ما بين صدام وبوتين "هتلر جديد" والعقوبات لا تطيح بقيصر روسيا
أعادت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية قراءة الحرب الروسية على أوكرانيا، من منظور تعامل ثلاث إدارات امريكية مع العراق منذ غزو صدام حسين للكويت، محذرة من أن التوصيفات الكلامية القاسية التي توجه الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثلما جرى في السابق ضد صدام حسين، لن تساهم لا في اسقاط زعيم الكرملين، ولا في التوصل الى تسوية سياسية بين موسكو والغرب.
ولفت التقرير الأمريكي بداية إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا يوازي غزو العراق للكويت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاستجابة الدولية لهذين الغزوين، حيث تشكل تحالف دولي كبير لفرض عقوبات، واتهم دولة الغزو بانتهاك القانون الدولي وحقوق الانسان.
وتابع ان الرد الذي تقوده الولايات المتحدة يؤدي الى جمع الحلفاء وضرب روسيا بقوة حيث الحقت العقوبات شللا بالاقتصاد الروسي، مثلما جرى قبل ثلاثة عقود خلال حرب الخليج عندما حصل الرئيس الامريكي جورج بوش الاب على تقدير كبير لعمله من أجل توحيد العالم لفرض عقوبات لم يسبق لها مثيل على العراق.
ويوضح التقرير أنه بحسب التجربة العراقية في ظل العقوبات، فإن بناء التحالف وفرض العقوبات هما الجانب السهل من العمل، مذكرا بأن بوش الأب أنهى حرب الخليج الاولى من خلال تحالف عسكري لطرد قوات صدام حسين من الكويت، الا ان ذلك لم يؤدي الى انهاء النزاع مع العراق.
لكن في سياق مقابل، اكد التقرير ان السلاح النووي الروسي يجعل مشاركة حلف الناتو في الصراع الأوكراني أمرا غير مرجح، وهو ما سيجعل إنهاء الصراع مع روسيا، من خلال الكلام الخطابي والعقوبات، مسألة صعبة للغاية.
وتابع التقرير؛ أن العقوبات تتسبب في إلحاق معاناة شديدة بالمدنيين من دون ان تخلق ضررا كبيرا بالنخب الحاكمة، مضيفا أن العقوبات يمكن ان تؤدي الى تعزيز قبضة الزعيم على السلطة.
كما اشار الى ان الحفاظ على الوحدة الدولية التي يتم تشكيلها خلال الأزمة؛ قد يزداد صعوبة، حيث أن مصالح كل دولة قد تتسبب في التباعد مع الآخرين.
ومن أجل كل ذلك، يعتبر التقرير أنه بعد "تشويه صورة الزعيم الغازي من أجل جمع التأييد للعقوبات، يصبح رفع العقوبات او القبول بتسوية سياسية، أكثر صعوبة".
وأوضح التقرير متسائلا "كيف يمكن التفاوض بعد القول، مثلما فعل الرئيس جو بايدن مؤخرا أن الرئيس الروسي بوتين "لا يمكنه البقاء في السلطة"؟". كما ان بايدن وصف بوتين بانه "مجرم حرب".
وبعدما اشار التقرير الى انه بالنسبة الى قصف المستشفيات، فان بوتين قد يكون "مجرم الحرب"، لفت إلى أن مثل هذه المصطلحات مفيدة سياسيا بالتأكيد من أجل حشد الدعم للسياسات، مضيفا في الوقت نفسه، ان ذلك يتسبب في رفع أسعار الوقود وقد يؤدي الى تصعيد الحرب.
وذكّر التقرير بأن بوش الأب استخدم نفس الخطاب من قبل عندما قال مشيرا الى صدام حسين "نحن نتعامل مع هتلر جديد، شمولي ووحشي لا مثيل له في العصر الحديث".
كما ذكّر بأن جيمس بيكر وزير خارجية بوش الأب، قال لنظرائه الأوروبيين وقتها ان صدام حسين كان "قاتلا ، ومجرما، ويجب ألا يقوم أي أحد بالتعامل العادي مع حكومة عراقية بزعامة صدام".
وأوضح التقرير أن ادارة بيل كلينتون واصلت نهج بوش الاب بعد ذلك، مضيفا انه عندما سئل كلينتون في العام 1994 عما إذا كان سيقوم بتعديل السياسة الامريكية ازاء العراق، رد قائلا بان صدام حسين كان مذنبا بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية ، بما في ذلك الإبادة الجماعية"، وأنه سيعمل على محاسبة صدام حسين ونظامه عن إراقة الدماء في الكويت والعراق.
الا ان التقرير اوضح انه الى ان جاءت إدارة جورج بوش الابن، كانت الولايات المتحدة "تفتقر الى الوسائل او الارادة لمحاسبة صدام حسين أو إخراجه من الحكم".
وتابع التقرير؛ أن توصيفات بوش الابن حول "وحشية صدام حسين ضد المواطنين الأبرياء كانت في غالب الأحيان دقيقة، إلا أن هذه التوصيفات جعلت من انهاء الصراع غير مقبول سياسيا".
وخلص التقرير الى ان القول ان رصيد العقوبات ضعيف في مجال تغيير النظام، مشيرا الى ان العقوبات على العراق تسببت في زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 4 آلاف في المئة بين عامي 1990 و 1995، مذكراً بأن العراقيين العاديين كانوا يبيعون ذهبهم واثاث منازلهم، وان العائلات الفقيرة أجبرت على ارسال اطفالهم الى دور الايتام، في حين أن صدام حسين استمر في بناء القصور، كما برز المقربون من النظام كطبقة أثرياء جدد.
وتابع التقرير ان "برنامج النفط مقابل الغذاء" في العام 1996 تسبب في زيادة إثراء مسؤولي النظام بينما لم يحقق شيئا كثيرا للعراقيين العاديين.
واوضح ان العقوبات العراقية التي كان يفترض انها تستهدف تقويض الدعم لصدام حسين، جعلت العراقيين أكثر اعتمادا على نظامه، مذكرا بأن مع انهيار اقتصاد البلد، قامت الحكومة بتطبيق سياسة ترشيد الغذاء، وهو ما يعني أن النظام هو من كان يقرر من يأكل وكم يأكل، وأنه بعد مرور عقد من الزمن على العقوبات، كان النظام لا يزال يتمتع بقبضته القوية على الحكم.
وتابع التقرير؛ أن صدام حسين استوعب في نهاية الأمر أن واشنطن ليست مستعدة لرفع العقوبات وتوقف عن التعاون مع الأمم المتحدة، حيث جمد التعاون مع عمليات التفتيش عن الاسلحة في العراق.
ولهذا حذر التقرير من أنه اذا توصل بوتين الى خلاصة مشابهة، فقد تتراجع احتمالات انسحابه من أوكرانيا، وهو وضع من شأنه أن يزيد من احتمالية جمود المأزق الدموي.
وختم التقرير بالتذكير بأن تحالف بوش راح ينفرط بسبب الشهية للنفط العراق والتذمر من المعاناة الانسانية بسبب العقوبات، ورفض واشنطن تقديم تنازلات، ما أثار انتقادات من موسكو وباريس ودول أوروبية أخرى، وانسحاب فرنسا من تطبيق منطقة حظر الطيران فوق العراق، وان التوتر بلغ مرحلة دفعت روسيا في العام 1998، الى استدعاء سفيرها لدى واشنطن لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
وتابع انه حتى لو كانت ادارة كلينتون وقتها تريد تغيير نهجها حول العراق، فان الخطاب المناهض لصدام حسين داخل الولايات المتحدة، فرض قيودا داخلية كان من الصعب التغلب عليها.
ولكن حتى لو ارادت ادارة كلينتون تغيير المسار، فإن الخطاب المناهض لصدام حسين في الولايات المتحدة قد خلق قيودا داخلية كان من الصعب التغلب عليها بما في ذلك إقرار مجلس الشيوخ قانون تحرير العراق في عام 1998 والذي كان من احدى نتائجه حرب العراق في العام 2003، متسائلا في الوقت نفسه من كان مستعدا في واشنطن للتفاوض مع هتلر!
وخلص التقرير الى القول انه "بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، فإنه ليس من المرجح أن تطيح العقوبات بنظام بوتين، وانه مع مرور الوقت المرجح هو أن يتلاشى التحالف، لان الحاجة الى السلام في شرقي أوروبا، والحصول على موارد الطاقة الروسية، ستدفع العديد من دول العالم للتصالح مع بوتين".
شفق نيوز