• Wednesday, 17 July 2024
logo

بعد سقوط كركوك.. الأزمة الحقيقية ستكون في بغداد لا أربيل

بعد سقوط كركوك.. الأزمة الحقيقية ستكون في بغداد لا أربيل
خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش تغطي على جميع الصراعات الداخلية العراقية، ومنها الخلافات بين أربيل وبغداد، والهجوم على كركوك يمثل ظهوراً أولاً للمشاكل القديمة المتجددة بين كوردستان وحكومة المركز، ولعبت فيه الميليشيات الطائفية دوراً رئيسياً، وكما أثبتت المعارك التي جرت في بردي، فإن الصراع لا يقتصر فقط على الكورد والحشد الشعبي أو السنة والحشد الشعبي، لأن أنظار الحشد تتوجه إلى بغداد أيضاً.

هجوم كركوك والصراع بين الحشد الشعبي والعبادي

بموجب القانون، فإن الحشد الشعبي على غرار جميع القوات المسلحة الأخرى في العراق تخضع لأمرة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لكن الأحداث التي سبقت هجوم كركوك تبين وجود علاقة شائكة بين الحشد والحكومة، وقال مصدر في وزارة الدفاع العراقية، لمجلة (فورين بولسي) الأمريكية، إنه "في الوقت الذي كان الحشد يقوم بتحريك القوات باتجاه كركوك، كان العبادي يدرس فرض المزيد من الضغوط على أربيل بالتعاون مع إيران وتركيا، ومنها إغلاق الأجواء والمعابر الحدودية".

ويشير التقرير إلى أن تركيا لم تكن مستعدة في الواقع لمنع نقل نفط كوردستان، الأمر الذي أقلق العبادي من جهة، ومن جهة أخرى تذرع به الحشد الشعبي للضغط على العبادي من أجل إيجاد حل سياسي وعسكري للمشكلة، أو السماح للحشد بحسم الأمر.

الحرب على داعش ومن ثم معركة كركوك منحتا الكثير من الثقة لقوات الحشد التي تريد الآن استغلال التضحيات التي قدمتها فيهما، لفرض سلطتها على بغداد، ورغم أن الحكومة العراقية تفتخر بالمكاسب التي حققها الحشد لها، لكن عليها أن ترد في السنوات المقبلة عن سؤال يتعلق بكيفية التوازن بين ما تريده الفصائل المتفرقة للحشد وحماية سيادة القانون في العراق.

أزمة طويلة الأمد في بغداد لا أربيل

سقوط كركوك وصمت المجتمع الدولي حيال الأحداث التي جرت خلال الشهر الذي أعقب الاستفتاء، دفع المراقبين إلى الاقتناع بأن مشروع دولة كوردستان تأجل لعشرات السنين، لكن الباحث في معهد بروكينغز، رنج علاء الدين، يعتقد أن "العراق يواجه في الأساس، أزمة وجود دائمة، بسبب ضعف مؤسساتها أو انهيارها، وكذلك الصراع الطائفي والتهديدات المتواصلة للمجاميع الجهادية".

سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة حيادها من الحرب في كركوك، ولم تستنكر هجمات الجيش العراقي والحشد الشعبي بالتعاون مع فيلق القدس الإيراني، والقراءة العامة لهذا الموقف هي أن واشنطن تريد إبداء دعمها للعبادي حتى إجراء انتخابات 2018، ليشارك فيها بقوة، ويصف رنج علاء الدين ذلك بـ"المنطق الخاطئ".

ويرى الباحث الكوردي أن مشاركة مسلحي الحشد في هجوم كركوك، "مؤشر على أن عدم الثقة بالقوات العراقية (الجيش والشرطة)، للسيطرة على كركوك، وهذا يشكل خطراً على المدى البعيد"، ويضيف: "النصر في كركوك يمهد الطريق لسقوط العبادي، بعد أن منح الحشد الشعبي المزيد من القوة".

ومع قرب موعد الانتخابات العراقية، سيبدأ بعد أشهر من الآن، صراع شرس على مسك زمام الأمور في الدولة العراقية والموارد السياسية والاقتصادية، ويتوقع رنج علاء الدين أن يمارس أنصار مقتدى الصدر ضغوطاً على العبادي وحكومته لتضاف إلى الضغوط التي يمارسها المالكي، حيث نظم الصدريون خلال العامين الماضيين العديد من التجمعات الشعبية مقتحمين المنطقة الخضراء.

وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين، تشكلت الحكومات العراقية على أساس التحالفات والشراكة عبر التوافق بين المكونات الإثنية والطائفية المختلفة، ويرى الباحث في معهد بروكيغنز أن غياب وحدة الصف الوطني في الدول التي تعتمد على هذا النظام تؤدي إلى حدوث نتائج سياسية مفصلية.

في هذا النظام كان للكورد موقعاً قوياً خلال الأعوام الـ15 الماضية حيث لم تشكل أي حكومة عراقية دون مشاركتهم، وكان الرئيسان الأول والثاني لجمهورية العراق من الكورد، كما تسلم الكورد حقائب وزارية مهمة مثل الخارجية والمالية، لذا فإن رنج علاء الدين يعتقد أن الحكومة العراقية لا تستطيع غلق باب مشاركة الكورد في حكومة الشراكة بعد سقوط كركوك، "لأن هذا يشكل كارثة للعراق، ولن يقبله العرب السنة والشيعة في العراق بل حتى تركيا وأمريكا ومعظم الدول العربية، خوفاً من أن يكون ذلك في مصلحة الطرف الذي تدعمه إيران، وهذا يضع شرعية الدولة العراقية على المحك".

بغداد وطهران وأنقرة توحدت ضد استفتاء كوردستان، لكن السؤال الحقيقي هو إلى أي مدى يمكن لهذه الدول الثلاث البقاء على رأي واحد؟ حيث تدعم كل من تركيا وإيران قوتين متعارضتين في العراق، كما تختلف بغداد وأنقرة فيما بينهما بشأن بقاء القوات التركية في معسكر بعشيقة، ويؤكد رنج علاء الدين أن "المعطيات الراهنة تشير إلى عدم توفر العوامل التي تجعل تركيا وإيران والعراق متحالفة على المدى البعيد".

من الذي يواجه أزمة؟

تظهر بغداد الآن بمظهر المنتصر في الصراع، لكن رنج علاء الدين يؤكد أن "الوقت لا يزال مبكراً لتحتفل بغداد بما حققته" لأنه خلال المستقبل القريب ستطفو إلى السطح جملة من التحديات الكبيرة في المنطقة والتي لم يستطع العراق مواجهتها سابقاً.

ويشير الباحث الكوردي إلى أن "الطرف الذي سيواجه المشكلات هو العراق وليست كوردستان، لأن العراق منقسم على العديد من مراكز السلطة والقوى، وسيواجه الرفض العربي السني الذي قد يفتح الباب أمام ظهور مجاميع مثل داعش، والحكومة العراقية لا تملك الثقة والمشروعية اللازمة لحل هذه المعضلات"، وعلى الرغم من الخلافات الحالية بين بغداد وأربيل وانسحاب القوات الكوردية من كركوك، فإن "الكلمة الأخيرة ستكون للكورد لا للعراق".
Top