تحذير أوروبي: الصراع الشيعي في العراق يشكل تحدياً وجودياً للدولة
حذر مركز "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، من أن العراق الذي نجا من قبل من عدة تحديات وجودية له كدولة، تتهدده أزمة وجودية جديدة، بسبب الصراع الدائر داخل صفوف الطائفة الشيعية.
وبعدما أشار التقرير الأوروبي الى مرحلة مقاطعة السنة، واستفتاء استقلال إقليم كوردستان، وحربين طائفيتين، لفت الى ان عراق ما بعد العام 2003، واجه نظامه السياسي تحديات عديدة، ونجا نظام ما بعد صدام حسين، من هذه "التهديدات الوجودية"، لكنه يواجه حاليا وضع عدم استقرار جديد يتمثل في تقاتل القيادات الشيعية البارزة من أجل الهيمنة.
واعتبر التقرير ان صناع السياسة الأوروبيين عليهم ان يدركوا خلال تعاملهم مع العراق، انه مع تراجع الاقتتال الطائفي، فان المعارك داخل الطوائف صعدت الى مركز الصدارة.
وبعدما اشار التقرير الى فوز التيار الصدري ب73 مقعدا في الانتخابات الاخيرة، والى ان العراق يعمل وفق صيغة التمثيل النسبي المصمم ليعكس التركيبة العرقية والطائفية في البلد، ولهذا، لم يتمكن اي حزب من الحصول على أغلبية منذ العام 2005، خلص الى القول ان العراق أصبح عالقا في "مأزق سياسي".
وفي حين ذكر بسعي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الى تهميش خصمه الشيعي منذ فترة طويلة نوري المالكي، ورفض صيغة الإجماع التقليدية التي تضم عادة كافة الاحزاب الاساسية، محاولا اجبار القوى الشيعية الاخرى على الذهاب الى مقاعد المعارضة، الا انه اوضح ان تحالف الصدر مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف السيادة السني، كان يفتقر الى اغلبية الثلثين المطلوبة لانتخاب رئيس الجمهورية، الذي بدوره يعين رئيس الوزراء.
كما أشار الى فشل الصدر في تشكيل حكومة الاغلبية وعدم نجاحه في اقناع بعض الجماعات الشيعية بالانضمام الى تحالفه، مضيفا أنهم كانوا مصرين على توحيد قواهم ككتلة شيعية موحدة لمنع أي حزب شيعي لوحده من احتكار المشهد السياسي.
وألمح التقرير الى امكانية استفادة الصدر من الوضع الحالي حيث ان البرلمان في عطلة والنواب الجدد لم يؤدوا اليمين بديلا عن النواب الصدريين الذين استقالوا، موضحا ان هذا الوضع قد يجبر خصومه على تقديم المزيد من التنازلات كأن يقدموا له وزارات مربحة ويوافقوا على خياره لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، وذلك بهدف إبقاء الصدر داخل النظام، حيث ان الزعيم الصدري اذا كان خارج النظام، بإمكانه ان يمثل "خطرا على الدولة، سواء من خلال نزع الشرعية عن النظام السياسي او حشد المتظاهرين او من خلال شبح العنف".
وبالاضافة الى ذلك، فان الصدر، من خلال استقالة نوابه في العطلة البرلمانية، بمقدوره ان يحمي نفسه من التظاهرات التي قد تندلع خلال شهور الصيف بسبب سوء خدمات الكهرباء والمياه، وهو بذلك يظهر عدم رضاه عن الطبقة السياسية، لا بل انه قد يستخدم هذه الاحتجاجات الشعبية للضغط على خصومه السياسيين.
وتابع التقرير ان الصدر حتى قبل انتخابات أكتوبر/تشرين الاول الماضي، هدد بانه لن يدعم اي حكومة يتم تشكيلها من دونه، مضيفا ان الصدر بعدما استثمر لسنوات في النظام السياسي واستفاد منه، فانه لن يتخلى عنه، وعن مسعى الهيمنة السياسية.
ولهذا، اعتبر التقرير ما يجري هو "معركة من اجل الهيمنة الشيعية"، مضيفا انه بينما هناك ميل لدى البعض في الغرب على النظر الى هذه الاحداث على انها بمثابة صراع بين المعسكرات الموالية للغرب وبين الموالية لايران، فان الواقع يتمثل في ان الاطراف المتنافسة متداخلة في ميولها الايديولوجية.
وفي هذا الاطار، اوضح التقرير ان الصدر والمالكي يتمتعان علاقات طويلة الامد، وشائكة احيانا، مع طهران، وانه لذلك فان الشخصيات الشيعية الاخرى كرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وعمار الحكيم، ممن هم اكثر ميلا للغرب، تعارض الصدر وتميل الى الجماعات الشيعية الاخرى مثل "تحالف فتح" التي لديها اراء اكثر عدائية تجاه الغرب.
واضاف ان "الاحزاب الشيعية تستثمر في الحفاظ على التوازن السياسي من اجل الحفاظ على نصيبها من الغنائم السياسية".
ولفت التقرير الى انه في لحظات الاستقرار العابرة، فان الاحزاب الشيعية واجهت بعضها البعض على السلطة، مضيفا انه في اوقات الصراع داخل الطائفة الشيعية، فان المؤسسة الدينية في النجف هي التي تتدخل عادة لمنع عدم الاستقرار في العراق بشكل عام وفي صفوف الشيعة بشكل خاص.
اما بالنسبة الى ايران، فقد ذكر التقرير انه "برغم ضعف قدرتها على فرض الانضباط على الجماعات شبه العسكرية في العراق منذ اغتيال قاسم سليماني، فانه يتحتم الا تتم الاستهانة بدورها كوسيط محتمل بين الاحزاب السياسية الشيعية".
وختم التقرير بالقول ان صناع السياسة الاوروبية عند دراستهم للوضع السياسي في العراق، فانهم يحتاجون ان يدركوا ان تحولا مهما قد حصل، وان النظام السياسي العراقي فيما لم يعد يواجه ازمات وجودية، الا ان الاقتتال السياسي الشيعة يثير مخاطرة بخلق شكل جديد من الازمة.
وبعدما اشار الى انه خلال هذا الصراع، فان الصدر قد يفكر بان ينقل المعركة من البرلمان، نحو الشارع، لفت الى ان درجات الحرارة المرتفعة خلال الصيف تكشف عن عدم قدرة الدولة على توفير الخدمات الاساسية فيما يتعلق بالمياه والكهرباء وهو ما يخلق سببا للاحتجاج.
وخلص التقرير الى القول انه في بيئة يسود فيها استياء عام متأجج، فان الاحزاب السياسية الشيعية بحاجة الى "اعادة ضبط" دورها بسرعة للتركيز على القاعدة الناخبة الشيعية، وعلى العراقيين ككل، مضيفا ان "النظام السياسي في العراق ربما تمكن من الصمود امام الكثير من التحديات التي واجهته منذ العام 2003، الا ان الاستياء العام الحالي، اذا تمظهر من خلال الاحتجاج الموجه نحو الثورة (وليس الاحتجاج الاصلاحي)، فانه قد يخلق ازمة وجودية جديدة".
شفق نيوز