طارق كاريزي

فنان في عقده العاشر من العمر، ولد في السليمانية (1925) ويعيش حاليا في ولاية كاليفورنيا. جمال بختيار ولع بفن الرسم بعد رؤيته صورة لوحة للسيد المسيح ومريم العذراء معلقة في مقهى بمدينة حلبجة كان يرتادها الوالد. حاول الطفل جمال رسم الصورة (اللوحة) بذات الدقة التي شاهدها في المقهى. تعذر عيله الامر، فاخذ يمزق قصاصات الورق الواحدة تلو الاخرى بسبب عدم قناعته باتقان الصنعة تماما.
انخرط وهو مازال فتى يافعا في النضال السياسي وانظم الى حزب هيوا وتاليا اصبح عضوا في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومازال، وهو الفنان المخول لرسم شعار ورموز الحزب كونه يحظى بثقة كبار قادته ولسيرته النضالية الوضاءة. فهو فنان وسياسي من طراز نادر. سيرته المزدوجة بين فن الرسم وفن السياسة، ثرية مليئة بالمآثر التي نحاول استعراض شذرات منها فقط.
شارك في جمهورية كوردستان الديمقراطية وعين معلما للغة الكوردية في احدى قرى الجمهورية، وبعد سقوط الجمهورية عاد الى جنوب كوردستان وابعد الى مدينة اربيل، التي اتحف مطاعمها ومحلاتها ومقاهيها آنذاك برسوم وتخطيطات نادرة لم يعرف مصيرها حتى الآن.
بعد نجاح ثورة 14 تموز عام 1958 وعودة مصطفى البارزاني من منفاه الاختياري في الاتحاد السوفيتي السابق الى العراق، رسم جمال بختيار صورة نادرة للزعيم عبدالكريم قاسم، الذي ساءت علاقته في السنين الاخيرة من حكمه بالشعب الكوردي وهاجم كوردستان مما نشب عنه اندلاع ثورة ايلول التحررية عام 1961، وتواصل الفنان بختيار مع الثورة الكوردستانية حتى ابرام اتفاقية 11 آذار عام 1970، حيث ظهر الفنان جمال بختيار كرّة اخرى كفنان شعبي معبر عن الهوية الوطنية والتراث الثقافي لشعبه. وهو صاحب اول لوحتين تم طبعهما بحجم البوستر وبالالوان مطلع سبعينيات القرن الماضي. لوحتي (شيرين تغزل المغزل) و(البنت حاملة السلة) كانت اول لوحتين كورديتين يتم طبعهما بعدد كبير من النسخ ووجدت طريقها لتزيين جدران المحلات التجارية والمتاجر ومحلات الحرفيين ومساكن الكوردستانيين في مختلف المدن والبلدات الكوردستانية.
الفنان الرائد جمال بختيار يروي بأنه كان يرسم اللوحات في سوق السليمانية في النصف الاول من القرن الماضي بمعية الفنان حسن فلاح، الا ان البعض كانوا يهاجمونهم ويكيلون لهما السب والشتائم مستنكرين ممارستهم لصنعة محرّمة بحسب تفسيرات العامة. لكن هذه النظرة السلبية من جانب المجتمع لم تثنيه عن ممارسة حرفته المفضلة. وهو في ذات الوقت كان ناشطا سياسيا مواضبا يمارس العملين معا.
لذلك عندما نكثت السلطات العراقية بنود اتفاقية 1970، تجدد الصراع بينها وبين الثورة الكوردستانية، فانظم الفنان جمال بختيار الى صفوف الثورة وواصل النضال حتى يوم اجهاض الثورة بعد اتفاقية الجزائر (آذار/1975) التي تنازل بموجبها النظام العراقي آنذاك عن نصف المياه الاقليمية لشط العرب لصالح نظام شاه ايران الذي تعهد من جهته محاصرة الثورة الكوردية في جنوبي كوردستان وضربها. هذه الاتفاقية التي اجهضت الثورة الكوردستانية وعرقلتها لمد عام، اضطر على اثرها مئات الآلاف من الكورد العراقيين المنخرطين في صفوف ثورة شعب جنوبي كوردستان واسرهم الى اللجوء الى ايران. وكان الفنان جمال بختيار واسرته بين هذه الالوف المؤلفة من اللاجئين الكوردستانيين في ايران.
تم تعيينه كمعلم لمادة الرسم في مدينة كاشان الايرانية بعد زيارة لزوجة شاه ايران الى مخيم اللاجئين وتعرفها على موهبة الفنان بختيار، حيث اقترحت عليه مراجعة وزارة التربية الايرانية التي نسبته معلما على ملاك تربية اقليم كاشان، وبدوره افتتح جمال بختيار اول مدرسة (او معهد) لتعليم فن الرسم في هذه المدينة الايرانية.
لم يدم العيش طويلا في ايران اذ تم قبوله لاجئا في الولايات المتحدة الامريكية، وتم توطينه في ولاية تينسي الامريكية. طلب حاكم الولاية مقابلة الفنان بختيار بعد اطلاعه على فقرة برنامج قدم عبر التلفاز عن اللاجئين الكوردستانيين في الولايات المتحدة، حيث استعرضت القناة موهبة الفنان اللاجئ القادم من جنوبي كوردستان وبعضا من لوحاته. لقاءه بحاكم الولاية منحه فرصة دراسة الفن ليتم تعيينه تاليا كمعلم لمادة الرسم في مركز الولاية.
استقرت اسرة جمال بختيار في منزل استأجرته بجوار رجل ميسور، طلب منه رسم صورة شخصية له. وبعد اتمام اللوحة كافأ الرجل الميسور الفنان بمنزل لقاء اللوحة التي انجزها لشدة اعجابه بفنه. وقد اوصى هذا الرجل الميسور باعادة اللوحة الى الفنان بختيار بعد وفاته.
جمال بختيار انسان مترع بالروح الوطنية وعاشق لوطنه كوردستان. عبر عن عشقه الصادق لوطنه من خلال نضاله السياسي منذ شبابه علاوة على تخصيص الشطر الاعظم من نتاجاته الفنية للتعبير عن جماليات الطبيعة والبيئة الكوردستانية، وارخ بصدق وبشكل ميداني وحيوي مفاصل هامة من نضالات شعب كوردستان من اجل الحرية وتحقيق الاستقلال.
لوحات هذا الفنان ذات بعد واقعي يلتمس الدقة في التنفيذ يرافقه التزام لانهائي بحيثيات الوجود الحضاري والمعطيات الروحية والثقافية للشعب الكوردي. فهو فنان من طراز خاص اغلب اعماله موجودة حاليا في الولايات المتحدة الامريكية. حبذا لو تقوم احدى المؤسسات والجهات المعنية بالسعي لاحتضان اكبر قدر من اعماله ونتاجاته الفنية في متحف خاص باسمه في كوردستان، وبالشكل الذي يليق بفنه الراقي ويوازي سيرته النضالية الوضاءة من اجل انعتاق شعبه واستقلال بلده.