فضيحة من العيار الثقيل.. محل بيتزا "بَاعَ" شهادات لمسؤولين عراقيين
وفي تقرير استقصائي نشره موقع "ميديوم" كتبه بريان وايتاكر، وهو المحرر السابق في صحيفة "الغارديان" البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، ترجمته وكالة شفق نيوز، حيث كشف النقاب عن وجود ما يسمى "أكاديمية البورغ للعلوم" التي تدعي انها جامعة مرموقة في الدنمارك وتمنح شهادات مزورة على أنها صادرة من هذا البلد الأوروبي، لكل من يدفع لها، بما في ذلك من قبل شخصيات مختلفة من العراق.
وكان صحافيون في موقع "Khrono" في النرويج كشفوا في الشهر الماضي وجود اكاديميتين وهميتين مماثلتين في النرويج، وأكاديميات مشابهة أخرى في هولندا. والان، تتعلق تفاصيل الفضيحة الجديدة في الدنمارك.
وبحسب التقرير، فان هذه "الجامعات" التي تتخذ من اوروبا مقرا لها، تستهدف الوصول الى الزبائن العرب، وتدريها في الغالب شخصيات عربية، وبعضها لا تتضمن أكثر من مجرد موقع إلكتروني على الإنترنت يدار من منزل في مكان ما، او من مكتب صغير، لكنها تحمل أسماء مؤسسات توحي بالاحترام والصدقية.
وتتحايل هذه "الجامعات" على فكرة عدم وجود مبان تعليمية لها، لانها تقول انها تعتمد فكرة "التعليم عن بعد" حيث تقدم موادها الدراسية عبر الانترنت، اذ بعدما يسدد الطالب الرسوم المالية المتوجبة عليه، يصير بإمكانه تنزيل المواد "اونلاين" من الموقع الالكتروني للجامعة المفترضة.
ومن غير الواضح ما هي المؤهلات الاكاديمية التي تتمتع بها بعض هذه "الجامعات" ومستوى البرامج التعليمية التي توفرها ما يؤهلها لمنح شهادات جامعية للطلاب المفترضين مقابل الرسوم المالية التي يدفعونها. وتمنح بعض هذه الجامعات المفترضة، شهادات دكتوراه فخرية بطرق احتيالية تجعل من شهاداتها تبدو أصيلة.
وعلى موقعها على الانترنت، تصف "اكاديمية البورغ" نفسها بأنها "مؤسسة جامعية مستقلة"، في حين أن النظام المعمول به في الدنمارك لا يسمح للمؤسسات التعليمية باستخدام مصطلح "الجامعة" ما لم تحصل على الترخيص اللازم من الجهات الحكومية المعتمدة. ثم عُدل المصطلح على الموقع الالكتروني في وقت سابق من العام الحالي، من "مؤسسة جامعية" الى "مؤسسة أكاديمية" تقول انها تقدم "مواد جامعية مختلفة"، وتصف نفسها أيضا بأنها "جامعة رائدة عالميا".
اما في واقع الأمر، فإن "اكاديمية البروغ" تعمل من مكتب صغير داخل داخل مبنى حديث كبير يضم مكاتب ل 175 شركة ومؤسسة أخرى، في منطقة مرفأ فردريكسهاون. ويبدو أن تلك "الاكاديمية" تتشارك مكاتبها مع منظمتين هما "الرابطة الثقافية للمؤرخين الدوليين" و"الاتحاد الدولي للأكاديميين العرب" حيث ان رقم الهاتف المعتمد موحد للجهات الثلاث! وليتكامل تزييف الحقائق، فإن الصور على الموقع الإلكتروني للاكاديمية المفترضة تظهر اسم "الجامعة" عند مدخل المبنى الكبير في المرفأ، لكن على أرض الواقع، لا وجود لمثل هذه اللافتة بتاتا. كما ان الموقع الالكتروني ينشر صورا لمكتبة كبيرة يفترض أنها للجامعة المفترضة، لكن البحث عبر محرك البحث "غوغل" يكشف ان هذه الصور شائعة الاستخدام في مواقع كثيرة، ولا تخص مكتبة الجامعة!
ومن الدلائل الاخرى على ان "الاكاديمية" تبيع شهادات مفبركة، انها لا تنشر الكثير عن طاقمها التعليمي، لكنها تشير إلى أنها تقدم 12 اختصاصا تعليميا من بينها الطب، وتنشر أسماء ونبذات اكاديمية عن اساتذتها الذين يتضح أن غالبيتهم لهم ارتباطات معينة بجامعات في العراق. كما تشير الاكاديمية الى أنها منخرطة في أعمال البحث والنشر لعدد من المنشورات الاكاديمية، من بينها نشرة العلوم الطبية التي يرأس تحريرها الدكتور علاء حسين بشير، العراقي الأصل، الذي يعيش في بريطانيا، وهو شخصية معروفة لأنه كان الطبيب الشخصي للرئيس العراقي السابق صدام حسين.
لكن الغريب في المسألة، انه عندما تم التواصل مع الدكتور بشير عبر البريد الإلكتروني المتوفر على موقع الاكاديمية، فان بشير نفى علاقته بالأكاديمية او بنشرتها الطبية. وقال "لست عضوا في اكاديمية البورغ في الدنمارك، ولست في هيئتها التحريرية لنشرة العلوم الطبية. غالبا، يمكن ان يكون تشابه بالاسماء. انا أقيم في لندن".
وهناك شبهات بأن الاكاديمية المزيفة منحت شهادات لوكيل وزارة الداخلية سابقا النائب الحالي عدنان الاسدي، وزير الداخلية السابق قاسم الاعرجي، ووزير الرياضة السابق احمد العبيدي.
وتقول الاكاديمية على موقعها انه في العام 2018 أجرت محادثات مع وزارة التعليم العالي في العراق من أجل محاولة نيل "الاعتراف الكامل" من جانب الوزارة بشهاداتها. وعقد اجتماع ثان في العام الماضي حيث تعهد الوزير بتوفير الإمكانيات المتاحة لمنح الاعتراف بالاكاديمية. وفي الوقت نفسه، فان الأكاديمية تزعم ان لديها العديد من اتفاقيات الشراكة والتعاون مع الكثير من المؤسسات التعليمية حول العالم كالجامعات والمستشفيات والمعاهد. وبشكل محدد أكثر، تشير "البورغ" الى انها تتعاون مع جامعات معترف بها في العراق هي جامعات بغداد وبابل والمستنصرية.
وكتب العراقي محمد القيسي على فيسبوك انه توجد شبيهة لأكاديمية البورغ هما جامعتان في هولندا منحتا شهادات الدكتوراه لكثيرين من بينهم خلف عبد الصمد محافظ البصرة السابق ورئيس كتلة دولة القانون في البرلمان حاليا، وصلاح عبد الرزاق محافظ بغداد السابق وهما قياديان في حزب الدعوة، وكذلك واحدة اخرى في السويد وواحدة في لبنان وهذه الاخيرة هي الاكثر منحا لشهادات الماجستير والدكتوراه لمسؤولين في النظام وآخرهم رئيس مجلس القضاء فائق زيدان.
وقال القيسي ان هذه الجامعات الوهمية تقوم باستئجار قاعة في أحد الفنادق لتصوير حفلات التخرج المزيفة وارتداء الارواب وإخراج مسرحية التخرج المزيفة حسب قدرة الزبون على الدفع، مشيرا الى ان "الرسائل وأطروحات التخرج كلها مسروقة من طلبة الدراسات العليا الذين انجزوها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، واستولت عليها الأحزاب الاسلامية وبدأت تبيعها للراغبين".
كما نشر معلومات اضافية حول "اكاديمية البورغ" على فيسبوك ووصفها بأنها "صورة شهادة تسجيل مكتب هذه المنشأة الصغيرة كمشروع تجاري فردي صادرة من السلطات الدنماركية، وتبين في الصفحة الثانية منها انه هو كان بالأساس مسجل كمطعم بيتزا لصاحبه ابن رئيس الجامعة والذي يعمل حاليا معاون لوالده رئيس تلك الجامعة الوهمية".
واشار موقع "ميديوم" ان رئيس الجامعة المفترضة هو طلال أكرم النداوي.
على موقع سفارة الجمهورية العراقية في كوبنهاغن، هناك خبر عن استقبال السفير العراقي حبيب الصدر في مكتبه في 26 أغسطس/آب 2019، "الدكتور طلال النداوي رئيس اكاديمية البورك للعلوم في الدنمارك برفقة السيد رعد اليوسف المستشار الاعلامي للاكاديمية".
في بداية اللقاء، قدم الدكتور النداوي ايجازاً عن سيرته المهنية، باعتباره رئيساً لأكاديمية البورك للعلوم في الدنمارك والتي تأسست في العام 2003، وتعتمد نظام التعليم التقليدي ونظام التعليم المفتوح.
وبحسب موقع سفارة العراق فقد "عبر سعادة السفير حبيب الصدر عن اعتزازه بالتاريخ العلمي والثقافي للدكتور طلال النداوي باعتباره شخصية اكاديمية وصاحب مؤسسة علمية في الدنمارك".
يذكر ان العديد من الدول كشفت في السابق عن فضائح متعلقة بتزوير شهادات جامعية، من قبل مؤسسات تعليمية وهمية، ولعل من بين أكثرها شهرة تلك التي كشفت في الكويت قبل عامين، لكن نادرا ما تصل التحقيقات في هذه القضايا الى نهايات تفضح كل تفاصيلها ولا الشخصيات المتورطة في نيل شهادات مزورة خصوصا اذا كانت هذه الشخصيات تتولى مواقع سياسية مهمة.
shafaaq