كُوباني وهم البقاء ,,,, (لحظة الولادة)!
كُوباني، قبل الولادة، كانت ناحيّة تابعة لإدارة جرابلس، وجرابلس كانت مركز الإدارة غربها حدود أعزاز أي قرب كُرداغ/عفرين وجنوبها تصل إلى باديّة الشام ومن ضمنها منبج، وشرقها سلوك يعني على مرمى حجر من سري كانيه/ رأس العين. وكون الكُرد كانوا يشكلون الأغلبيّة في جرابلس فإن الإدارة فعليّاً كانت بيد الكُرد.
ما نود قوله هنا لو بقي ذاك التقسيم الإداري على حاله، وعدم فصل كوباني من جرابلس وتل أبيض/ كري سبي من كوباني والحقاها بالرقة لما كان الكُرد بحاجة إلى فتح "كريدور كُردي" فكان الطريق الواصل إلى عفرين متاحاً دون عوائق، وربما كل المناطق الكُرديّة تتصل ببعضها حسب التقسيم الإداري قبل إستلام القوميين العرب -الناصريين والبعثيين- الحكم.
بعيداً عن خطة محمد طلب هلال، حيث وإن كان تحدث عن الشريط الشمالي الكُردي وكيفية ابتعادهم عن الحدود مع تركيا حيث السكان في الطرف الأعلى من الحدود هم كُرد أيضاً إلا انّه ركز في منطقة الجزيرة ونفذ الحزام العربي على جزء كبير من الجزيرة وفشلت الخطة في كوباني بسبب المقاومة من قبل بعض الشخصيات.
القوميين العرب نفذوا خطة في كُوباني على غير ما تم تطبيقه في الجزيرة. ففي كوباني تم فصل كُوباني عن جرابلس، والجزء الشرقي منها أي "كري سبي/تل أبيض" فصلوا عن كوباني والصقوا بالرقة لنصبح بين مشهد ممزق وغير متسق ومع الزمن تم حرمان الكُرد في تل أبيض من حق الملكيّة حيث يشكل الكُرد أكثريّة في كري سبي/ تل أبيض. ستون سنة حرم الكُرد من توثيق ملكيتهم، ومن كان يملك مساحات واسعة شمله قانون إصلاح الأراضي أي النظام الإشتراكي ،
ما جرى هي عمليّة التغيير في الهندسة الديمغرافيّة بالتمام والكمال، وخلق ظروف استحكاميّة صعبة بسبب الإنتماء ودفعهم بالنزوح إلى داخل المدن السوريّة أو حتى إلى كوباني وامحاء هويّة الكُرد بسبب تلك الظروف على أهم ناحيتي كُوباني وهما: كري سبي/تل أبيض، وعين عيسى/ بوزانيه. طبعاً كل ذلك كانت تساق ضمن سياسة "صهر جميع القوميّات في بوتقة الأمة العربيّة" والتي كان يتبناها القوميون العرب أو العروبيون الذين حكموا البلاد لمدة خمس عقود من الزمن.
والحال.. كانت ولادة غير مباركة، الولادة تلك كانت تمهيداً لتمزيق الجغرفيّة والديمغرافيّة، أي تمزيق الأرض وناسها بطريقةٍ ناعمةٍ حيناً وبالسوط أحياناً، لتبرز مع الزمن معطى سكاني وإداري جديد. سكاني :جرابلس أصبحت مدينة ذات غالبيّة عربيّة بعد نفاد الأرمن منها، وتحولت مدينة كوباني مقراً لإلتفاف الكُرد حولها خاصة بعد التعصب القومي لدى العرب أبان تغلغل الفكر الناصري وأبان انتعاش الروح القوميّة وتفاعلها مع نضالات البارزانيين وثوراتهم، ومعاقبة الكُرد على حبهم للبارزاني وخاصة عند "السفينة" التي كانت تنقل الناس مع سياراتهم إلى طرف الغربي من نهر الفرات حيث في كل يوم عراك بين الكُرد المسافرين إلى حلب ومالكيّ السفينة وعمالهم، وأيضاً لم يستطع الباص الذي ينقل الكوبانيين العبور من منطقة الباب تجنبّاً للعراك بسبب كُرديتهم، وبدا هذا الأمر جليّاً حيث قلة من الكُرد يقطنون في مدينة الباب مع إنّ ١٢٥ قريّة كٌرديّة تابعة لمدينة الباب.
بقي القول ..أنّ من إفرازات تلك الإجراءات من قبل العروبيين ترك الناس عرباً وكُرداً أمام معضلة الهويّة والإنتماء، ولذلك نرى استحالة المعادلة ومع أنّ الأمر لا يكلف كل العناء حيث العودة إلى سوريا ما قبل استلام العروبيين، أي إلغاء كل القرارات التي مست الهندسة الديمغرافيّة، وترك الناس ليعيشوا أحراراً في مناطقهم الطبيعيّة غير خاضعة للحدود والتقسيمات الإداريّة الإصطناعيّة، وهذا هو الحل الأفضل..
(للموضوع تتمة).