• Wednesday, 17 July 2024
logo

الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط بعد دحر داعش

الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط بعد دحر داعش
قبل أيام، أعلنت الحكومة السورية استعادة بلدة البوكمال على الحدود مع العراق من مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، وبهذا خسر التنظيم آخر معاقله، وتشير التقارير العسكرية إلى أن مسلحي داعش فروا إلى المناطق الصحراوية بين سوريا والعراق، ويُنتظر أن يكون السؤال الأكثر طرحاً على الدبلوماسيين والقادة العسكريين في التحالف الدولي ضد داعش وخاصة الأمريكيين منهم، متعلقاً بطبيعة مهامهم في الشرق الأوسط بعد هزيمة داعش؟

وخلال العامين الماضيين، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها، جهودها للقضاء على الخلافة المزعومة لداعش، كما ساندت دول المنطقة بغرض تعزيز قدراتها على مواجهة التنظيم، وانصب جام اهتمام الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على دحر داعش، وتنتظر دول المنطقة الآن إزاحة الستار عن ماهية الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟

وعلى الرغم من أن الحرب على داعش تسير نحو نهايتها من الناحية العملية، كما أن الضعف والوهن أصابا المجاميع المتشددة التابعة للمعارضة السورية بشكل ملحوظ، لكن الشرق الأوسط لا يزال يئن تحت وطأة الحروب والصراعات السياسية الداخلية العميقة، وحاجة أغلب دول المنطقة إلى خطط إصلاحية اقتصادية وسياسية لضمان الأمن المستدام.

وعلاوة عن كل ذلك، فإن التوسع الإيراني يمهد لحدوث أزمة مستعصية طويلة الأمد بالمنطقة. سوزان مالوني ومايكل أوهانلون، وهما باحثان في معهد بروكنجز، يعتقدان أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يملك استراتيجية واضحة للتعامل مع كل هذه التعقيدات.

العراق

الباحثان يشيران في مقال نُشر بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إلى وجوب أن يكون للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً طويل الأمد في العراق، فضلاً عن تقديم حزمة مساعدات إنسانية، موضحَين أنه "تجب مشاركة الكورد والعرب؛ السنة والشيعة في حملات إعادة إعمار المناطق المحررة، لمنع ظهور داعش آخر".

مرّ شهر على هجمات الجيش العراقي والحشد الشعبي على كركوك والتي كان لقادة فيلق القدس الإيراني دوراً بارزاً في تنفيذها، ويؤكد مالوني وأوهالون، بشأن الخلافات الداخلية في إقليم كوردستان، "التي سنحت الفرصة لتنفذ طهران مخططاتها"، ضرورة "تحجيم النفوذ الإيراني في كوردستان العراق"، دون قطع أذرع طهران في كوردستان بالكامل.

ويوضح الباحثان الأمريكيان إلى أن تنحي مسعود البارزاني عن منصب رئيس إقليم كوردستان، يعد "فرصة جديدة لإحياء التعاون بين الكورد وأجزاء العراق الأخرى، ويجب أن تركز السياسة الأمريكية على عدم استيلاء أي طرف على أراضي الطرف الآخر".

سوریا

يذكر الكاتبان أن الأزمة السورية تدور في فلك أقلمة المنطقة، لكن بما أن المعطيات تدل على عدم مغادرة الأسد للسلطة خلال المستقبل القريب، لذا فإنه يجب أن تؤسس السياسة الأمريكية على إنشاء وحماية مجموعة "من مناطق حكم ذاتي مؤقتة"، وكوردستان سوريا هي إحدى المناطق التي تطالب بالفيدرالية حالياً، وفي الوقت ذاته تجب مراقبة المناطق التي تتمركز فيها قوات المعارضة المقربة من القاعدة عن كثب، لأن تلك الفصائل تشكل مخاطر على دول الجوار السوري.

اليمن

مرّ أكثر من سنتين على انطلاق هجمات التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن، وخلال هذه الفترة تشرد نصف سكان البلاد، كما تفشت المجاعة والأمراض وعلى رأسها الكوليرا، ولم يتمخض عنها أي مكاسب، سوى خلق الأجواء المواتية لتعزز إيران والقاعدة وداعش على السواء مواطئ قدم لها في البلد المطل على البحر الأحمر.

ويوضح الباحثان، قدرة الولايات المتحدة والسعودية على الاتفاق بشأن عملية سلام تركز على التوافق بين أطراف النزاع لا نصرٍ عسكري حاسم؛ فقد أثبتت التجربة خلال السنتين الماضيتين أن تحقيق مثل هذا الأمر في اليمن محال، ويقترح مالوني وأوهانلون أن تهدف العملية السياسية إلى تشكيل حكومة ائتلافية تنهي المجازر الدموية وقادرة على توزيع المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار اليمن.

الصراع بين إيران والسعودية

تسعى هاتان الدولتان جاهدتين لسد الفراغ الحاصل في العراق والمنطقة عموماً بعد القضاء على داعش، ولا تزال طهران تسعى لتنفيذ المشروع الأزلي للمذهب الشيعي الذي يمتد من غرب إيران حتى البحر المتوسط، أما السعودية التي تعتبر نفسها رائدة زعامة العرب السنة في العالم فتحاول الحد من النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.

تعمل السعودية على إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع العراق إلى طبيعتها، لكنها تدرك أن إيران والقوى الشيعية تريد جني ثمار دحر داعش، كما تعلم الرياض عدم قدرتها على توطيد أواصر العلاقة مع بغداد دون وجود الوسيط الأمريكي.

السياسة في العراق مبنية على أسس طائفية كما أن التأثير الطائفي أقوى من القومي، لذا فإن اندلاع صراع بين العرب السنة والشيعة احتمال وارد دائماً.

وقال الباحث في مركز "المستقبل" الأمريكي للدراسات الجيوسياسية، كامران بوخارى، إن العامل الطائفي في تذكية نار العنف بالعراق يصب في صالح السعودية، مشيراً إلى أن جذور السياسة السعودية مؤسسة على عداء الشيعة، ما يؤدي تلقائياً إلى دفع الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية إلى التقارب مع إيران.

إيران قلصت الخيارات المتاحة أمام السعودية، في الوقت الذي تُعتبر إيران هي الطرف المنتصر على الأرض في العراق وسوريا ولبنان، وإذا لم يبذل المجتمع الدولي مساعٍ حثيثة لتقليم مخالب إيران فإن انحسار مجالات العمل أمام السعودية بالشرق الأوسط قد يسفر عن حدوث ردود فعل عنيفة، لذا فإن السعودية تتطلع إلى العرب السنة في دول المنطقة، ومجريات الأحداث خلال الأسابيع الماضية في العراق وسوريا ولبنان تدل على أن المجتمع الدولي لا ينوي القيام بعمل خارق لمنع هذا.
Top