• Monday, 25 November 2024
logo

كُوباني والظلم الناعم (قوى الكسر)

كُوباني والظلم الناعم  (قوى الكسر)
إن تحدثت مع أي عجوز في العمر المتأخر تراه يفصل عمر كُوباني إلى عمرين، عمر قبل الحكومة العربيّة، وعمر بعد الحكومة العربيّة؛ وعندما يحدثك عن حياته ما يلبث ويقول، لم تكن هناك حكومة عربيّة، لكنه لا ينفك ويتعرج ليتحدث عن "مليس"، ما يحيلنا إلى حقبة تسمى حقبة الخروج من عصر العثمنليّة إلى عصر الأوربيّة. وبالفعل الكُرد عموماً تأثروا، وخاصة النخبة منهم والإقطاعيين، بالنهضة القوميّة في أوربا، ففي مرحلة ما بعد العثمنليّة انخرط الكُرد في بناء الهويّة، من تحويل لغة الكتابة من الأحرف العربيّة إلى الأحرف اللاتينية. نستطيع القول إن مواكبة الكُرد للتطور الحداثوي في أوربا لا تقل أهميّة عن مواكبة الكماليّة في تركيا بدءاً من تأسيس الجمعيات والصحف والمؤسسات وانتهاءاً بالأحزاب مروراً بصياغة أحرف الخطاب لأية اللغة. وكُوباني جزء من هذه المواكبة العصريّة أو لنقل الحداثويّة. خويبون كان لآل بوزان بيك نصيب وافر حيث شخصان من مؤسسيها، وفي صحيفة كُردستان، حيث الصحيفة الأولى عدا عن القراء كان هناك مساهمين في صياغة المقالات من كُوباني، والكُوبانيون هم ربما من الأوائل الذين حاولوا أن يحافظوا على تاريخ بلدهم وناسهم من خلال الأغاني.
تجدر الإشارة بأنّ ناقل التاريخ كُرديّاً كانوا المغنيين في ظل غياب المؤرخيين وحالات القمع فكان المغنيين الكُرد يسردون أيام عصرهم من خلال الغناء. غالبيّة الكُرد عرفوا تاريخ كفاحهم من خلال الأغاني. وتأت كُوباني من هذه الناحيّة في المقدمة. المغني الكُوباني هو المغني الملتزم بالفطرة، فإلى جانب العشق كان هناك أغاني ملحميّة تسرد سيرة الإنتفاضات والثورات وأبطالها. باقي خضر، وقبله مشوي بكه بوري وهناك غيرهم نقلوا ما جرى في ثورة شيخ سعيد بيراني، وكيفيّة تعاطف الناس معه، وخاصة النسوة الكُرد، وكذلك أغنيّة "عوني" و "دوريش عفدي "..إلخ
قبل الحقبة العربيّة، الكُوبانيون ما كانوا يتوانون على أن يكونوا جزءاً من الحياة العامة، ولعل رفض بوزان بيك لسياسات العثمنليّة وأيضاً صدور أحكام الإعدام بحقهم والشغف نحو الحضور في مؤسسات الدولة برلمان وانخراطهم في عملية الحشد والمؤازرة لقضاياهم المحليّة تركت أثراً كبيراً في صناعة الوعيّ الهوياتي-القوميّ.
وبين الحقبة العثمنليّة وحقبة الحكومات العربيّة في الحقبة الفرنسية كان شاهين بيك هو من أثير فكرة البدء في عمليّة فصل الإقليم الشمالي لسوريا الحاليّة عن "سنجق دير الزور"، حيث الصدام الذي حصل بين الضابط الفرنسي الذي اكتشف أهميّة حوض الفرات من على معبر "الشيوخ"-المعبر هو بين كوباني وجرابلس في نقطة الشيوخ- وبين شاهين بيك وثم تفاقم الصدام حتى أضرم الفرنسيون النار في قصر البيك. الصدام هو لحظة البدايّة لتقديم الكُرد أنفسهم على أنهم كيان ولهذا الكيان نخبة وحاضنة ما دفع بالفرنسيين شغف انخراط الكُرد في عمليّة" تأهيل الشخصيات الحكم" من خلال تأسيس كيانات إداريّة-جغرافيّة متخذاً من العامل السكاني والهويّاتي سبيلاً قويّاً للنجاح؛ ولعل إقباليّة الكُرد في الإنخراط في هذه العمليّة وتجاوز عقد الصدام بين الضابط الفرنسي وشاهين بيك هو مؤشر على نضج الوعي السياسي لدى النخبة-هم رؤساء العشائر والقبائل والوجهاء الإجتماعيين- الكُرديّة في تلك المرحلة.
التمعن في سير العمليّة المعاشيّة في تلك المرحلة، والمرحلة التي نتحدث عنها هي مرحلة آخر عمر العثمنليّة في بلادنا وبداية الحقبة الفرنسية وثم الحكومات العربيّة، نصل إلى نتيجتين: الأولى: إن الكُرد كانوا مثل غيرهم من أبناء المنطقة مواكبيين لتطور التاريخي السياسيّ، وكانت هناك الرغبّة ليس أن يكونوا جزءاـً من هذا التطور فحسب إنما صانعوه أيضاً. والثانيّة: إن محاولة الكُرد في الإنخراط في عمليّة بناء المؤسسات وصناعة اللوزام الحضاريّة وبناء القصور، والتأسيس للجمعيات والصحافة والإطر لها بُعد سياسي مستند إلى حواضن نخبويّة لا تقتصر على الحضور الكُردي في التاريخ فحسب إنما تعزيز وتمكين قوى كسر الإرادات التي ما لبثتوا وكانوا يعيقون حركة التطور الكُردي ذهنيّاً ومعاشيّاً..!!
(للموضوع تتمة).
Top