• Sunday, 19 May 2024
logo

الدكتور عبد الحسين شعبان لــ كولان: حسم المشكلات بين بغداد واربيل يكمن في اعتماد سياسةجديدة على أساس التكافل والتعاون والشراكة

الدكتور عبد الحسين شعبان لــ كولان: حسم المشكلات بين بغداد واربيل يكمن في اعتماد سياسةجديدة على أساس التكافل والتعاون والشراكة

أجرى الحوار:  بهاء الدين جلال

 

خلال حوار اجرته مجلة كولان الأسبوعية مع المفكّر والأكاديمي الدكتور عبد الحسين شعبان أكد على أنّ العملية السياسية التي أسسها بول بريمر اتجهت إلى التقاسم الوظيفي الإثني والطائفي من خلال مجلس الحكم الانتقالي وتوزّعت مقاعده وفقًا لمعادلة جديدة وضع لبناتها الأولى، مشيراً الى أنّ العملية السياسية منذ بدايتها كانت خاطئة وتقسيمية، وما أقيم على خطأ سيكون خاطئًا، ولا يمكن معالجة الأخطاء الجوهرية إلّا بإجراءات جوهرية تؤدي إلى إعادة النظر بالعملية السياسية برمّتها وبما هو قائم عليها، وذلك يحتاج إلى توافق وطني وإرادة سياسية وقناعة من جانب جميع الأطراف المشاركة، واضاف الدكتور شعبان أنّ أي قصف أو استخدام للسلاح ضدّ أي منطقة من مناطق العراق غير مقبول، بل مرفوض تمامًا مهما كانت الحجج والذرائع والمبرّرات. وكردستان جزء عزيز من الوطن العراقي، ولكن وجود حكومة ضعيفة ومسلوبة الإرادة بفعل التداخلات الدولية والإقليمية بما يجعل الأمر يتكرّر ويستمر، و اليكم نص الحوار:    

* تمر العملية السياسية العراقية  بظروف  صعبة جدا للغاية وبعض المراقبين اشاروا الي ان العراق على حافة الهاوية وعدم اليقين، وهذه الحالة تبقى كقاعدة للعملية السياسية القادمة في العراق، كمفكر عراقي ولديكم خبرة طويلة في السياسات العراقية ، هل تعتقد بأنّ  العراق تنحدر كدولة مدنية معاصرة الى دولة مليشيات او حالة اللادولة؟

- التبست صيغة الدولة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، حيث اتجهت العملية السياسية التي أسسها بول بريمر إلى التقاسم الوظيفي الإثني والطائفي من خلال مجلس الحكم الانتقالي وتوزّعت مقاعده وفقًا لمعادلة جديدة وضع لبناتها الأولى، وهي 13 مقعدًا للشيعة والمقصود للشيعية السياسية و5 مقاعد للسنّة والمقصود للسنيّة السياسية و5 مقاعد للكرد والمقصود للحزبين الرئيسيين في كردستان ومقعد واحد باسم التركمان وآخر باسم الكلدو آشوريون.

وتكرّس ذلك في قانون إدارة الدولة وفي الدستور العراقي الدائم وفقًا لما سمّي بمبدأ المكوّنات، حيث نصّ عليها الدستور في المقدّمة (مرّتان) وفي المواد 9، 12، 49، 125 و 142، وليس ذلك سوى إقامة نظام يستند إلى المحاصصة الطائفية الإثنية وهذا يعتمد على الزبائنية السياسية والحصول على المغانم والامتيازات على حساب الكفاءة والإخلاص والهويّة العراقية الجامعة.

وإذا كانت بعض مظاهر انحدار الدولة من صيغتها المدنية التي عُرفت فيها منذ تأسيسها في العام 1921 وحتى الاحتلال، إلى صيغة هجينة أولية عبر ما سمّي بالحملة الإيمانية بعد عملية غزو الكويت (1990)، فإن هذه المظاهر تكرّست ابتداءً من وجود آذانين رسميين أحدهما للشيعة وآخر للسنّة، فضلًا عن وجود وقفين إسلاميين أحدهما للشيعة وآخر للسنّة، ناهيك عن أوقاف مسيحية وأخرى إزيدية وثالثة صابئية مندائية، وهكذا يمكن ضرب العديد من الأمثلة والشواهد.

ولعبت الميليشيات والقوى المسلّحة المدعومة من الجهات المتنفّذة في الدولة دورها في مثل هذا التقسيم بالعزف على الوتر المذهبي والديني، بل أصبحت هذه القوى تتغوّل على الدولة دون رادع أو متصدّ، خصوصًا حين تستخدم الشعارات الطائفية لأغراض سياسية أنانية ضيّقة، لدرجة أصبحت هذه القوى فوق الدولة وتتحكّم أحيانًا بتوجّهاتها، ولعلّ استمرار هذا الوضع سيكرّس امتيازاتها ويصبح من الصعب عليها التخلّي عنها، وقد تسير الأمور باتجاه حرب أهلية متعدّدة الرؤوس والاتجاهات، لاسيّما بتعويم الدولة وجرح سيادتها.

* اذا استمرت هذه الحالة " عدم اليقين " في العملية السياسية وعدم وصول الي الاتفاق بين المكونات الرئيسة " خصوصا بين الاطراف السياسية الشيعية" ، رغم كل هذا الأستمرار للتدخلات الخارجية " ايران ، الخليج ، تركيا ، امريكا ..الخ" ، هل سيتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات جميع الاطراف التي لها مصالح في عدم استقراره كدولة وبالتالي يمهد الطريق لتمزيق العراق  او الى دويلات داخل دولة؟

- العراق فعليًا ساحة لتصفية الحسابات، خصوصًا بوجود دويلات داخل الدولة وغياب وحدة الإرادة والقرار والعمل، الأمر الذي قاد إلى ترك الحبل على الغارب ، وحصل ذلك منذ الاحتلال الأمريكي ، حيث تم تقاسم النفوذ الدولي والإقليمي بين واشنطن وطهران، وما يزال العراق نصفه إلى الولايات المتحدة والنصف الآخر إلى إيران، وهناك صراع وشد وجذب بين القوتين الدولية والإقليمية، يضاف إلى ذلك أن هناك وجود عسكري تركي مفروض بوجود قواعد في كردستان، ناهيك عن قصف مستمر تركي وإيراني للعديد من المدن والقرى والقصبات الكردية العراقية، بل أن المخابرات الدولية على اختلافها وجدت في الساحة العراقية فضاءً مناسبًا لاختراقاتها.

* منذ 2010 حتى الآن، أي  بعد فوز القائمة العراقية برئاسة د. اياد علاوي على القائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي ، نرى تغيراً في العملية السياسة العراقية، فمن جهة تتدخل ايران فيها علناً من اجل ابقاء السلطة عند الشيعة بشكل عام و عند الشيعة الولائين بشكل خاص، لكن بعد انتخابات العام الماضي  ظهر انقسام بين التيار صدري الذي يمثل شيعة العراق و بين الاطار التنسيقي الذي يمثل الولائين، برأيكم هل تنجح ايران هذه المرة في دعم الاطار التنسيقي وتشكيل الحكومة بسهولة؟

- بغضّ النظر عمّن سيكون له القدح المعلّا، الإطار التنسيقي أو التيار الصدري، فإن العملية السياسية منذ بدايتها كانت خاطئة وتقسيمية، وما أقيم على خطأ سيكون خاطئًا، ولا يمكن معالجة الأخطاء الجوهرية إلّا بإجراءات جوهرية تؤدي إلى إعادة النظر بالعملية السياسية برمّتها وبما هو قائم عليها، وذلك يحتاج إلى توافق وطني وإرادة سياسية وقناعة من جانب جميع الأطراف المشاركة، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.

وأعتقد أن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى تفتيت الدولة بالتدرّج وسيقود إلى انقسامات أشدّ حدّة وإلى احترابات قاسية، لاسيّما بانتشار السلاح والاستعداد لاستخدام العنف وسيلة لحلّ الخلافات.

ليس إيران وحدها تريد إبقاء مثل هذا الوضع الاستثنائي في العراق لكي تمارس دورها الوصائي عليها، بل أن "إسرائيل" هي المستفيدة من هذا الوضع، لاسيّما بانشغال العراق في مشاكله الداخلية واستغراقه في صراعاته الأهلية، وحتى الولايات المتحدة التي احتلّت العراق تركته فريسة للنهب والمنافسات غير المشروعة بين القوى السياسة لإملاء الإرادة وللحصول على الامتيازات والمغانم، ولا يهمّها شيء، خصوصًا بتأمين استمرار تدفّق النفط والتحكّم فيه، يضاف إلى ذلك أن العالم العربي أدار ظهره للعراق بفعل عاملين؛

 الأول: أن القوى المتحكّمة ناصبتة العداء وبالغ بعضها في ولائه لإيران لاعتبارات مذهبية ومصلحية أنانية ضيّقة؛

 والثاني: أن بعض الدول العربية تنظر إليه باعتباره واحة إيرانية في وجه آخر للنظرة الطائفية العراقية. وكلاهما خاطئ، والعراق الذي أسماه عمر بن الخطاب جمجمة العرب إذا ما نهض وتعافى سيشكّل عنصر توازن في المنطقة، ويحدّ من الأطماع التركية أيضًا، ناهيك عن دوره في الوصول إلى حل عادل وسلمي للقضية الفلسطينية، وخصوصًا بإقرار حق تقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية وعاصمتها القدس الشريف، وذلك بما يملكه من إمكانات وتأثير وتاريخ وحضارة.

* اظهرت الحوكمة الــ 20 السنة الماضية ، بأن الاحزاب السياسية الشيعية فشلت في ادارة دولة العراقية بشكل سليم، المحافظات العراقية " الوسط و الجنوب" تفتقر الى ابسط الخدمات الاساسية لادامة الحياة اليومية ووصلت الأمور الى انطلاق تظاهرات متواصلة في جميع محافظات " الشيعية" وفي بغداد العاصمة، هل هناك توقع بظهور " الربيع العراقي" مثلما شاهدنا في 2011 في كثير من البلدان العربية؟

- الربيع العربي أجهض بفعل عاملين، القمع المستديم من جهة، وحالة الإحباط التي وصل إليه الناس من جهة أخرى، وهكذا حصل نوع من التشتّت والتفتّت وإن كان هذا ينذر بمواجهات جديدة، لاسيّما بتردّي أحوال الناس.

لقد كانت الحركة التشرينية العفوية الشعبية بارقة أمل وإشراق بنهوض قوى شابّة غير متحزّبة جرّت معها جميع القوى التقليدية التي سارت خلفها، لكنها لم تحقّق أهدافها للأسف الشديد، لعدم توفّر خبرة ولأن بعض مطالبها لم تكن واقعية، بل لا يمكن تحقيقها، فكيف تطلب من الذين مارسوا القمع تقديم المسؤولين عنه إلى القضاء، كما أن شعار مكافحة الفساد وتقديم الفاسدين إلى العدالة غير ممكن في ظلّ الظروف الحالية، وهكذا جرى استيعابها واحتواء بعض توجّهاتها، خصوصًا بالسعي لإحداث شرخ داخلها.

كان التوقّع أن الحركة التي ألهبت حماس الناس وشدّت من أزرهم ستتّخذ عددًا من الإجراءات الحاسمة السريعة منها: الإطاحة بالحكومة وتعليق الدستور واتخاذ قرار بتسمية حكومة ورئيس وزراء لمدّة انتقالية لا تزيد عن عامين لإعادة النظر بالعملية السياسية وإلغاء مبدأ المكوّنات والاعتماد على المواطنة المتكافئة والمتساوية تمهيدًا لتوافق وطني جديد أو عقد اجتماعي سياسي مختلف بما هو سائد وفقًا لإعلان دستوري لتنظيم الحياة السياسية على أمل الخروج من الأزمة والإفلات من المأزق الذي وصلت إليه الدولة العراقية التي تعدّ من الدول الفاشلة، حيث يستشري الفساد وتتفشّى ظواهر العنف وينتشر السلاح خارج دائرة الدولة وبالضدّ منها أحيانًا.

صحيح أن الوضع المزري عامل تشجيع لاندلاع حركة احتجاج، وهذا هو الأساس الموضوعي الذي يحتاج إلى توفر العامل الذاتي، باستعادة روح الحركة التشرينية وفقًا لمعادلات جديدة، والأمر سيبقى مفتوحًا طالما تستمر الأوضاع السيئة على ما هي عليه.

* ظهرت مطالبة بالشكل العام في الشارع العربي العراقي " الشيعة والسنة" بتغير وتعديل الدستور العراقي ، في حين، عندما كتبنا الدستور في 2005، صوت الشعب العراقي باكثر من 80% لصالحه، السؤال هو: هل هناك خلل في الدستور أم في عدم تطبيقه بشكل عملي  وسليم؟

- هناك ألغام عديدة في الدستور واستمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى تفجير هذه الألغام بين الفينة والأخرى، الأمر الذي يحتاج إلى توافق وطني جديد لتعديل الدستور وتصحيح اتجاهاته وتغيير بعض أحكامه، ابتداءً من المقدمة وانتهاءً بإجراءات التعديل، وهو يعدّ من الدساتير الجامدة، وتدخّلت عدّة عوامل لفرضه منها ما وضعته الإدارة الأمريكية المحتلّة بأن يتم كتابته وتسليمه في 15 آب / أغسطس 2005 ويتم الاستفتاء عليه يوم 15 تشرين الأول / أكتوبر من العام نفسه وتتم إجراء الانتخابات وفقًا له وبالاستناد إليه يوم 15 كانون الأول / ديسمبر 2005، وهذه المدد والإملاءات قادت إلى سلق الدستور سلقًا، واعتمد في معظم مواده الأساسية على صيغة قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية الذي صدر في عهد سيء الذكر بول بريمر (آذار / مارس 2004) وكان قد وضع الصياغات الأولى نوح فيلدمان وأضاف عليها بعض الألغام والإشكاليات بيتر غالبرايت.

وإذا كان هناك بعض الإيجابيات في الدستور نظريًا مثل اعتماد مبادئ المواطنة والإقرار بالديمقراطية وحكم القانون، إلّا أن هذه المواد منحت باليد اليمنى لتسحب باليد اليسرى، حيث تم وضع ما يعارضها في مواد أخرى أو يعوّمها، لا سيّما مبادئ المكوّنات التي قادت فعليًا وعمليًا إلى التقاسم الإثني والطائفي في صيغة مشوّهة لصورة الدولة العراقية، قادت إلى الاحتراب والفساد والمغانم على حساب المنجز الذي ينتظره الشعب الذي يعاني من فقر وما دونه بلغ نحو 30%، ناهيك عن الأمية والتخلّف وانتشار مظاهر تدين زائف مصحوبًا بالخرافات والشعوذة، يضاف إلى ذلك البطالة التي يعاني منها الشباب وارتفاع نسبة الذين يتعاطون المخدرات على نحو كبير جدًا، بل أن العراق أصبح مقرًّا وممرًّا لهذه الآفة الخطيرة التي لم تكن معروفة قبل الإحتلال الأمريكي للعراق.

الخلل في الدستور يشمل الإثنين، خلل في الجوهر والمحتوى والصياغة، وخلل في التطبيق والتنفيذ والممارسة، لا سيّما بالتدخّل بشؤون القضاء وتزوير الانتخابات، وهو ما دفع الأغلبية الساحقة من الذين يحق لهم الانتخاب الإحجام عنها، لعدم ثقتهم بنتائجها، وقد ظلّت الانتخابات تدور بين النخبة المشاركة والمتقاسمة فيما بينها العملية السياسية، والنتائج دائمًا ما توضع على الرف، ويكون رئيس الوزراء شيعيًا حتى وإن كان غير مؤهّل، ورئيس البرلمان سنيًّا حتى وإن كان غير كفوء، ورئيس الجمهورية كرديًا حتى وإن كان أدنى من موظف بدرجة بسيطة أو متوسطة، وكل هؤلاء يأتي بهم التقاسم الطائفي – المذهبي الإثني، في حين أن العراق يزخر بكفاءات وطاقات لا حدود لها، وهذه كلّها يتم إهمالها وتجاوزها وفقًا للصيغة القائمة.

* العلاقة الحالية بين اقليم كوردستان والحكومة المركزية علاقة غير واضحة المعالم وتمر بمد وجذر صعب، حيث يتفاوضون اليوم حول تشكيل الحكومة الجديدة واشتراك الكورد في العملية السياسية على اساس " التوازن و الشراكة "،  وفي اليوم التالي تقوم جماعات المسلحة الذي نسميها ذات " سلاح منفلت" بقصف مواقع ومنشآت مدنية في كوردستان،  وهذا يعني أنهم من طرف يتحدثون مع كوردستان بلسان دبلوماسي ومدني، ومن طرف آخر يتحدثون معنا بلسان السلاح، برأيكم هل يمكن أن يصل اقليم كوردستان مع الحكومة العراقية الى تفاهم مشترك لاعادة العلاقة المتوازنة وحل المشكلات العالقة بينهما ؟

- أي قصف أو استخدام للسلاح ضدّ أي منطقة من مناطق العراق غير مقبول، بل مرفوض تمامًا مهما كانت الحجج والذرائع والمبرّرات. وكردستان جزء عزيز من الوطن العراقي، ولكن وجود حكومة ضعيفة ومسلوبة الإرادة بفعل التداخلات الدولية والإقليمية بما يجعل الأمر يتكرّر ويستمر، وسيقود ذلك إذا ما تصاعد إلى تباعد وتنافر لا سمح الله، ناهيك أنه سيكدّر العلاقة بين عرب العراق وكرده، وبين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.

إن استخدام السلاح خارج دائرة الدولة يعني التغوّل عليها وعدم احترام هيبتها ومكانتها، وبالتالي إضعاف الثقة بها، وعدم وضع حد لهذه الظاهرة سيؤدي إلى إضعاف ثقة الدولة بنفسها ويؤدي إلى تذرّرها وتفتّتها.

لا بدّ من حوار شامل يفضي إلى تفاهم مجتمعي، ليس بين أركان العملية السياسية الفاشلة، بل حوار مفتوح، بعضه يشمل المشاركين في العملية السياسية بموازاة غير مشاركين أو ليس لهم مواقع رسمية مثل النقابات والاتحادات والجمعيات، فمثلًا يمكن إشراك نقابة المحامين واتحاد الحقوقيين واتحاد الأدباء والكتّاب ونقابة الصحفيين واتحاد نقابات العمّال، والعديد من المنظمات المهنية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، وهذه تمثل قطاعات واسعة ممتدّة عبر منتسبيها الذين يعدّون بمئات الآلاف، بل بالملايين وشأنهم ووزنهم أكبر بكثير من بعض القوى السياسية التي لولا التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني لما كان لها مثل هذا الدور والامتياز.

تحتاج العلاقة بين كردستان وبغداد إلى إعادة نظر؛ أولًا: بتشكيل مجلس الاتحاد، ووضع النظام الفدرالي موضع التطبيق الصحيح، لاسيّما بتحديد العلاقة والصلاحيات والاختصاصات على نحو دقيق فيما يتعلّق بالسلطة الاتحادية، مثل: العلاقات الخارجية والديبلوماسية والقوات المسلحة والسيادة على المنافذ الحدودية والعملة والخطط الاقتصادية المركزية، وما عدا ذلك من اختصاص سلطات الإقليم وفقًا لعلاقات تكافؤية معزّزة بالثقة والتضامن، يضاف إلى ذلك وضع قانون للنفط والغاز يعالج ما ورد في المواد الدستورية، خصوصًا المادتين 111 و112 ويزيل ما علق من نتوءات وإشكاليات ومشاكل تراكمت خلال السنوات المنصرمة، لا سيّما بعد هيمنة داعش وما قامت به من أعمال إرهابية وإجرامية بعد العام 2014، إلى أن تم هزيمتها عسكريًا في أواخر العام 2017، ولا بدّ للحوار أن يأخذ بنظر الاعتبار معالجة ما ورد في المادة 140 من الدستور المرحّلة من المادة 58 من قانون إدارة الدولة، بخصوص ما يسمّى المناطق المتنازع عليها، بما فيها كركوك التي ظلّت معلّقة منذ بيان 11 آذار / مارس 1970 وإلى الآن.

إن حسم هذه المشكلات باعتماد سياسة جديدة واستراتيجية بعيدة المدى وعلى أساس التكافل والتعاون والشراكة والمشاركة كفيل بجعل الصراع سلميًا حضاريًا وتعود فائدته على جميع أبناء المنطقة وعموم السكان، خصوصًا بتعزيز الهويّة الوطنية العراقية مع احترام الهويّات الفرعية والخصوصيات التي تريد التعبير عن نفسها في إطار تعزيز الجوامع وتقليص الفوارق، وذلك بتمتين صيغة العيش معًا والعيش بشراكة ومواطنة ومساواة وعدل.

Top