• Wednesday, 17 July 2024
logo

حلبجة..الجرح الذي لا يندمل

حلبجة..الجرح الذي لا يندمل
بعيداً عن الرثاء والمرثيات, والبكاء والاستبكاء والوقوف على أطلال حلبجة غداة قصفها بالاسلحة الكيماوية في ثمانينيات القرن المنصرم، يبقى الحدث هو الأهم في منظومة التعاطي مع القضية الكوردية، تلك القضية التي استعصت على الحل بسبب غياب الرؤية السياسية الدولية في وضع حد لتراجيديا شعب وأمة، شعب عانى من قهر وظلم واستعباد أخوته الاعداء من العرب والترك والفرس, وأمة مازالت تبحث في غياهب التاريخ و الحاضر عن مكانتها المفقودة رغم الخيال الفانتازي.

حلبجة أصبحت أيقونة المظلمة الكوردية، تلك المدينة التي كانت على موعد غير متوقع مع همجية القوة و الغطرسة التي أفرزتها الحرب العراقية-الايرانية، تلك المدينة الوادعة تلقت الضربة من حيث لم تكن هي الجغرافيا المزمع استهدافها، بل ساق القدر اليها جميع خيوط و خطوط العقدة والحبكة لمشاكل وتقاطعات وتشابكات منطقة الشرق الاوسط، بعدما فشل العراقيون والايرانيون والامريكان والسوفييت، لإيجاد حل أو تسوية للحرب العراقية - الايرانية، تلك الحرب التي اتمت عامها الثامن دونما أن يسحق طرف من الاطراف الآخر.

حلبجة تلقت الضربة الكيمياوية، لأنها كانت الحلقة الأضعف في حلقات الصراع البيني والبنيوي للدولتين المتحاربتين والواقع الكوردي المنهار في سلسلة حملات الأنفال المشؤومة، وكذلك للفسطاطين الشرقي والغربي اللذين لم يستطيعا الخروج من النفق وعنق الزجاجة لحرب كانا هم من يديرها من خلف الستارة، بل استعملت في تلك الحرب جميع الاسلحة التي كان يسمح لها بالتعاطي مع الموقف المتأزم.

لم تكن القضية الكوردية في أوج ازدهارها عندما استهدفت حلبجة، ولم تكن الحركة الكوردية في جنوب كوردستان في أحسن حالاتها عندما قررت الطائرات قصف حلبجة بالغازات السامة، ولم يكن الحلبجيون غداة استهداف مدينتهم ممن يشكلون الخطر الداهم على الدولتين المتحاربتين، بل أن أبعاداً سياسية وعسكرية ولوجستية مهدت لقصف المدينة بتلك الاسلحة المحرمة.

أما البعد السياسي فتمثل في أن الكومبارس الكوردي كان رأس الخيط في استدراج الدولتين المتحاربتين الى حيث لم تشتهيا أن تكونا في ذلك الموقع فوقعت الكارثة، وأما البعد العسكري فتمثل في أن الاسلحة التقليدية بين العدوين اللدودين لم تسعفهما في قضاء أحدهما على الآخر فكانت حلبجة هي حقل تجارب المحرمات الدولية، وأما البعد اللوجستي فتمثل في عدم قدرة أحد الطرفين من نقل المحرمات الى موقع آخر، وذلك لعدم استحضار الكفاءة التقنية من نقل المحرمات الى هدف آخر كان استهدافه سيسبب تداعيات كارثية أخرى، كان قد يلجأ اليها أحد الطرفين من حيث لا يدري الطرف الآخر، تلك الأبعاد مجتمعةً وغيرها من تعقيدات المشهد الشرق أوسطي و العالمي ساقت الكارثة الى حلبجة الوادعة.

حلبجة تلقت الضربة وحدث ما حدث، و لكن السؤال الاستراتيجي الذي يطرح نفسه دائماً وأبداً, لماذا لم يستفد الكورد بعد مضي أكثر من ربع قرن على الكارثة من هذا الهلوكوست البشري و البيئي و القومي؟ لماذا لم يستثمر الكورد بكل حضورهم الرسمي والمجتمعي وعلى صعيد المنظمات الاهلية من كارثة حلبجة الكيمياوية، لأن المجتمع الدولي بكل مؤسساته القانونية والجنائية يسمح بعرض حيثيات تلك الجريمة النكراء على أقواسه و مكاتبه القضائية؟!

مازالت اسرائيل تبتز ألمانيا ودول الغرب جراء الهلوكوست الذي تعرض له اليهود من الحرب العالمية الثانية، ومازال الغرب يحسب لاسرائيل واليهود ألف حساب كلما لوّحت الدولة العبرية بورقة الهلوكوست ومعاداة السامية، بالمقابل أين الكورد بكل أوساطهم من "هلوكوست" حلبجة و أخذه الى المحافل الدولية لمقاضاة الجناة، وتسجيل نقاط الاستثمار والفوز لصالح القضية الكوردية، ومظلومية الشعب الكوردي من قبل أخوته الاعداء في المنطقة؟!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب
Top