• Tuesday, 16 April 2024
logo

الدولة وحدها معنية بتنظيم العلاقة بين التأريخ والامة، الحل الجذري للاشكالية القومية هو تأسيس الدولة

الدولة وحدها معنية بتنظيم العلاقة بين التأريخ والامة، الحل الجذري للاشكالية القومية هو تأسيس الدولة
حينما نتحدث عن العلاقة بين الامة والتأريخ , نشعر ان هذه العلاقة تعود مباشرة الى مفهوم ؛كيف ان للفرد وجود في المجتمع , ولاثبات هذا الوجود لابد من وجود دولة لتأكيد وجود هذا الفرد , وعلى هذا المنوال فان كل الشعوب لها وجود حتى وان لم يكن لها دولة , ولكن , اثبات هذا الوجود من الناحية التأريخية يقتضي تأسيس دولة قومية .
والسؤال هو ؛ الم تصبح العديد من امم العالم على هامش التأريخ من خلال الفكر الغربي القومي المتشدد والفكر القومي العربي الشوفيني؟الم يصبحوا ضحايا لنفوذ وسيطرة امم اخرى ؟والجواب على هذا السؤال يكشف لنا ان كلا الفكرين قد شوها وجه الدولة القومية في منطقتين من اكثر مناطق العالم حساسية الى درجة اننا نتذكر الوجه القبيح للفكر القومي الغربي والفكر القومي العربي الشوفيني , كلما دار الحديث عن الدولة القومية.
حول اشكالية العلاقة بين القومية والدولة القومية وفي حديث خاص بمجلة كولان , يقول البروفيسور ( لارس ايرك سيدرمان ) الباحث في معهد الازمات الدولية بسويسرا :
(من الناحية التأريخية فان القومية هي التي اوجدت العلاقة بين الدولة والامة لأن القومية توزعت كل ارجاء العالم وكلما ضعفت العلاقة بينهما فاننا سنجابه العديد من الاشكالات . في كل الاحوال ولأن بعض اسباب اندلاع الحروب يقع على عاتق القومية فان مفهوم القومية اكتسب سمعة سيئة .
والاتحاد الاوربي يسعى للسيطرة على هذه الاشكالية من خلال ايجاد ( مظلة ) تغطي الدولة وتضطلع بجوانب من مهام الدولة).
اذن فان ما يرمي اليه البروفيسور سيدرمان وما يسعى اليه الاتحاد الاوربي حاليا يهدف الى معالجة الاثار التي تسببت في تشويه صورة القومية وجمع الامم مرة ثانية داخل اطار دستور الاتحاد الاوربي .
وحينما نقترح تأسيس الدولة كحل للمشاكل القومية فهذا يعني انعدام الديمقراطية في المنطقة المعنية فضلا عن عدم وجود دستور ديمقراطي يعالج مشاكل الامم ويمهد الطريق للعيش معا برضاهم وبملء ارادتهم .
عن هكذا حلول يؤكد البروفيسور سيدرمان ويقول في معرض حديثه لكولان :
( لابد من حسم الاشكالات الاثنية ضمن اطار الدولة كما هو الحال في الدستور السويسري . بامكان الفدرالية وتقاسم السلطة ان يؤديا الى استقرار اكثر للاوضاع ومع ذلك فان الحالات التي يسيطر عليها العنف ولا سبيل لمعالجتها , كما هو الحال بين اسرائيل والفلسطينيين , فلربما كان التقسيم هو الحل الوحيد .
اذن فان الاسباب التي تجد في تشكيل الدولة سببا رئيسيا لانهاء مشاكل الامم ,هو طبيعة المشكلة وكيفية تعامل الدولة معها و سبل معالجتها.
على سبيل المثال , هناك دستور عراقي وضع خارطة طريق لمعالجة مشاكل العراق بشكل عام ويعالج مشاكل الاقليم مع الحكومة الفدرالية في بغداد ولكن المشكلة في الحالة العراقية تكمن في ان حكومة بغداد تريد ان تبقى حكومة مركزية ولا تقبل ان تستبدل بحكومة فدرالية , فضلا عن ان الحكومة العراقية ذاتها تتقاعس في تنفيذ الدستور ولا تستطيع معالجة المشاكل بين بغداد والاقليم وفقا للدستور .
واذا قارننا هذه الحالة مع حالة الاتحاد الاوربي وافترضنا ان الاتحاد الاوربي لا يريد تطبيق دستوره الخاص , اواذا كانت احدى الدول الكبيرة في الاتحاد الاوربي مثل فرنسا والمانيا او بريطانيا , تطمح في اتحاد دول اوربا على امل ان تتسيد الاتحاد الاوربي وان تكون الدول الصغيرة مثل لتوانيا واستونيا ولاتفيا وغيرها , امم من الدرجة الثانية او ان تكون عضويتها داخل الاتحاد الاوربي مختلفة , اذا حصل شيئ من هذا القبيل داخل الاتحاد الاوربي فان الاتحاد سيفقد معناه وستضطر الامم المنضوية فيه الى التفتت , لهذا فان ما يدفع الاتحاد الاوربي الى الجمع بين امم اوربا هو القناعة التي انتجت دستور الاتحاد الاوربي , والسؤال هنا هو ؛ هل هناك وجود لهكذا قناعة في دولة كالعراق لتطبيق الدستور على غرار الاتحاد الاوربي؟ والجواب هو كلا , لا بل على العكس فان المساعي كلها تبذل من اجل عدم تطبيق الدستور !
حول حصول هكذا قناعة يواصل البروفيسور سيدرمان حديثه لكولان ويقول :
( سبب وصول اوربا الى مثل هذه القناعة هو ان المواطنين تعبوا وملوا من كل تلك الحروب التي خاضوا غمارها , بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها , اقترح عدد من السياسيين الاذكياء ومن بعيدي النظر تشكيل منظمة اصبحت فيما بعد الخطوة الاولى لتاسيس الاتحاد الاوربي , وكان لهذه المنظمات الكثير من الجوانب الايجابية دون شك منها و تراكم الثروات من خلال ازالة العواعق التجارية , ولكن ورغم هذا لا بد من الاعتراف بحقيقة ان نجاح الاتحاد الاوربي ـ الى حد ما ـ اشبه بالمعجزة على الرغم من ان بعض الاشخاص كان قد تنبأ بما حصل .
ففي نهاية القرن الثامن عشر , تنبا الفيلسوف الشهير ايمانوئيل كانت بان مشروع الاندماج الذي يضم دولا ديمقراطية سيكون سببا في انتشار سلام طويل الامد .
لقد حلل (كانت)هذه المسالة وكشف عن ان الحرب ستفضي الى السلام في نهاية المطاف ، لأن السلطة في المجتمعات الديمقراطية هي استجابة لمطالب الناس , اولئك الذين ذاقوا الامرين خلال فترة الحروب , ما يدفعهم للضغط على قادتهم من اجل صنع السلام . وهذا المشروع ليس بالهين دون شك وربما ينتهي الى نتيجة عكسية , ولكن من المحتمل ايضا ان تصبح النتائج العكسية , في نهاية المطاف ، سببا في تسريع تيارالمشروع ).
وفيما اذا كان تأسيس دولة للكورد سيكون عاملا من عوامل معالجة المشكلات التي يعاني منها الكورد , قال سيدرمان لكولان :
( القضية الكوردية قضية عويصة ومسألة تأسيس دولة كوردية مهمة صعبة لأن الدول الموجودة حاليا عليها التخلي عن جزء من اراضيها ولهذا السبب فان هذه الدول تعارض هذا المشروع ولكن , من الممكن ان تتغير الاوضاع كأن يحصل تغيًر في تفكير احدى هذه الدول اواذاما تعرضت هذه الدول الى الانهيار .
ولكن وفي كل الاحوال ,التوقعات والتحولات المستقبلية لا توحي بذلك .
وسب اخر ربما , هو اندلاع حرب اقليمية اكبر ، وهذا ايضا احتمال ضئيل ولكنه ليس مستحيلا ولا سيما اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار التوتر الشديد بين ايران والغرب .
وعلى افتراض ان العراق سينتهي الى التقسيم وسيتحول – كأمر واقع – الى عدة دول , كيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه الدول ؟الجواب يتوقف على كيفية نشوء هذه الدول , فاذا ما تأسست بشكل انفرادي وفي ظروف يشوبها العنف ، فان احتمالات الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي سيكون اكثر وهناَ .
على سبيل المثال فان قبول تركيا بهذه النتيجة سيكون اقرب الى المستحيل ,لأن تركيا دولة ذات اهمية كبرى ولديها علاقات حساسة مع اوربا والغرب وباستطاعتها ان تعترض طريق أي اعتراف مسبق بدولة تنشأ نتيجة التقسيم واقرب فرصة للوصول الى هذه النتيجة هو اعتماد اسلوب الحوار الذي يضمن الامن لدول الجوار , وبديل التقسيم ، عن طريق الحوار و هو حكم ذاتي قوي مدعوم من قبل المجتمع الدولي من خلال ضمان حقوق الاقليات ).


الدولة ومعالجة القضايا القومية

انتهاك الشخصية والهوية القومية هما المحرك الرئيس لكل المشاكل التي تحصل في العالم وكثير من الفرضيات والحلول المعتمدة نظريا لمعالجة القضايا القومية والاثنية , حينما تنفذ على ارض الواقع , فانها تؤدي الى كوارث كبرى كما حصل في جزء من اوربا في تسعينيات القرن الماضي حيث عمليات التطهير العرقي التي ادت في نهاية المطاف الى نشوء العديد من الدول القومية الجديدة, اخرها دولة كوسوفو . وليس مستبعدا ان نرى في الاعوام القادمة , كوسوفو وصربيا جنبا الى جنب كعضوين في الاتحاد الاوربي او ان نشهد نشوء علاقات تجارية واقتصادية او ثقافية بين برشتينا وبلغراد . ولكن ليس هناك وجه للمقارنة بين التعايش المشترك بين صربيا وكوسوفو الحالية ,مع كوسوفو حينما كانت جزءً من صريبا , والسب هو ان مع نشوء دولة كوسوفو ,انتهى وجود الوجه القبيح للقومية الصربية التي جسدها سلوبودان ميلوسوفيج .
لقد دفع الشعب الصربي ضريبة الجانب القبيح من قومية ميلوسوفيج وتحرر منها, حالهم حال الالمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية , حينما استنفروا كل طاقاتهم للتخلص من الوجه القبيح للنازية والسعي للانتماء مرة اخرى الى عضوية المجتمع الاوريبي , لا يمكن ان نتصور ان التعاون والعلاقة الموجوة حاليا , هما نتاج عدوان مفصلي سعت من ورائه المانيا بكل طاقتها من اجل تدمير باريس في اربعينيات القرن الماضي.
من هنا , وحينما نتحدث عن انشاء دولة كوردستان ، يتوجب على عرب العراق والدول العر بية ان يدركوا حقيقة ان الكوردستانيين يسعون مرة اخرى للتعاون مع عرب العراق والدول العربية من اجل انقاذهم من الوجه القبيح للقومية العربية .
بعد مسح الوجه القبيح والشوفيني للقومية العربية الذي جسده صدام حسين من خلال سياسة التمييز العنصري وحملات التعريب واستقطاع مجموعة من المناطق الستراتيجية من كوردستان , حان الوقت الان لازالة الوجه القبيح للقومية العربية والذي كان سببه سياسة البعث .
كيف يمكن ازالة هذا الوجه القبيح ؟
دون شك , يتوجب على عرب العراق والدول العربية والاسلامية من خلال الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي , الاقرار بهذا الحق للشعب الكوردي وبحقه في انشاء دولته المستقلة وان يدركوا حقيقة ان تأسيس هذه الدولة هو الحل الجذري لهذه القضية , عليهم ان يستفيدوا من دروس التأريخ وان يعوا حقيقة ان القومية والفكر القومي حينما يصل بها العنصرية الى درجة تشويه الصورة , لا بد حينها من منح حق تقرير المصير للامم التي تعيش معها من اجل تجميل الصورة .
حول هذا الجانب التاريخي يقول البروفيسور ( مالاكي هايم هاكو هين ) استاذ التأريخ في جامعة دورهام , في لقاء خاص بكولان وبهذا التقرير تحديدا :
( كوني مؤرخا فانا اعتقد ان اية محاولة لتعريف الدولة والامة , مرهونة بالتاريخ . بمعنى اخر ان هذه المسألة مرتبطة بمرحلة تاريخية خاصة ونادرة الى درجة انني لا يمكنني ان ( اخمنها ) بسهولة .
هكذا كانت الحال وستبقى هكذا ايضا . الامم لها وجود طبعا ويجب ان يكون لها دول ومنها تنشأ الدول القومية و كما اسلفتم واشرتم الى دول اوربا في القرن التاسع عشر والعشرين . القاسم المشترك بين المؤرخين هو ان الدولة القومية هي الحل الامثل لمعالجة القضايا الاممية , ولابد هنا من الاشارة الى انني لا اقترح ان يكون جواب هذا السؤال بـ ( نعم ) او (لا) او ان الدولة القومية هي الحل او على العكس , الا انني اميل الى اقتراح انه ليس الحل الوحيد ولم يكن كذلك من الناحية التاريخية ولكنني اميل الى الاعتقاد ان في بعض الحالات قد حصل انفصال للمجاميع الاثنية واصبح حلا للمشاكل كما اسلفتم وقلتم ان المجاميع الاثنية عادة ما تطالب بالانفصال والاستقلال , وهذا محتمل الحدوث ولكنه سيكلف غاليا . والحديث عن هكذا نوع من الدول الاثنية يذكرنا ببعض النظم الامبريالية ( الامبراطوريات ) التي كانت عبارة عن مجتمعات متعددة الاثنيات والثقافات وهذه هي النقطة التي يسعى المؤرخون الى دفع الناس نحوها وادراكها .
واذا استشهدنا في هذا الاطار بنموذج الاتحاد الاوربي الذي يسعى للجمع بين الدول مرة ثانية فسنجد ان السبب هو ان هذه الدول تعاني حتى يومنا هذا من مضاعفات الانفصال وانشاء الدول القومية , ولهذا فان دول اوربا بحاجة الى اتحاد قوي مثل الاتحاد الاوربي من اجل العمل تحت مظلتها وهي في ذات الوقت و محاولة لفتح صفحة جديدة وتجاوزاً لماضي اوربا وتاريخها الصعب .
لقد اثبت التاريخ ان الدول الاثنية والقومية , بعد حصولها على الاستقلال , عليها ان تراجع نفسها وان تبحث عن قوة او دولة كبرى من اجل الاحتماء بها و واذا نظرنا الى اوربا بعد الحرب العالمية الثانية فسنجد ان المنطقة والدول الاوربية , توزعت على قوميتين كبيرتين .
وعلى الرغم من الاستقرار العالمي الذي حصل بسب التجارة والعوامل الاقتصادية الاخرى , الا ان التعاون الثقافي كان له الاثر الكبير في حدوث هذه التحولات ولهذ فان القوى السياسية و التجمعات الاقتصادية عمدت الى الاتحاد مع بعض ولا بد من الاشارة هنا الى ان الدول الاوربية تشعر اليوم بالخزي بسبب الاحداث التي حصلت خلال الحرب العالمية الثانية والاحداث التي تلتها , ولهذا فانها وجدت من الافضل لها ان تنسق مع بعض وان تخلق اجواء للتعاون المشترك وتؤسس لاتحاد وطني كبير وقوي يحمي كل الاطراف .


الدولة كعامل لتحقيق السيادة السياسية للامة
كما اسلفنا في مقدمة هذا المقال و اذا كانت الدولة عامل اثبات لوجود الفرد في المجتمع فان الدولة هي عامل اثبات للامة داخل المجتمع الدولي ز
والامة التي ليس لديها دولة , لا يمكنها ان تضطلع بدور العضوية الكاملة داخل المجتمع الدولي , والمجتمع الدولي بدوره لا يمكن ان ينظر اليها كعضو فعال , واذا نظرنا الى خلفية كل الحركات والمنظمات التحررية في العالم لوجدنا ان هدفها الرئيس هو انشاء دولة للامة التي تنتمي اليها تلك الحركة ولكن .. اذا ما اقتنعت حركة ما او اتفقت على البقاء مع دولة معينة فان هذا لايعني ان تلك الحركة قد تخلت عن اهدافها التي ناضلت من اجلها بل معناه , ان الظروف السياسية الدولية ليست مؤاتية للحركة للوصول الى تحقيق هدفها الاخير وهو تأسيس الدولة القومية , او ان موازين القوى بين الدولة المعنية وتلك الحركة , ليست لصالح الحركة السياسية وان حساباتها لم تكن دقيقة لتجيد اللعب ضمن المعادلة السياسية .
عن طموحات الحركات القومية وفي لقاء خاص بمجلة كولان ,تقول البروفيسورة ( ربيكا كوك ) استاذة العلوم السياسية في جامعة تورنتو والمتخصصة في معالجة القضايا الاثنية :
( اهم مطلب من مطالب الحركات القومية هو الحصول على السيادة السياسية بمعنى انشاء دولة قومية تتمتع بالسيادة .
ولأن الفكرة الاساسية للقومية متاتية من امكانية ان يعيش افراد تلك القومية معا وان يستطيعوا ان يحكموا انفسهم بانفسهم ضمن اطار سياسي سو لهذا واستنادا الى ايديولوجية القوميين ، فان وجود الدولة المتمتعة بالسيادة هو بعد اساسي لتكوين الامة .
هذا هو اصل الموضوع بشكل عام . وعلى الرغم من وجود صراع ما يعني وجود مجموعتين ضمن سياق واحد , يشعر احدهما بأن تميزا من نوع معين يمارس ضده ولا يعامل بمساواة , أي ان الدولة التي تعيش فيها المجموعة , لا تضمن لها المتطلبات التي توفرها للمجاميع الاخرى , لذا فان احد الحلول المفضلة في حالة المجموعة الاثنية المعنية والتي تشعر بأنها تعامل بشكل سئ, هو السعي للحصول على السيادة, ورغم ذلك فان هذا الحل هو ليس الحل الوحيد . اذ يمكن للمجموعة الاثنية التي تشعر باللاعدالة في التعامل معها و ان تطالب بنوع من انواع الحكم الذاتي و بمعنى ان المطالبة بالدولة المستقلة من قبل المجاميع تأتي بعد استنفاذ وفشل الحلول الاخرى, وبهذا قد تكون الخطوة هي المطالبة بالتعامل مع المجموعة بمساواة , وهذا لا يعني بالضرورة انشاء دولة مستقلة او انفصال ).
ما افضت به السيدة ربيكا لمجلة كولان , اخذ بنظر الاعتبار الظروف التي تمارس فيها الحركة القومية نشاطاتها ، , أي ان الحركة السياسية حينما تغيًر مطاليبها من تأسيس دولة الى الحكم الذاتي او الفدرالية و فهذا لا يعني ان الحركة قد تخلت عن حقها في انشاء الدولة .

وضمن هذا الاطار وحول تأسيس الاتحاد الافريقي كمحاكاة للاتحاد الاوربي , اجابت السيدة ربيكا على هذا النحو :
( ان سياق نشوء الاتحاد الاوربي يختلف عن سياق تاسيس الاتحاد االافريقي , فعلى سبيل المثال ,العلاقة بين دول الاتحاد الاوربي هي اكثر متانة واستقرارا , كما ان دول الاتحاد الاوربي كانت على اعتقاد ان موقعهم الاقتصادي سيكون في وضع افضل في حال انضمامهم الى هذا الاتحاد , وبتصوري ان الفدرالية او تجمع الدول ضمن اطار مشترك سيكون افضل في حال الدول التي لا توجد فيها تعقيدات او مشاكل , لذا يجب ان تكون الاوضاع بين هذا الدول مستقرة وطبيعية لكي تجتمع ضمن اطار سياسي واحد , لاحقاَ ).
غير اننا ذكّرنا البروفيسورة ربيكا بحقيقة ان حروبا كبرى وضارية قد حصلت بين الدول الاوربية وبشكل خاص بين المانيا وفرنسا ورغم ذلك فانهما ينضويان معا في اطار الاتحاد الاوربي ؟
حول هذا الموضوع قالت السيدة ربيكا :
( ما تقولونه صحيح , لأن بعض الحروب التي جرت بين بعض دول اوربا استمرت 60 عاما , لذا فان مشروع الاتحاد سيستغرق وقتا طويلا وسيحتاج في البداية الى علاقات سلمية طويلة الامد والا , ما كان بالامكان التنبؤ بان المانيا وفرنسا سينضمان الى الاتحاد ، بعد الحرب العالمية الثانية ).


الدولة القومية وعصر العولمة
ان تحول العالم الى قرية صغيرة لا يعني ان حاجة الامم الى انشاء الدولة القومية قد انتفى , فاذا اعتبرنا ان
التقدم التكنلوجي قد حوّل العالم الى قرية صغيرة فاننا يمكن اعتبار دول العالم بمثابة البيوت التي تتكون منها تلك القرية وكل بيت بحاجة الى استقلالية وسيادة خاصة , ضمن هذا المفهوم سألنا البروفيسور ( جارلس انغراو ) استاذ التاريخ في جامعة براون فاجاب :
( نحن نعيش الان في عصر العولمة وكل المشاكل البسيطة تتحول الى مشاكل دولية ولكن فيما يتعلق بمعالجة المشاكل الاثنية و كل العالم يرى ان نشوء دولة مستقلة للمجاميع الاثنية هو افضل حل لمعالجة المشكلة .
وسؤالنا كان بصيغة : لماذا لا نجد حلا اخر للمشاكل الاثنية سوى حل الاستقالال ؟ ولم لا نرى طرق اخرى لمعالجة القضايا الاثنية ؟
في معرض رده قال البروفيسور انغراو لكولان :
( هناك حلول اخرى ولكن عملية تنفيذها صعب,والمشكلة في كوردستان هي ان مواطني كوردستان يعتبرون انفسهم كوردا وليسوا عراقيين , ان هويتهم كوردية اكثر منها عراقية , واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار بان
كل قومية تعمد الى الانفصال وتسعى لتصبح صاحبة دولة مستقلة ومنفصلة فسنجابه مشكلتين , الاولى:

خارطة العالم ستنقسم الى العديد من الدول الصغيرة التي ستكون ضعيفة من الناحية الاقتصادية ولا يمكنها تحقيق الرفاه والتقدم الاقتصادي وتقديم الخدمات الاجتماعية في بلدانها , اما النقطة الثانية فهي:
ان الامبراطوريات ومنها على سبيل المثال امبراطورية ( هامسبورغ ) في قلب اوربا والامبراطورية الروسية في اسيا ,ضمت العديد من الدول المتعددة الاعراق والاثنيات المختلفة , ولكن حينما استيقظ الحس القومي في اجزاء من شرق اوربا والشرق الاوسط , حينها فقط شعرت الامبراطوريات ان مجتمعاتها تتكون من العديد من الاعراق والمجاميع المختلفة وبجذور واصول متباينة , ولكن الاحساس بالانتماء الى الدولة لم يكن موجودا لديهم و ولهذه فانا اعتقد انه من الصعب جدا ان نفكر كيف سيقتنع الكورد ولا سيما في هذه المرحلة تحديدا , حيث لم يكونوا اصحاب دولة قومية خاصة بهم , باتباع هذه الطريق البعيدة وانشاء دولة متعددة الاثنيات ضمن اطار العراق .
وعن الشروط والاسس المفروض اتباعها من قبل افراد الامم الذين ليس لديهم دولة ، لايجاد الارضية المناسبة لتأسيس الدولة , قال البروفيسور انغراو :
( لكي يكون للدولة وجود لابد من اجماع وطني كي تشعر مجموعة الناس بانهم امة وباستطاعتهم التعبير عن حسهم الوطني , وهذا يصبح عاملا مساعدا كي تنظر الدولة الى مواطنيها بعين واحدة , كما هو الحال عند التصويت , وان يشعر المواطنون ايضا بانهم امة وان جميعهم متساوون , ولكن اذا ما شعرت مجموعة من الناس انهم ليسوا جزء من الامة , حينها من الصعب الحصول على اجماع وطني حول القضايا والمشاكل وحينها ايضا سيتفتت المجتمع وينقسم بكل سهولة ).
وللتصدي لهذه الحالة ومحاولة ليجاد مصالح مشتركة للدولة ضمن المحافل الاقليمية والدولية قال البروفيسور جارس :
( تعتمد هذه المسألة على الكثير من الستراتيجيات المختلفة لغرض ايجاد العلاقات , لأن بعض المجاميع و حينما تجتاز بعضا من هذه المراحل , فانها تطالب – وقبل كل شئ – بأن يكون لها دولة مستقلة .
كل الامم تسعى الى انشاء دولتها الخاصة بها ولكن وبعد فترة من تأسيس الدولة ، تشعر بانها بحاجة الى ايجاد علاقة مع الدول الكبرى من اجل فرض استمرارية نفوذها على دولتها ,وهذا يأتي بعد شوقهم العارم الى الاستقلا ل.
اذا ما حصلت كوردستان على الاستقلال فانا اعتقد ان ذلك سيقلق المجتمع الدولي لأن اسقلالها سيؤثر على استقرار العراق وسيسبب المشاكل لتركيا وايران .
المجتمع الدولي يهدف الى ترسيخ الامن والاستقرار في العالم ولهذا فانه قد – جمّد – مسألة استقلال كوردستان , على الاقل في هذه المرحلة .
اعتقد ان الهدف من وراء رؤية المجتمع الدولي هذه , هو ان يحصل الكورد على الحكم الذاتي الفعال وان ينعموا بالامن والاستقرار وان يشعروا في ذات الوقت انهم جزء من دولة اكبر فيها العديد من الاثنيات .
هناك العديد من الامثلة عل دول متعددة الاثنيات منحت الحكم الذاتي لقومياتها المختلفة بحيث يشعر فيها الجميع بالامن والاستقرار وافضل نموذج ناجح هو ما نراه في ( طروو ) التي تضم اكثرية المانية وتعيش داخل الاراضي الايطالية, فالالمان يعتبرون انفسهم اكثرية على صعيد ( طروو) ولكنهم يعتبرون اقلية على صعيد ايطاليا , ولهذا فان حكما ذاتيا قد منح للامان داخل اطار ( طروو ) بشكل يشعر فيه الالمان بالسعادة داخل الاراضي الايطالية لأنهم يحصلون على الكثير من الحقوق والامتيازات , لذا اعتقد ان المجتمع الدولي يرمي الى حصول الكورد على سيطرة كاملة على كل كوردستان من خلال نوع من الاستقلال ولكن ضمن بقائهم في اطار العراق وهذا سيكون سببا للاستقرار ولاستتباب الامن في المنتطقة .
في اعتقادي ان الكورد بعد فترة من تمتعهم بالحكم الذاتي حينها سيصدّقون انهم جزء من العراق , كوردستان لديها مشكلة خاصة وهي تتمثل بوجود قوميات اكبر من القومية الكوردية في المنطقة والكورد سيبقون جزء من دول الجوار , في تركيا وايران وسوريا , وهذه حقيقة لا لبس فيها ولن تتغير الا اذا اندلعت حرب كبرى ).
وفي جزء اخر وحول استبدال ثقافة الحرب والعداء بين القوميات بثقافة السلام والتعايش , قال البروفيسور ( انغراو :
( على سبيل المثال فان الصحفيين والمفكرين واساتذة الجامعات يسمّون بـ ( صانعي الرأي ) وهم يعملون معا من اجل توعية المواطنين , هذه الشرائح عمدت بعد الحرب العالمية الثانية الى الدعوة الى القومية والى انشاء الدولة القومية ما ادى الى حصول كارثة في اوربا كما هو الحال في الحربين العالميتين الاولى والثانية .
ولهذا فان من كانوا يسيطرون على الرأي العام في تلك البلدان , جلسوا الى بعض واتحدوا معا على الرغم من تباينهم واختلافاتهم وانتماآتهم الى احزاب سياسية مختلفة .لقد افق الجميع على العمل سوية وتجاوزوا اشكالاتهم وانهوا تلك الحالة .
ولحسن الحظ فان الكورد ليس لديهم عداء تاريخي من هذا القبيل مع المكونات الاخرى في العراق او تركيا المجاورة و على الرغم من ان الكورد كانوا مضطهدين على عهد صدام حسين , غير ان مرور الوقت كفيل بتجاوز هذه الظروف كما كان الحال مع المانيا وفرنسا وبولندا والمانيا , فضلا عن العلاقات مابين اوكرانيا وبولندا في العهود الغابرة .ثم ان القادة السياسيون قرروا ان يكوّنوا علاقات جيدة مع تلك المجاميع وان يتناسوا الماضي وقد اثبت التاريخ هذه الحقيقة , فعلى سبيل المثال : المانيا وفرنسا , ايطاليا والنمسا , بولندا والمانيا , السويد والدنمارك , كانوا على عداء لقرون عديدة ولكنهم و في اخر المطاف ,توصلوا الى قرار انهم لم يعودوا اعداءّ وعليهم ان يعملوا معا .
لابد من الدعوة وباستمرار الى الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك والانسجام بين الكورد والمكونات الاخرى في العراق ).
كان الكورد على الدوام يدعون وبملء ارادتهم الى العيش ضمن العراق شريطة منحهم حقوقهم ولكن الخشية من العراق الحالي هو احتمال تعرضه الى التمزق والتقسيم ولهذا فان السؤال هنا ,هو :
أي قرار يجب على الكورد ان يتخذوه في هذه المرحلة ؟
ردا على هذا السؤال قال البروفيسور جارلس انغراو لمجلة كولان :
( هذا اسوأ سيناريو محتمل الحدوث ، اعتقد ان احد الاسباب هو ان العراق سينقسم الى العديد من الولايات و كما حصل في البلقان و وفي هذه الحالة فان عددا من الولايات المختلفة ستظهر الى الوجود , مثلما حصل مع صربيا وكوسوفو .
في ظروف كهذه اعتقد ان العراق سينقسم الى ثلاث ولايات , اقليم كوردستان ستصبح ولاية كوردستان الى جانب ولاية للسنة واخرى للشيعة , هذا محتمل الحدوث ولكنه سيثير مشكلة الاقليات , لأن هناك مكونات ومجاميع داخل كل ولاية من الولايات الثلاث , وفي حالة حدوث هذا السيناريو فان المجتمع الدولي سيعمل مع الولايات الثلاث من اجل الحفاظ على حقوق الاقليات الموجودة داخل تلك المكونات , على الرغم من ان نتائج هذا السيناريو لن تكون جيدة واعتقد ان أي طرف من الاطراف العراقية لا يتمنى حدوث هذا .
ولكن وكما هو واضح للعيان فان المكونات الشيعية لديها استعداد للعمل مع الكورد ومع سنة العراق رغم عدم وجود انسجام تام في السياسات العراقية الداخلية ولكنني ارى انه كان من المفترض ان يبادر المالكي ومنذ عدة اشهر الى تشكيل حكومة ثابتة ولكن يبدوا انه لا يرضى ان يتخلى عن منصبه , على المالكي ان يدرك حقيقة ان في الانظمة الديمقراطية يأتي حزب ما الى سدة الحكم وبعد خمسة او عشرة اعوام وفي بعض الحالات بعد عامين , يأتي حزب اخر ويتسلم منه السلطة , هذا هو المشروع الديمقراطي وعلى المالكي ان يقبل بحقيقة انه لن يبقى في السلطة الى ما لا نهاية , ولكن ومع الاسف , يبدوا انه لا يقبل ان يعمل مع المجاميع العلمانية الاخرى والا فان الحكومة العراقية المقبلة كان من المفترض ان تتشكل منذ عدة اشهر .
Top