• Thursday, 27 June 2024
logo

جغرافية اللهجات الكوردية

جغرافية اللهجات الكوردية

طارق كاريزي


يؤكد اللغويون المتخصصون باللغة الكوردية ولهجاتها، بان هذه اللغة ترجع بجذورها الى ايام ظهور اقوام زاكروس (اللولوبيون، الكوتيون، الميتانيون، الهوريون، الكاشيون، الايلاميون)، ومن ثم الاقوام الهندواوربية (الارية) في تقاطع وامتداد سلاسل جبال زاكروس وطوروس واعالي ما بين النهرين. ويشير الكثيرون من خبراء اللغات القديمة الى انّ كتاب النبي زرادشت (الافستا: الابستاق بحسب التسمية القديمة في الادبيات العربية)، قد كتب باللغة الكوردية القديمة. لكن ضياع نصوص هذا الكتاب المقدس بعد حرقه لمرّتين، احداهما في القرن الرابع قبل الميلاد على يد الاسكندر المقدوني، وبعد ذلك في القرن السابع الميلادي على يد الفاتحين من المسلمين العرب، جعل التحقق من كامل القاموس اللغوي للغة التي باتت تعرف الآن بالافستية، امرا يواجه الكثير من الصعوبات. وهذا يعني بان الغموض يبقى يحيط بماضي اللغة الكوردية، على امل تحقيق بعض التقدم من خلال البحوث والتنقيبات الاثرية والدراسات اللغوية مستقبلا.
لعل الحجة الاكثر دعما لكون لغة كتاب (آفستا) المقدس هي الكوردية القديمة، هو ان شتات النصوص التي عثر عليها حتى الآن، هي الاقرب الى اللغة الكوردية من بين كافة اللغات الايرانية ضمن اسرة اللغات الهندواوربية في فرعها الاسيوي (الهندو ايراني)، وبالذات هي الاقرب تماما من لهجة كوران (غوران) احدى اللهجات الكوردية الرئيسة.
اللغة الكوردية لم تنل حتى الآن حقها من الدراسة والبحث، بل ان الدراسات اللغوية حول اللغة الكوردية وتأريخها، مازالت في مراحلها البدائية، عليه فان التكلم عن اللغة الكوردية في مختلف مناحيها ومظاهرها الحاليه والماضية، يحتاج المزيد من الالمام والدراية، وايضا شيئا من الجرأة للابحار بين ثنايا احدى اهم واعرق اللغات الهندواوربية في غربي آسيا. علاوة على ذلك، لا يمكن الركون لبعض الاراء التي طرحها بعض المستشرقين والرحالة من دون بحث وتقص حول اللغة الكوردية، كونها يحوي البعض منها الكثير من اللغط والتخبط، لان ما دوّنوه في مؤلفاتهم كانت ملاحظات آنية عابرة خلت من البحث والتقصي العلمي والميداني. الى جانب ذلك، قد اكد الكثيرون من المستكردون (الكوردلوج: المتخصصون في الشؤون الكوردية) بان اللغة الكوردية هي احدى اعرق اللغات الايرانية ضمن عائلة اللغات الهندواوربية. حافظت على خصائصها وقاموسها اللغوي بشكل استثنائي وهي من اكثر اللغات الهندو ايرانية قابلية على الديمومة والتجدد، مع المحافظة على خصائصها اللغوية.
نحن هنا لسنا بصدد الغوص في مفردات تفاصيل تأريخ هذه اللغة وخصائصها وقواعدها، بل نود ان نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن اللهجات الكوردية وخارطة انتشار كل منها في الجغرافية الكوردستانية وخارج موطن الكورد ايضا.
جميع اللغات القديمة تضم مجموعة من اللهجات المختلفة. وهذا ينطبق على اللغة الكوردية ايضا. تنقسم هذه اللغة الى اربعة لهجات رئيسة، وهي:
اولا: الكرمانجية الشمالية التي يتحدث بها الكورد بدأ من وسط الاناضول حتى ضفاف نهر الزاب الاعلى. وهي اللهجة الرئيسة للكورد في شمال وغربي كوردستان (في تركيا وسوريا). ويتكلم هذه اللهجة كورد قونية (جنوب انقرة) وكورد اسطنبول وارمينيا واذربيجان وكازاخستان وخراسان. يستخدم الناطقون بالكرمانجية الشمالية الابجدية اللاتينية المحورة في كتابة اللغة الكوردية. هذه اللهجة هي الاكثر انتشارا بين اللهجات الكوردية. كتب الشاعر احمدي خاني ملحمته الشهيرة (مم وزين) وكذلك الشاعر المتصوف الكبير ملا الجزيري ديوانه الشهير بهذه اللهجة. تراجع دور هذه اللهجة بعد منعها رسميا من التداول من قبل مصطفى كمال مؤسس الجمهورية التركية، وهی الآن في طور النموّ ثانية بعد ان ابدت السلطات التركية الحالية شيئا من التساهل من خلال السماح بالتحدث باللغة الكوردية وتأسيس دور نشر كوردية في تركيا.
تنقسم الكرمانجية الشمالية الى ستة فروع هي (البوتانية، البهدينانية، الهكارية، الشمزينانية، البايزيدية، الغربية).
ثانيا: الكرمانجية الوسطى ويتحدث بها الكورد بدأ من الزاب الاعلى حتى مشارف مدينة كرماشان (كرمنشاه). وهي اللهجة الرئيسة للكورد في جنوب وشرقي كوردستان (العراق وايران). وتعد هذه اللهجة الجسر الرابط بين الكرمانجية الشمالية والجنوبية. وهي لغة الادب والثقافة منذ قرون في وسط كوردستان، وتكتب بالابجدية العربية المحورة.
تنقسم الكرمانجية الوسطى الى خمس فروع هي (الموكريانية، السورانية، الاردلانية، السليمانية، الكرميانية).
ثالثا: الكرمانجية الجنوبية ويتكلم بها الكورد اعتبارا من مدينة كرماشان وريفها حتى تخوك الخليج. وهذه اللهجة كانت لغة الادب والثقافة الكوردية منذ القرون الاولى للهجرة، خصوصا في لرستان حيث ظهر فيها الشعراء والزعماء الروحيون، وتركوا من بعدهم الاثار المؤلفات.
تنقسم الكرمانجية الجنوبية الى فروع عدة، منها (الكلهرية، الفيلية، البختيارية، اللكية، المامسانية..).
رابعا: الكورانية (الغورانية) هذه اللهجة التي تعد بحسب النصوص التأريخية الاقدم من بين اللهجات الكوردية، وقد كانت بمثابة الفصحى الكوردية طوال قرون عديدة. وهي اللهجة الاكثر قربا من لغة نص آفستا، الكتاب المقدس للنبي زرادشت. وهي ايضا لهجة كتاب سرنجام المقدس، كتاب اتباع الديانة اليارسانية. هذه اللهجة هي الوحيدة بين اللهجات الكوردية التي يعيش المحدثون بها في مناطق متفرقة وغير متلاصقة من ارض كوردستان. المتحدثون بالكورانية موجودين في اقصى شمال غربي كوردستان، وفي شمال شرق الموصل وجنوب كركوك وفي هورامان في عمق كوردستان ومناطق اخرى.
وتنقسم هذه اللهجة الى فروع عدة، منها (الدملية "الزازاكية"، الهورامية، الشبكية، الباجلانية، الكاكائية).
تتدرج اللهجات الكوردية كطيف القوس قزح، حيث نلاحط تغيرا تدريجيا بين فروع اللهجة الواحدة ومن ثم نشهد مناطق انتقالية هي في الحقيقة مزيج بين لهجتين تظهر ملامح كل منهما كلما ابتعدنا عن خط التلاقي بين اللهجتين. وهذه الحقيقة تتجلى بكل وضوح ضمن مدرج سلم اللهجات الكرمانجية الثلاثة (الشمالية والوسطى والجنوبية)، وتعد الكورانية بمثابة اللوءلوء المنثور بين مروج اللهجات الثلاث الاخرى.
ومن الجدير ذكره، هو كورد المهجر في البلدان الاوربية وامريكا الشمالية واستراليا، يتحدثون اللغة الكوردية بلهجاتهم السابقة التي ورثوها في موطنهم كوردستان.



Top