• Saturday, 27 April 2024
logo

الأزمة الراهنة في تركيا بين الفساد والصراع على السلطة

الأزمة الراهنة في تركيا  بين الفساد والصراع على السلطة
ترجمة/بهاءالدين جلال



منذ تسنم حزب العدالة و التنمية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002 و حتى الآن، شهدت الأخيرة تحولات على مختلف الصعد،ومن بينها التقدم الذي يشهده الأقتصاد التركي،كما انها تمثّل قوة اقليمية مؤثرة على صعيد الشرق الأوسط و دول اسيا الوسطى، فضلاً عن انها تشكّل إحدى دول التحالف القوية لحلف الشمال الأطلسي و المرشحة لعضوية الأتحاد الأوروبي.
استطاعت تركيا على مر السنوات العشرة المنصرمة تصفية صراعاتها مع جوارها، ولكن التغييرات و التطورات التي حصلت في الدول العربية و ظهورالخلافات في الموقف التركي ازاء هذه القضايا،حالت دون استمرار تركيا في هذا المنوال كما كانت تحلم به حكومة العدالة و التنمية،لذا فإنّ هذه الحالة الى جانب أنها اصبحت عاملاً لتستخدمه الأحزاب المعارضة التركية كورقة ضغط ضد حكومة اردوغان، ولكن في الوقت ذاته احدث خلافاً بين جماعة كولن و اعضاء حزب العدالة و التنمية ، لذا فإنّ الأزمة الكبيرة التي بدأت بمظاهرات ساحة التقسيم و متنزه جيزي بمدينة اسطنبول منتصف عام 2013 تحولت في 17 ديسمبر الى خلاف بين جماعة كولن و الحكومة التركية،واذا كانت الأزمة التي نشبت منتصف حزيران الماضي في متنزه جيزي يُنظر اليها كورقة ضد حكومة العدالة و التنمية و وراءها يد خارجية و استغلتها المعارضة التركية، فإنّ الأزمة هذه المرة دخلت بيت العدالة و التنمية و الحكومة التركية،لأنّ جماعة كولن كانت خلال السنوات العشرة الماضية السند القوي لحزب العدالة و التنمية،وكان لها نفوذ قوي بين مفاصل السلطة و الحكومة التركية، مثل(مراكز الشرطة،مؤسسات القضاء،الأعمال و الشركات،كما كانت تملك نفوذاً قوياً داخل الأعلام التركي(المسموع و المقروء و المرئي)،لذا فالأزمة التركية الحالية تختلف عن تظاهرات متنزه جيزي ومن مختلف الجوانب،ويمكن الأشارة اليها في النقاط الآتية:
1- كانت تظاهرات جيزي بارك توحي و كأنها تيار علماني يقف ضد خطوات حزب العدالة و التنمية لأنه يهدف الى مسح ملامح العلمانية.
2- تظاهرات جيزي بارك كانت تُدعم على الصعيد الداخلي من قبل الأحزاب المعروفة بالأحزاب القومية التركية و تدافع عن ثقافة علمانية أتاتورك، حيث كانت تلك الأحزاب في السابق تزرع اليأس في نفوس الأتراك و كان هذا سبباً في عدم امكانية كسب الدعم الجماهيري الواسع.
3- كان العامل الخارجي في تظاهرات جيزي بارك يظهر اكثر صراحة و ووضوحاً، وخاصة بعد أن ادى العلويّون الأتراك دورهم في تلك التظاهرات بنسبة كبيرة،كعداء للسياسة الحكومية التركية ازاء نظام الأسد.
و لو قارنّا الأزمة التي تواجه الحكومة التركية في الوقت الحاضرعلى ضوء هذه النقاط، لوجدنا انّ هناك اختلافاً كبيراً نشير اليها في هذه النقاط:
1- في اول رد فعل للحكومة التركية حول هذه الأزمة وصفتها بأزمة (دولة داخل دولة)، وهذا يعني أنّ الأزمة هذه المرة عمّت كل مفاصل المؤسسات داخل الحكومة التركية.
2- المؤسسات الأعلامية التركية منحت الأزمة زخماً كبيراً و مساحة واسعة واصفة اياها انها ازمة مستعصية تواجه مؤسسات الحكومة التركية التي كانت في السابق تدعم كبيراً سياسة حزب العدالة و التنمية ولكن الآن تملك جماعة كولن النفوذ الأكبر داخل المؤسسات الأعلامية ما ادى الى احداث التأثير على الرأي العام التركي.
3- و بسبب ما تملك جماعة كولن من نفوذ كبير داخل السلطة القضائية،فإنّها اثّرتْ على نظرة الحكومة الى السلطة القضائية و ان هذه النظرة الشكوكية جعلتْ الأتحاد الأوروبي ينتقد السياسة الحكومية ازاء الفاسدين.وحول هذه النقطة سألنا الكاتب التركي المعروف جنكيز جاندار حول تعامل الحكومة التركية مع ملف الفساد بهذا الشكل، حيث أجاب ل (كولان) قائلاً:
( لهذه المسألة جانبان،الأول هو معركة السلطة بين اردوغان و جماعة كولن،لذا فإن اردوغان عندما يفكّرفي انه لو يتم التعامل مع هذا الملف على هذا الشكل فإنه يدخل في مصلحة كولنيين و بالتالي ينخدع،الثاني هو أنّ اردوغان يخشى من أنْ تتحول هذه القضية الى قضية سياسية ضد حكومته و تستخدم لأقرب شخصياته،وهذا هو خطر كبير،و اكثر من ذلك فإنّ اردوغان على قناعة بانّ كولنيين لا يشكّلون نسبة معينة حتى تستطيع احداث التغيير السياسي ،لذا فإنّه يريد أنْ يُثبت أنّه بأمكانه تحقيق النجاح من دون مساندة كولنيين،وهل أنّه فعلاً يستطيع اثبات ذلك؟ وانتخابات اذار القادم سوف تجيب عن هذا السؤال.
احدى السمات الجميلة للمجتمع الديمقراطي هي تحوّل المجتمع الى مجتمع مفتوح لايمكن التستر على ما يحدث فيه، و الأهم من ذلك كلّه هو أنّه لايوجد في المجتمع المفتوح ما هو اعلى من حرية الأنسان،لذا فإن خطوات الحكومة أو الدولة وفق مبادىء القانون الدستوري ماهي الاّ مؤسسات التي تسيطر على السلطة من اجل المحافظة على الأستقرار و الهدوء،وفي هذه الحالة فإنّ كل هذه الجهود تتتعرض الى انتقادات التي تقيّد حرية الأفراد،من جهة اخرى فإنّ تركيبة الثقافة السياسية في البلد تشكّل تأثيراً كبيراً على مستوى الأنفتاح و اغلاق المجتمعات الديمقراطية،ومن هذا المنطق اذا تم الأعتماد على المجتمع الديمقراطي كمعيار لتقييم الأنظمة الديمقراطية ، فإنّ الثقافة السياسية للمجتمع تحدث خلافات في التدرج بين المجتمعات الديمقراطية،و يعود سبب ذلك الى الثقافة السياسية للأحزاب السياسية التي بني عليها المجتمع حول كيفية نشوء و تعامل الأحزاب السياسية ،كما اشار اليه فرانسيس فوكوياما في كتابه اصول النظام السياسي The Origen of Politic Order كما أنّ لتقاليد المجتمع تأثير كبير على انماط انشاء المؤسسات السياسية ،هذه التقاليد تحدد اساليب الألتزام بالمؤسسات و هذا يعني انها تتحول الى مسألة فكرية و ليست الى سلوك يتعلمه المواطنون،هذه المسألة تطبق على جميع المؤسسات الى حد كبير،حتى على الأحزاب السياسية وهي احدى المؤسسات السياسية داخل المجتمع الديمقراطي،و الأكثر من ذلك انعكاس التقليد الحزبي في مجتمعات العالم الثالث أو في الدول النامية،لأنّه أحد تقاليد تأسيس الأحزاب على نمط هيكلة الأحزاب الشيوعية،و كما اشار اليه ايفان دوهيرتي مدير برامج الأحزاب السياسية في معهد (NDI) الأمريكي بأنّ هذا التقليد اصبح سبباً فى وجود الحزب الديمقراطي القوي في الدول النامية بصورة نادرة،لأن الأحزاب السياسية في الدول النامية إمّا ان تكون قوية و لكن غير ديمقراطية و إمّا ديمقراطية و لكنها غير قوية،ولو ربطنا بين ما عرضه ايفان دوهرتي و بين آراء فوكوياما لتوصّلنا الى خلاصة أنّ ما يحدد اساليب الأحزاب السياسية و تعاملها في البيئة الديمقراطية هو التقاليد السياسية للمجتمع و ليس تعلّم النظم الديمقراطية، وهذا ما جعل انظمة اللعبة الديمقراطية بحاجة الى وقت طويل،الأشارة الى قراءة اساليب الأحزاب السياسية التركية و كيفية تعاملها مع اللعبة الديمقراطية تعيد بنا الى الألتقاليد السياسية للمجتمع التركي التي تحدد اساليب الأحزاب السياسية التركية ،و تتضمن اسلوبين: الأول تقاليد سياسة الخلافة العثمانية التي غرست جذورها في المجتمع التركي، و الثاني هو التقليد السياسي العلماني للأتاتورك،و الذي يسود المجتمع التركي منذ اكثر من تسعين عاماً،واذا نظرنا الى المعادلة السياسية التركية لوجدنا انّ الأحزاب السياسية تأسست على خلفيتي التقاليد السياسية للمجتمع التركي،و يحاول كلا الأسلوبين للأحزاب في الوقت الراهن جعل تقاليدها السياسية تقاليد سياسية الرئيسة للمجتمع التركي في اطار انظمة اللعبة الديمقراطية،وهذه اشارة الى ان المعركة الأنتخابية في الوقت الراهن هي معركة صراع بين تلك التقاليد،لذا عندما تحدث مثل هذه الأزمة فأنها تتحول الى وسائل للمعركة بين النوعين من التقاليد المختلفة، الطرف الأول وهو حزب العدالة و التنمية التي تسعى الى تجاوز الأزمة بنجاح من اجل الفوز في الأنتخابات المقبلة،و الطرف الثاني وهو يمثل حزبي الشعب الجمهوري و القومي التركي واللذين يريدان تعميق الأزمة اكثر من اجل ابعاد العدالة و التنمية عن السلطة،لذا فإنهما مستعدان للتحالف مع كل الأطراف من اجل الوصول الى هذا الهدف،و الآن فإنّ جماعة كولن الذي يشيراليها جنكيز جاندار هي ليست اصوات كثيرة التي بأمكانها احداث تغيير سياسي،اذا كان تحالفهما مع الأحزاب المعارضة يصبح مصدر قلق ويؤدي الى مخاوف على مستقبل العدالة و التنمية،و حول هذا الأحتمال توجهنا بسؤال الى البروفيسورة لينور مارتين استاذة العلوم السياسية و المحللة الكبيرة في جامعة هارفارد، وهو :الى اي مدى سوف تؤدي هذه الأوضاع الى ايجاد تقارب بين جماعة كولن و الأحزاب المعارضة؟حيث ردت على سؤال كولان بقولها:علينا وضع الحقيقة أمام اعيننا بأنّ اردوغان يشغل السلطة منذ اكثر من عشرة أعوام،و انه ليس من الغريب ان تواجه الحكومة التي تحكم كل تلك الفترة مشكلات تتعلق بالفساد،في الحقيقة كان هذا احد الأسباب الرئيسة لخسارة الأحزاب الحليفة للسلطة في الأنتخابات،وذلك قبل تسنم حزب العدالة و التنمية السلطة في البلاد،و بالتأكيد فالواضح أنّ انصار فتح الله كولن و حزب العدالة و التنمية هما في صراع مرير في الوقت الحاضر من اجل الأستيلاء على السلطة، كما انّه من الطبيعي ان تنتقد الأحزاب المعارضة ما يسود اجهزة الدولة من الفساد المستشري و تعمل من اجل اضعاف الحكومة،و لا اعتقد أنّ يتحقق التعاون ذاته بين حركة الخدمات و الحزب المعارض مثلما حدث بين حزب العدالة و بين حركة الخدمات، لأن هناك بعض الأختلافات الأيديولوجية الحقيقية بين الحركة و بين على سبيل المثال الحزب المعارض الرئيس( الشعب الجمهوري)،و لكن ليس من المعلوم انّ حزبي المعارضة الرئيسة، الشعب الجمهوري و القومي التركي هما في موقع قوي للأستفادة من ملف الفساد خلال الأنتخابات المقبلة،ان الشعب التركي متحفظ و لا يشعر بأرتياح في دعمه لحزب الشعب الجمهوري المعارض أو الى الحزب القومي التركي المتشدد،قد يصاب حزب العدالة و التنمية بضعف متوقع عندما يفوز عدد اكبر من مرشحي المعارضة في الأنتخابات المحلية،ما يدفع بالمقترع التركي الى التصويت لصالح انشاء حكومة تحالف بعد اجراء الأنتخابات البرلمانية.
ما يشير اليه كل من جنكيز جاندارو و البروفيسورة لينور مارتين هو ان التحالف بين جماعة كولن و حزبي الجمهوري التركي و القومي التركي احتمال بعيد المنال،وهذا يعني أنّ مهمة اردوغان و حزب العدالة و التنمية سوف تكون صعبة،ولكن تلك الصعوبة ليست لمصلحة الأحزاب المعارضة و هناك احتمال في مشاركة جماعة كولن و مرشحين مستقلين،وأنْ لاتذهب الأصوات لصالح المعارضة،صحيح قد يحصل انخفاض في عدد اصوات حزب العدالة و التنمية ولكن يكاد التقليد السياسي الذي يحل محل تقليد العلماني للأتاتورك يصبح أقوى.



الكاتب التركي المعروف جنكيز جاندار:
اردوغان على قناعة بانّ كولنيين لا يشكّلون نسبة معينة حتى تستطيع احداث التغيير السياسي

البروفيسورة لينور مارتين من جامعة هارفارد: انصار فتح الله كولن و حزب العدالة و التنمية هما في صراع مرير في الوقت الحاضر من اجل الأستيلاء على السلطة
Top