• Friday, 22 November 2024
logo

الشراكة والمشاركة

الشراكة والمشاركة
فاروق حجّي مصطفى


قد يستغرب المتلقي وهو يقرأ العنوان؛ ويسأل، لماذا أختير"الشراكة"، "المشاركة" كعنوان لزاويّة، وقد يسأل أيضاً، تُرى، ماذا خلف هذا العنوان، حتى دون أن يكلف نفسه في التعمق في فحوى المقال، وفي مآربه؛ وذلك لأن المفردتين سهلتين جداً على قارئ المقال، مهما كان مستوى المتلقي لدى القارئ؟ المفردتين عابرتين على مرأى الجميع، ويُسمع أي الآذان هذه المفردات بين حين وآخر.
وقد يقرأ متخصص اللغة على نحو آخر، ولعل السبب هو إنّ كلٌ يقرأ تبعاً لواقعه الإجتماعي؛ فالمختص اللغوي سرعان ما يقع في خاطره أنّ المفردتين من نفس الجذر، على عكس السياسيّ، الذي سرعان ما يفكر بكل مفردة على حدى؛ ف"الشراكة" لدى السياسي تعني تقسيم الأدوار والنفوذ والمردود. أما "المشاركة" يعني الإنخراط في العمليّة دون توجيه أي الدعوة أو التكليف أو العودة إلى القوانين والأعراف؛ وهذا يتراءى بالنسبة للكل، سواء كان سياسياً أو من العامة أو مختص لغويّ.
في هذه المرحلة اختل التوزان بين القوى السياسيّة، وصارت تلك القوى تذهب يميناً وشمالاً، حتى أنّه لا يعير أي اهتمام بما يتحتم على الشركاء من مسؤوليات ووظائف واستحقاقات.
في المسألة العراقيّة القوي كاد أن يبتلع الضعيف، وفي المسألة السوريّة القوي أبتلع الضعيف وجذوره.
في الواقع الكُردي ثمة خلط؛ حيث كل طرف كُردي ضاع بوصلته في أخذ العبرة من الشراكة، وراهن على من دون ما يقدم للمشاركون أي منفع لهم .
وما لبث، رأى السياسيّ في المشاركين بأنهم لا يحتاجون إلى لا التكليف ولا الإستحقاقات ولا حتى الإلتزمات، مع انّ في أي منعطف للحس مجتمعي دوره كان للمشاركة صدى أقوى من مفهوم الشراكة وبنائها؛ متناسيين، البعض من السياسيين من القوى يظنون انها أقوى، أنّ الشراكة تجلب المشاركة على النحو الأقوى وتكسب المشروعيّة.
ولا نستغرب انه تعوّد مجتمعاتنا السياسيّة على حصول شيء دون المقابل أي دون أن يدفع أو يقدم للصالح العام، مع إنّ العامة أكثر وفاءاً من المؤسسات الحزبيّة.
في الإنتخابات البرلمانيّة العراقيّة، الناس وقفوا إلى جانب الرئيس لأنّهم رأوا فيه انسجام، وانه بالقرب منهم ومن تطلعاتهم، ولعل قول الرئيس في إنّ رأسماله ٤٨ مليون كُرديّ كان مصدره ثقة الرئيس بالعامة وبالناس، وثقة الناس به وهنا خَرَجَ مفهوم " المشاركة" إلى "المتن" في حين تنازل"الشراكة" إلى الهامش دون إيعاز، لأنّ الشريك هرب منها، وحتى جازف بالشراكة، و بالمشاركيين أنفسهم.
قد يصح القول إنّ "الشراكة" تُبنى بين المكونات سياسيةً أكانت أو " مجتمعيّة؛ انما المشاركة تُبنى بلا تخطيط مسبق لكنك تنتظرها بقوة، فمن أعطى أهميّة لمفهوم "المشاركة"، وعمل على الإستجابة لإستحقاقاتها يكتسب مشاركة الناس على النحو الأقوى ويكتسب الشرعيّة أيضاً، ومن عمل على القفز على تطلعات المشاركين، وفي أغلب الأوقات مصدر المشاركين ونقطة جذبهم يكون من ما يساور المجتمعات، فهارب من استحقاق الناس يخسر المشاركين؛ فمن يخسر المشاركين يخسر الحاضنة، وتالياً يخسر نفسه ومشروعيته؛ ولعل التجربتين العميقتين عشناهما في الأشهر الاخيرة، تجربة انتخاب برلمان العراق، وتجربة برلمان كُردستان، تلك التجربتين أظهرتا بمدى أهميّة المشاركين لإنجاح الهدف، لأنّه قد يعزف الحزب عن هدفه إنما الناس يصرّ عليه(على الهدف) وينقله من جيل إلى جيل!
بقي القول، إنّ الشراكة تُبنى أو تتأسس بصعوبة، حيث صياغته تحتاج إلى الظروف والشروط، ولكنها تُزال -أو تنتهي- فور هروب الطرف الآخر من استحقاقاتها، في لحظة إنّ المشاركة لا تحتاج إلى الظروف لأنّها تظهر من خلال إرداة الناس، فالمشاركة عمليّة ارادويّة مصدرها الناس، فمن يراهن على الناس لا يخسر إنّما يحقق نجاحاً تلو نجاح.
ولا نستغرب إنّ الشراكة لا تتحقق بين الروجافيين والباشوريين، بسبب القوانين وقصص السيادة والجنسيّة، والتي كانت سبباً لحرمان الروجافيين-فعليّاً- من المشاركة في حملات الباشوريين الانتخابيّة؛ والسؤال، كيف سيكون الوضع لو شملت المشاركة الروجافيين المتواجديين في باشوري كُردستان؟
وحكمة المقال تفيد" أعمل للضمير العام، لأنّ الخاص لا عمر له"!


باسنيوز
Top