هل يغير رئيسي السياسة الايرانية ازاء القضية الكوردية؟
جواد ملكاشي
المتتبع للسياسة الايرانية خلال القرن الاخير في المنطقة يصل الى هذه الحقيقة ان هذه الدولة لها تأثير مباشر على القضية الكوردية، كونها احدى الدول التي تحتل جزءاً من التراب الكوردستاني وتسعى بشتى الوسائل والسبل لفرض هيمنتها وسطوتها على الجزء الشرقي من كوردستان، وخلال القرن الماضي استخدمت جميع الوسائل العسكرية والسياسية ضد الشعب الكوردي في شرق كوردستان حملت شعبنا والشعوب الايرانية مئات الالاف من الضحايا وخسائر مادية فادحة.
بعد سقوط نظام الشاه وقيام النظام الاسلامي في ايران عام 1979 لم تتغير السياسة الايرانية ازاء القضية الكوردية بشكل عام وحل قضية الشعب الكوردي داخل حدودها، حيث لم يكن للنظام الجديد ارادة او حتى رؤية لحلها بشكل سلمي، لكي تتمايز بها عن نظام الشاه وبناء نظام ديمقراطي حر يستقطب جميع الشعوب الايرانية لترسيخ الامن والاستقرارفي ايران والمنطقة.
وشهدت شرق كوردستان خلال اكثر من اربعة عقود ماضية حرباً مدمرة حرقت الحرث والنسل واصبحت المنطقة مسرحاً للعمليات العسكرية اندلعت في المدن الرئيسة الكوردية مع الاشهر الاولى لقيام الثورة الايرانية وامتدت فيما بعد لتشمل القرى والارياف والجبال والوديان، وماتزال تلك المناطق مناطق عسكرية رغم الامن والاستقرار النسبي المستتب فيها، وماتزال الاحزاب والقوى الكوردية في شرق كوردستان وجماهيرها في الداخل في صراع دموي مع النظام.
ورغم تغير الشخوص على رأس هرم السلطة في ايران من مرشد ورؤساء الجمهورية والبرلمان والجهاز القضائي، الا انه لم يطرأ اي تغيير على السياسة الايرانية ازاء القضية الكوردية في ايران والمنطقة وماتزال طهران تتعاون مع دول المنطقة واذرعها العقائدية لضرب الكفاح المسلح الذي يخوضه الشعب الكوردي رغم خلافاتها السياسية والعقائدية مع تلك الدول، لكن كل ذلك لم يثني القوى الثورية الكوردستانية عن عزمها على مواصلة الكفاح المسلح والنضال السياسي لنيل حقوق الشعب الكوردي العادلة.
المعارضة الايرانية بعد 1979 بشكل عام ومن ضمنها القوى الكوردستانية في شرق كوردستان ارتكبت خطأً ستراتيجياً عندما ارتمت في احضان النظام الصدامي الدكتاتوري مع بداية اندلاع الحرب العراقية الايرانية وفي الاشهر التي سبقتها، حيث استخدمهم النظام الصدامي لصالحه كوسيلة ضغط عسكرية في الحرب وابعدهم عن ساحة النضال الحقيقي في داخل ايران، ما خلق فجوة حقيقية بينها وبين جماهيرها، بحيث اصبحت اليوم عاجزة عن مواجهة النظام عسكريا وسياسيا.
قبل ايام اجريت الانتخابات الايرانية لاختيار خليفة لحسن روحاني الذي تسنم منصب رئاسة الجمهورية لدورتين متتاليتين، ورغم ما اثير بشأن كيفية المصادقة على المرشحين من قبل مجلس صيانة النظام ونسبة المشاركة فيها وشخصية المرشح ابراهيم رئيسي، الا انه فاز كما كان متوقعا في تلك الانتخابات واصبح رئيسا للجمهورية الايرانية، وخلال الايام القادمة سيختار كابينته الوزارية لنيل المصادقة من مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان).
مع انتخاب رئيسي لرئاسة الجمهورية هناك تساؤلات كثيرة تطرح في داخل وخارج ايران بشأن السياسة الخارجية الايرانية في عهد رئيسي، لكن هناك حقيقة ثابتة ان المرشد الاعلى هو صاحب القرار الاخير فيما يخص السياسة الخارجية والقرارات المصيرية، رغم وجود وزارة ووزير تناط به هذه المهمة الحساسة وجميع المؤشرات والمعطيات المتوفرة بشأن شخصية الرئيس الجديد تدلل انه سوف لا يخرج عن من الدائرة التي سترسم له ازاء امرين مهمين للغاية الاول مفاوضات الملف النووي مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام والثاني ادارة ملف اذرعها في دول المنطقة وبالاخص في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين.
والقضية الكوردية بالنسبة لإيران تعد قضية داخلية في الدرجة الاساس وخارجية بشكل عام بسبب تأثير المتغيرات في اجزاء كوردستان الاخرى على الجزء الايراني الذي يشكل ثلاث او اربع محافظات رئيسية ذو غالبية كوردية، ويعد هذا الملف جزءاً من الملفات المهمة للحكومات السابقة والمقبلة في ايران وعليها ادارة هذا الملف كجزء من السياسة الخارجية مع دول المنطقة التي تتقاسم الوطن الكوردستاني ورغم خلافاتهما في امور عدة، الا انهم متفقون ازاء مجابهة اية محاولة لأنشاء كيان كوردي في المنطقة.
اما كيف ستتعامل حكومة رئيسي مع الملف الكوردي داخليا وخارج حدودها اعتقد سوف لا يطرأ تغيير يذكر في التعامل مع هذا الملف الحساس وستستمر الحكومة المقبلة في سياستها واساليبها لضرب اي نشاط عسكري وسياسي قومي سواء في داخل المحافظات الكوردية او على حدودها مع كل من تركيا واقليم كوردستان، وربما ستزيد طهران من ضغوطها على القوى السياسية الكوردية المتواجدة في اقليم كوردستان ومحاولة خلق خلافات فيما بينها لاحتوائها والحيلولة دون قيامها بأي نشاط سياسي وعسكري.
اما على صعيد التعامل مع القضية الكوردية في اجزاء كوردستان الاخرى، ستزيد طهران من تعاونها مع نظام الاسد الذي اكتسب شرعية مزيفة في الانتخابات الاخيرة في ضرب القوى والاحزاب الكوردية في شرق كوردستان وبالاخص قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الاميركية لاستعادة سيطرة النظام على المناطق الكوردية الخارجة عن سلطته، ولابد من صدام عسكري بين النظام وتلك القوى في المرحلة المقبلة، لما تشكلها من عائق امام الامتداد الايراني في سوريا ولبنان.
وبالنسبة لتعامل طهران مع الملف الكوردي في تركيا، اعتقد انها ستستمر في تعاونها مع انقرة في ضرب الاحزاب والقوى الكوردية في شمال كوردستان، فضلا على تعاون الطرفين في سوريا وبالاخص في المناطق الكوردية الخاضعة للادارة الذاتية وكذلك مع المناطق الكوردية المحتلة من قبل تركيا (عفرين ، كري سبي، سري كانيه)، والتعاون المشترك في احتواء النشاطات السياسية والمدنية للجالية الكوردية في اوروبا التي تشكل ضغطا اعلاميا على البلدين وبالاخص في قضية حقوق الانسان وقمع الشعب الكوردي في الجزئين الغربي والشمالي من كوردستان.
وبشأن علاقاتها مع اقليم كوردستان، ستستمر طهران بضغوطاتها على الاقليم سواء من خلال علاقاتها المباشرة مع اربيل او عبر اذرعها في البرلمان والحكومة العراقية لتقويض نفوذ الاقليم سياسياً وبالاخص في الجانب الاقتصادي وخلق حالة من اللااستقرار فيه من خلال اذرعها العسكرية، لكن حكومة الاقليم وخلال العقدين الماضية من عمرها تعاملت بشكل عقلاني وحكيم مع السياسة الايرانية وعليها الاستمرار على نفس النهج السابق مع اخذ الحيطة والحذر لمستجدات الاحداث بالاخص بعد الانتخابات المقبلة في العراق التي ستفرز معطيات جديدة.
روداوو