند بهشتلي منذ 2017 بداية التحالف بين حزبيهما، نعم للسياسة إكراهاتها، لكن ليس الانزلاق لحدّ فقدان الهوية الفكرية، وضياع روح السياسة الإصلاحية، وإلا لافرق بين الأبيض والأسود.

إنّ ما يحدث الآن من التوغل التركي داخل الأراضي العراقية من جهة إقليم كوردستان، ليس في محلة على الإطلاق، أنا من الرافضين لسياسة حزب العمال PKK في إدارة الملف مع الحكومة التركية، لكن بالمقابل إنّ التجاوز الكبير لحد اللامبالاة بالدولة الجارة وعدم وضع قيمة أو إعتبار لرضائها لا يمكن أن يكون مُؤيَّداً، وإن حدوث ذلك أمام عين الاميركان دليل على رضا الأميركيين تجاه توغل الجيش التركي، ربما إن مادة التعامل التجاري بين البلدين هي الحرب على غزة، إستثمارها قدر الممكن، فمادام الصمت العملي - وليس اللفظي الخجول - هو الخيار تجاه المجازر الجماعية الصهيونية في غزة، إذن ليعود الصمت بالفائدة من موضع آخر، كأن المصلحة القومية التركية الآن هي العمل مع المحور الأميركي الأوروبي والإمتناع عن دعم غزة وكذلك الإمتناع عن إعادة مَشهدِ غضبة دافوس في 2009.

 

 

 

روداو

Top