• Thursday, 27 June 2024
logo

بيت رنجوري.. صرح ثقافي في كركوك

بيت رنجوري.. صرح ثقافي في كركوك
طارق كاريزي

الشيخ عمر رنجوري هو احد مشاهير العلماء والشعراء الافذاد في زمانه. ولد منتصف القرن الثامن عشر (1750) في كركوك وطاف بين العديد من منابع العلوم والتحصيل الديني في كوردستان، حيث تجول كطالب علوم دينية ودنيوية بين المدن والبلدات، فهكذا كان طلب العلم في كوردستان القرون الوسطى، حيث كان طلاب العلم يشدون الرحال ويلتحقون بكتاتيب منتشرة في مئات المدن والقرى الكوردستانية، وبعد اتمام مرحلة من التحصيل كان ينتقل الطالب الى منطقة اخرى قاصدا تحصيل المزيد من العلوم الدينية والدنيوية لدى اساتذة آخرين.
المشاهير من العارفين والعلماء بعلوم تلك الايام كانت تطبق شهرتهم الآفاق فكان الطلبة يقصدونهم ناشدين التحصيل. حيث كانت الدورس التي يتلقاها طلبة الكتاتيب التي عادة كانت ملحقة بالمساجد والتكايا والخانقاهات الكوردستانية، تتوزع ما بين العلوم الدينية (القران والسنة والاحاديث النبوية والفقه والشريعة وعلوم اللغة العربية) علاوة على علوم وآداب دنيوية كالطب والمنطق والادب الكوردي والفارسي وعلوم اخرى.
وبعد اتمام طالب المدارس الدينية ويطلق عليه بالكوردية (فقي: فقيه) التحصيل كان ينال الاجازة الدينية من احد كبار علماء الدين في زمانه، وذلك بعد ان تكتمل لديه عناصر التحصيل ويصبح مؤهلا لتولي مهام شؤون الدين وفرائضه في المعابد الاسلامية.
العالم والشاعر الكوردي الكبير ملا عمر رنجوري والذي مازالت دار المخطوطات العراقية في بغداد تحتفظ بالعديد من مخطوطاته، هو احد اعلام زمانة. وقد تصدى الباحث القدير محمد علي قرداغي لتحقيق ديوانه وطبعه في ثمانينيات القرن الماضي، يعد من كبار علماء كركوك في العديد من العلوم والمعارف والاداب، ولعل المتبقي من مخطوطاته تشير الى البعض من الماماته العلمية والادبية في مجال الطب والفلك والرياضيات والادب. الا ان آثاره لم تحقق ولم تطبع حتى الآن، ما عدى ديوانه الشعري كنا اسلفنا.
كان للشيخ عمر رنجوري اتباع من المريدين والمتصوفة، وكانوا يزورن مثواه لاكثر من قرن ونصف القرن في الضاحية الشمالية الشرقية من مدينة كركوك، اي حتى ستة عقود قبل الآن، الا ان شق طريق يربط بين كركوك والسليمانية بجوار مقبرة الشيخ محي الدين، اخفى معالم مثوى رنجوري. وتاليا تصدى كل من الباحثين القديرين الاستاذ الجليل عبدالرقيب يوسف والاستاذ محمد علي قرداغي لتشخيص موقع قبره ومثواه الاخير.
من هذه النقطة بالذات، اي من تحديد قبر العالم والشاعر الكبير عمر رنجوري، بادر الباحث المتخصص في شؤون كركوك خالد علي جاف باحياء هذا المعلم الثقافي من خلال تبني مشروع ثقافي تلقى الدعم من مديرية الاوقاف في محافظة كركوك. الباحث خالد جاف منتسب في المديرية، الا انه تجاوز الالتزامات الوظيفية ليخصص وقته تطوعا لاتمام المشروع.
ويتلخص المشروع ببناء مبنى ثقافي باسم (خانةي رنجوري: دار رنجوري) ويتألف من طابقين عند الجدار الخارجي الفاصل بين ثانوية هوزان للبنات والطرف الشمالي من مقبرة الشيخ محي الدين في قلب كركوك، وهو بالضبط مكان المثوى الاخير لرنجوري ومازالت آثاره شاخصة، الا ان التطور العمراني اخذ يقضم اطراف مقبرة الشيخ محي الدين اقدم مقابر المدينة منذ عقود.
الطابق السفلي من الدار ينقسم الى شطرين، بدايته عبارة عن فناء يتم توظيفه ليكون بمثابة متحف تراثي وثقافي في آن واحد تعرض فيه نماذج من الحاجيات التراثية الكوردستانية وبعض الوثائق. والجزء الخلفي سيكون مخصصا لمثوى العالم الشاعر عمر رنجوري. وبحسب الباحث خالد جاف، فان معالجات فنية وجمالية سيتم تنفيذها من اجل اسباغ الحيوية والتفاؤل والنظرة الايجابية المفعمة بروح البناء وديمومة الحياة على قبر رنجوري، من اجل ان يتمتع الزائر ويشعر بدفق الحياة لا صمت الموت والسكون المميت.
اما الطابق العلوي بحسب ما صرح الباحث خالد جاف، فانه سيكون بمثابة مكتبة غنية ترفد بامهات كتب الادب والمعرفة، ويتم التركيز على توفير كافة دواوين الشعراء الكلاسكيين الكورد، باعتبار رنجوري احدهم. اضافة الى ذلك صمم القسم العلوي من (دار رنجوري: خانةي رنجوري) بشكل يستطيع احتضان الندوات الثقافية والجلسات الادبية وفعاليات اخرى ذات طابع ثقافي وفكري.
وسيظم المبنى ملحق خدمي لتلبية الاحتياجات الآنية للزوار من دورات مياه ومغاسل وحتى حمام للقادمين من مناطق بعيدة، من اجل ان يتفرغ الباحثون وطلاب العلم للتحصيل والدرس في دار رنجوري. وهو احياء للتقاليد الكوردستانية التي ظلت متوارثة طوال قرون عدة حتى يوم ظهور المدارس الحديثة.




Top