• Thursday, 26 December 2024
logo

التكامل بين القومي والوطني في تجربة كوردستان العراق

التكامل بين القومي والوطني في تجربة كوردستان العراق

صلاح بدرالدين                                                                                         

 

  الدرس الأول في مسيرة الحركة القومية الكوردية منذ ظهورها وحتى الان يتلخص بالمقولة التالية : ( لانني قومي فانا وطني ) ، ولم يكن مستغربا ان الصراع السياسي الأول الذي نشب في صفوف الحركة في بدايات القرن العشرين ، وفي ظل الإمبراطورية العثمانية كان بين ماسمي بتياري – الاستقلاليين والاوتونوميين – أي بين من طالب باستقلال كوردستان ( العثمانية ) ، وانشاء الدولة الكوردية من جهة ، وبين من رأي احقية الاستقلال ولكن ان من مصلحة الكورد نيل الحكم الذاتي او الفيدرالية أولا ،لان الظروف الموضوعية والذاتية لاتتحمل اكثر من ذلك ، وكان هذا الشكل من الصراع ناشبا في العديد من الحركات القومية للشعوب الرازحة تحت النير العثماني ، وخصوصا في البلدان العربية .

  وقد اثبتت الاحداث ، والتطورات المحلية ، والإقليمية ، والدولية فيما بعد ان القوى السائدة بالمنطقة ، وكذلك المجتمع الدولي ، لم يكن مستعدا حتى بقبول الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للكورد ، وهذا ماتوضح بجلاء في بنود اتفاقية سايكس – بيكو ( الفرنسية – البريطانية – الروسية القيصرية ) ، ومعاهدة لوزان ، وسائر التفاهمات الدولية الغربية ، والشرقية الى يومنا هذا .

  مسألة موضوعية ، وقيمة البعد الوطني للحركات القومية الكوردية ، لاتنبعان من رغبات ذاتية ، او مفاهيم فكرية ، او مواقف سياسية عابرة بل هو واقع جيوسياسي يعيشه الكرد جيلا بعد جيل ، واطار. دستوري ، قانوني يجمع الكوردي بالعربي ، والتركي ، والإيراني وغيرهم في اطر دول وكيانات معترف بها دوليا ، وحدود مرسومة مثبتة في وثائق الهيئات الدولية ، تحرسها جيوش ، وتحرص عليها الارادة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .

    بطبيعة الحال كل ذلك لايعني ان مارسم ، وبني من دول ، وماتم من تجاهل لشعوب ، واقوام ، وما قسمت من اوطان الشعوب الاصلية مثل الشعب الكردي  كان بمسار صحيح ، او متوافقا مع مبدأ حق تقرير مصير الشعوب ، وحتى مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، وشرعة حقوق الانسان .

  ولابد من الإشارة هنا الى ان البعد الوطني للحركة القومية الكوردية ، يبقى العامل الأهم في مختلف اشكال حل القضية الكردية من الكونفيدرالية الى  الفيدرالية ، الى الحكم الذاتي ، مرورا بالادارات المحلية ، والذاتية ، وحتى في حالة الاستقلال الناجز حيث يحل عامل العلاقات الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، مع الدول ، والشعوب المحيطة مكان البعد الوطني وكشكل متطور عنه . 

   القومي والوطني في تجربة كردستان العراق

  منذ بدايات التحركات ذات الطابع القومي في كوردستان العراق ، كان البعد الوطني واضحا ، ففي عريضة المطالب التي قدمها الشيخ عبد السلام بارزاني والتي يعتبرها المؤرخون باكورة التحرك القومي لنيل الحقوق ، تطرقت الوثيقة الى ماهو مطلوب في مسالة الوضع القانوني لكورد العراق ، وتفاصيل العلاقات مع المركز الحاكم ، والبنية الدستورية لشكل العلاقة المتبادلة للكورد ضمن الكيان العراقي الوطني .

   وفي جميع اشكال الكفاح الذي واصل البارزانييون وسائر أطياف شعب كردستان ممارسته من مواجهات مسلحة ، ونضال سياسي ، كان البعد الوطني العراقي يتصدر تطورات الحركة القومية الكوردية ، وتجلى ذلك في المعارك الدامية ضد المعتدين من جنود الاستعمار البريطاني ، ثم جيوش النظام ، والحكومات المتعاقبة على سدة الحكم ببغداد ، وكذلك في مضمون المباحثات ، مع الجانب الحكومي ، منذ العهد الملكي ، مرورا بعهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، وحقبة تسلط البعث ، وحتى اسقاط نظام صدام حسين ، والى يومنا هذا ، فقد كان الشعار الرئيسي لثورة أيلول ( الديموقراطية للعراق ، والحكم الذاتي لكوردستان ) ، أي اعتبار البعدين الوطني ، والقومي ، متكاملين بالضرورة ، فلا حل للقضية الكوردية الا بتوفر الديموقراطية ، والتوافق الكوردي العربي  .

  لاشك ان زخم البعدين القومي ، والوطني لم يستقرا على نسق واحد ، فقد جاءت ظروف كانت الحركة الوطنية الديموقراطية العراقية تجتاز ظروفا صعبة في ظل الدكتاتورية ، والاستبداد ، وتتعرض الى التنكيل ، والقمع المنظم ، وكانت الحركة التحررية لشعب كوردستان تثور في وجه الطغيان ، وتمارس الثورة ، وحروب الأنصار ، وتحول كردستان الى موئل ، وملاذ للمعارضة العربية العراقية بمختلف اطافها ، وفصائلها ، وفي ظل تلك الأوضاع كان التوازن الإيجابي بين القومي ، والوطني سائدا .

  بالمقابل وفي مرحلة انتكاسة ثورة شعب كوردستان  آذار عام ١٩٧٥ خلال اتفاقية الجزائر بين شاه ايران ، ودكتاتور العراق ، بوساطة دكتاتور الجزائر هواري بومدين ، وسكوت أمريكا والمجتمع الدولي ، وعندما تراجعت حركة شعب كوردستان ، كان لذلك التاثير السلبي على النضال الوطني والديموقراطي العراقي ، واختل التوازن لصالح الدكتاتورية ، الى حين إعادة ماتهدم ، وصعود الحركة من جديد مما أعاد الحياة للمعارضة العراقية من جديد ، ووحدت قواها مع الحركة الكوردية ، وحققت الانتصار بسقوط الدكتاتور عام ٢٠٠٣ ، وتمت إعادة التوازن الى البعدين القومي والوطني ، مما نتج عنه نظام فيدرالي ، ودستور متوافق عليه بين سائر المكونات العراقية .

  حتى في ذروة المطالبة باجراء استفتاء تقرير المصير ، الذي دعا اليه واجراه الزعيم مسعود بارزاني ، كان البعد الوطني العراقي حاضرا بقوة ، بل ان رفع الصوت عاليا من كوردستان ، كان موجها لبغداد بالأساس من اجل إعادة النظر في مفهوم شوفيني موروث من العهود الماضية ، يتناسىى مبدأ حق تقرير مصير شعب كوردستان ، ويتجاهل استحقاقاته  الدستورية ، ومستحقاته فيي السلطة ، والثروة ، والقرار ، ويطالب بإزالة الخلل ، وعودة علاقات المشاركة الحقيقية قولا وعملا ، وكانت رسالة واضحة المعالم مفادها : نحن وطنييون عراقييون الى درجة الشراكة في الحاضر ، والمصير ، وكوردستانييون الى حدود تقرير المصير  .

  هناك وفي تجربة الحركة القومية الكوردية ، ومجمل مسار شعب كوردستان العراق بمختلف قومياته ، واطيافه ، دروس في غاية الأهمية لكل اطراف الحركات القومية الكوردية ، تؤكد على تكامل البعدين القومي ، والوطني ، وعلى ضرورة اجراء التوازن الدقيق بين الجانبين بمزيد من المرونة ، والاعتدال ، وماالنجاحات التي يحققها – الحزب الديموقراطي الكوردستاني – العراق – على الصعيدين الكوردستاني ، والعراقي ، الا ثمرة من ثمار ذلك النهج السليم الذي تسير عليه القيادة منذ ثورة أيلول وحتى الان في مجال التعاطي الموضوعي مع البعدين القومي ، والوطني .

  ان النهج السليم لمسيرة نضال الاشقاء في كوردستان العراق بخصوص التعامل مع البعدين القومي ، والوطني ، من شأنه أيضا تصحيح مسار العلاقات القومية بين الإقليم ، والاجزاء الأخرى ، نحو المزيد من التنسيق ، وتبادل الخبرات ، والتجارب ، وايلاء البعد الوطني لكل جزء الاهتمام اللازم ، والتقدير الكامل لدوره ، في حل القضايا الكوردية في كل بلد ، كما ننظر بالاحترام الى الدور الوطني على مستوى العراق للاشقاء في الإقليم .

 

                                                                             

Top