تباين في المواقف بين مصدق ومشكك في التسريبات الصوتية للمالكي
نتشرت تسجيلات سربتها جهات "مجهولة" عن اجتماع يتحدث فيها رئيس الوزراء الأسبق وأحد ابرز قادة الاطار التنسيقي نوري المالكي، كما النار في الهشيم ، لتصبح الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول مراقبون ان هذه التسريبات وما يتحدث به المالكي ان صحت فهي دعوة وتحريض على الاقتتال الداخلي وخلق الفوضى في البلاد.
تسريبات مخابراتية
وفي هذا الصدد قال السياسي الدكتور، هيثم المياحي، ان" التسريبات مخابراتية وقد تم نشرها صوتيا أولا ومن ثم بالصورة والصوت بعدها ".
ووصف المياحي التسريبات الصوتية بـ"العمل اللااخلاقي" ، معبرا عن رفضه لها كعراقيين.
وأضاف المياحي : " نتمنى عدم قبول هكذا تسريبات من أي قائد سواء كوردي او عربي او مسيحي ويجب عدم السكوت عنها وقد تظهر تسريبات للجميع سواء بالسلب او الايجاب".
وتابع ان "الامر تجاوز مرحلة السب والشتم بين السياسيين ووصل الامر الى مرحلة امنية خطرة جدا يجب تجاوزها بسلام ويجب ان لا نسمح لاي صحفي سواء في الداخل او الخارج بخلق فتنة حتى لا نصل الى مرحلة الانهيار بمنظومة الدولة والحكومة".
ويتألف التسريب الصوتي من 48 دقيقة خلال اجتماع للمالكي مع شخصيات يعتقد أنها مرتبطة بحزب الدعوة أو بكتائب حزب الله العراقي ، حيث يجري نشر مقتطفات منها كل يوم من قبل الصحافي العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل.
وتم تداول التسجيل بشكل واسع في صفحات العراقيين على مواقع التواصل، يُسمع فيه المتحدث (المالكي) مهاجما زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بأشد العبارات، قائلا إن أنصار الأخير تلقوا الدعم من إيران إبان العمليات العسكرية التي استهدفتهم في ما عُرف بـ"صولة الفرسان" في البصرة ، كما يصف الصدر وتياره بـ"الجبناء" واوصاف أخرى بذيئة ، متهماً إياهم بقتل القيادي في "عصائب أهل الحق" وسام العلياوي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، داعياً إلى منع "تحالف الصدر" من الاتفاق مع القوى السنية والكوردية، كما شن هجوماً لاذعاً على غالبية القيادات السنية، واصفاً إياهم بالحاقدين عليه وعلى الدولة العراقية ومؤسساتها.
وكان الصدر والمالكي تبادلا مرات كثيرة، اتهامات بعضها اتسم بالتصريح وآخر بالتلميح ، طالما ترافق معها محاذير بتفجر الشارع واحتقان المشهد العام في البلاد، وهو ما حدث، الأربعاء، إثر تداول التسجيل الصوتي للمالكي.
وانعكست تلك الخلافات الحادة مؤخرا على تعطيل مشهد نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن ظلت أرقامها المعلنة معطلة عن التطبيق عند تعيين رئيس الجمهورية وتشكيل الكتلة النيابية الأكبر، صاحبة التخويل في تسمية رئيس الوزراء القادم.
وبعد ساعات معدودة من نشر التسجيل ، سارع المكتب الإعلامي للمالكي، في بيان، إلى نفي صحة التسجيل.
وأكد البيان ، أن "ما نشر هو تسجيل تم توليفه عبر تقنيات الصوت الحديثة مستخدمين تقنية Deep Fake، التي أصبحت متوفرة بسهولة، لتقليد صوت شخص ما بدرجة من الدقة يمكن أن تخدع الجمهور بواسطة الأجهزة الذكية المتوفرة في الأسواق".
وأضاف ، أن " تداول وبث هذا التسجيل يأتي في وقت ومنعطف حساس جدا تمر به العملية السياسية والواقع العراقي، ويعطي مؤشرا على أن الإعداد له كان مُسبقا".
ودعا البيان وسائل الإعلام الى "الحذر من الوقوع في كمائن الأخبار الملفقة التي تروج لها بعض القنوات المشبوهة، واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية".
وفي تأكيد النفي، أصدر المالكي بيانا ثانيا، قال فيه "أبلغ تحذيري لكل إخواني في العملية السياسية من عمليات التزوير والتزييف واستخدام أجهزة التقنية الحديثة في نسبة تصريحات لي ولغيري".
فتح تحقيق فوري
من جانبه قال الباحث في الشأن السياسي، كتاب الميزان، ان"جهاز الامن الوطني و جهاز المخابرات الوطني لديهم القدرة على تحليل الاصوات في التسجيل المسرب للمالكي".
وطالب الميزان بفتح تحقيق فوري للتحقق من صحة الاصوات "لان ما يحدث فوضى لا يمكن السكوت عنها،" مشيرا الى ان "العراق مقبل على كوارث اذا لم يتم اتخاذ اجراءات فورية ورادعة" .
ويقول محللون ان تداول مثل تلك التسريبات وفي هذا التوقيت الحساس الذي تعيشه البلاد، محاولة لإثارة القلاقل والبلبلة ، فالأوضاع العامة في العراق ، لا تحتمل قدر تلك الاستثمارات السيئة للخلاف بين أطراف المشهد السياسي في العراق، وهي محاولة لسحب الأزمة بين هذه الاطراف نحو الشارع الشعبي وخلق صدام دامي وعنيف ، إذا ما حصل سيهلك ما بقي من فرص نجاة للبلاد،.
وكتب النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ماجد شنگالي، على تويتر مغردا، أن "الغرض من ذلك التسريب إثارة الفتنة، بغض النظر عن صحته من عدمها".
وأضاف في تغريدة على تويتر "بعيدا عن صحة أو عدم صحة التسريب المنسوب للمالكي فإن من قام به لا يمتلك من الأخلاق شيئا وإثارته للتسريب في هذا التوقيت هدفه الفتنة".
ولكن للصحفي عثمان المختار، راي اخر، حيث قال مغردا على تويتر، انه" أرسلتُ التسجيل المسرب لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إلى خبير بتقنيات الصوت ، أكد لي بعد فحصه أن التسجيل لم يخضع لأي تلاعب أو تغيير بطبقات الصوت وهو صحيح".
من جهته، غرد الكاتب عامر إبراهيم ، قائلا "التسريبات الصوتية المتبادلة دليل جديد على عقم وفشل تجربة الحكم المذهبي فشلا حزبيا حكوميا، تشريعيا، قضائيا، إعلاميا".
وعلق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على التسريبات الصوتية المنسوبة لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ووجه خلالها اتهامات وانتقادات لقادة سياسيين عراقيين.
وذكر الصدر في تغريدة، تضمنت توجيهات لاتباعه بشأن صلاة الجمعة " لا تكترثوا للتسريبات، فنحن لا نقيم لها وزنا" من دون أن يذكر اسم المالكي صراحة ، مؤكداً أنه لن يدخل فتنة أخرى، في إشارة إلى رفضه الصراع مع المالكي وأنصاره.
التوقيت
وجاء توقيت نشر التسريبات بعد سلسلة من المواقف السياسية التي تبين أن المالكي يحاول فرض مرشح لـ"دولة القانون" لمنصب رئيس الوزراء وسط رفض واضح من قبل غالبية قوى الإطار لأي مرشح جدلي لا يكون مقبولاً عراقياً ودولياً بسبب المخاوف من تعرض العراق لعزلة.
ويبدو أن زعيم "منظمة بدر" هادي العامري، وهو قيادي بارز، كان مع هذا التوجه بعد إعلانه عدم المشاركة في الحكومة المقبلة ونفيه ترشيح نفسه لمنصب رئيس الوزراء ومطالبته بأن يكون المرشح مستقلاً يحظى بقبول عراقي.
كما أن زعيم "تيار الحكمة" والقيادي البارز في الإطار عمار الحكيم أكد في خطبة العيد أن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي حققت تقدماً مهماً في عدد من المجالات، ومن الممكن بقاؤها مع عمل تغييرات فيها للاستمرار بإدارة الدولة العراقية.
من يقف وراء التسريبات؟
وسربت مصادر رسمية وصحافية على صلة بالإطار التنسيقي معلومات خلال الأيام الماضية قبيل الكشف عن تسجيل المالكي، تؤكد طلب طهران من قادة الإطار التنسيقي اختيار شخصية عراقية لمنصب رئيس الوزراء تكون مقبولة داخلياً، خصوصاً من التيار الصدري، وكذلك إقليمياً ودولياً، مبينة أن طهران أبلغت قادة الإطار عن طريق سفيرها محمد آل صادق أنها ترفض أية محاولة لتأزيم الأوضاع في العراق، وأن عليهم العمل لمنع استفزاز الشارع العراقي والمجتمع الدولي في تشكيل الحكومة الجديدة.
وخلال الأيام الماضية، كان نواب ائتلاف "دولة القانون" تصدروا شاشات التلفزيون العراقية من خلال ظهور عدد منهم ليدافعوا عن موقف ائتلافهم في ترشيح نوري المالكي أو من يرشحه لمنصب رئيس الوزراء، وتحدثوا كثيراً عن حكومة توافقية وبرامج حكومية اعتبرها بعض المتابعين للشأن العراقي استفزازاً للتيار الصدري ومحاولة للاستحواذ على قرار الإطار التنسيقي.
وقال الصحافي باسم الشرع ، إن هناك اعتقاداً لدى النخبة السياسية في العراق بأن زعيم "دولة القانون" نوري المالكي هو أساس المشكلات الحالية في العملية السياسية، لما يملكه من نفوذ سياسي واقتصادي كبير أثّر في توجهات الدولة العراقية وحتى قرارات القضاء العراقي.
وأضاف أن الائتلاف وزعيمه سعيا منذ استقالة التيار الصدري من مجلس النواب إلى إلغاء وجود الأخير في الخريطة الشيعية والحديث عن تحالفات وبرامج حكومية خاصة بهما ولا تمثل حتى الإطار التنسيقي، مبيناً أن المعلومات المتوافرة تفيد بأن المالكي رفض نصائح جميع قيادات الإطار التنسيقي وحتى حلفائه في إيران بعدم استفزاز الصدر والمضي بتشكيل حكومة قد تؤدي إلى اضطراب الأوضاع في البلاد، وهو ما كان واضحاً من خلال التحالف الذي شكله مع "الاتحاد الوطني الكوردستاني" و"تحالف عزم" السني بزعامة مثنى السامرائي.
وبيّن الشرع أن هناك أحاديث عن أن الاستخبارات الإيرانية قد تكون وراء التسريب كونه صدر عن أشخاص مقربين من المالكي كانوا يحضرون اللقاء بهدف وقف توجهه نحو تشكيل حكومة جديدة، ربما تستفز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وتدخل العراق في أزمة جديدة، فضلاً عن أنها تمثل رسالة واضحة بقرب نهاية العمل السياسي للرجل.
ورأى أن التسريبات تشير بشكل واضح إلى وجود امتعاض من قبل عدد من قيادات الإطار من توجهات المالكي لحل الأزمة مع التيار الصدري، إذ لم يتم نفيها من قيادات الإطار أو التحذير منها، معتبراً أن نفي المالكي لها واعتبارها محاولة للفتنة لم يقنعا الشارع العراقي بأنها غير صحيحة.
باسنيوز