يوم الأرض الذي أعادنا إلى نوروز
لحظات متابعة الحماسة التي أبداها الكثير من نشطاء الشعب الفلسطيني في المغتربات بمناسبة يوم الأرض في 30 آذار أعادتني إلى يوم نوروز في 21 من الشهر ذاته، إذ بالرغم من أن أغلبهم مقيم في الدول الغربية والعربية منذ سنوات طويلة ، إلاَّ أن الغربة الطويلة لهم وابتعادهم لفترة ليست بالقصيرة عن موطن الآباء والأجداد لم ينسيهم قضيتهم ومعاناة الآباء والأجداد ، حيث أكدوا عبر أنشطتهم وكتاباتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الأنترنيتية على اختلاف توجهاتها على أنهم مستمرون وأن الحق لا يسقط بالتقادم.
كما أن تلك المتابعة البانورامية جعلتني أقارن حالهم بحال اخواننا الكورد ضيوف الأمس في المغتربات، فرأيت بأن فئة من الكورد في ارتباطهم بقضيتهم وتمسكهم بانتمائهم وجذورهم لا يضاهي ربع ارتباط الفلسطيني بقضيته وبوطنه وبأرضه وبتراثه، وهذا التصور لا شك لم يأتِ من فراغ إنما من خلال مقارنة بسيطة وواقعية، مرئية وملموسة ويمكننا ملاحظة الأمر بالعين المجردة، ودلائل ذلك، فإن حال أبناء بعض الكورد الذين انتشروا في الدول الغربية بعد الذي جرى في سورية يشير إلى ما نذهب إليه، إذ أن البعض منهم باتت لغة الدولة التي وصلوا إلى مرابعها هي الرئيسية في منازلهم، مَن يدري فلربما بعد سنوات قليلة نسي هؤلاء من أين هم وماهي منابتهم وما الذي رماهم في تلك المضارب؟ ولعل بعضهم نتيجة عُقد الدونية التي توارثوها عن آبائهم في البلد الأصلي يلتصقون بالآخر في البلد الجديد إلى حد الذوبان، فيتنصلون بعدها حتى من جذورهم، بينما الفلسطينيون فبعد عقودٍ من الزمان في الشتات ما يزال لسان حالهم اليوم يُظهر للمعاين وكأنهم غادورا ديارهم في الأمس القريب؛ هذا فيما يتعلق بحال الفلسطينيين وأقرانهم من الكورد في المغتربات.
كما أن يوم الأرض كان له الفضل في عودتي مجدداً إلى مناخات عيد نوروز، ومع أنه مر على العيد أكثر من اسبوع إلا أن الحديث عنه ربما كان لا بد من تأجيله حتى لا تضيع ملاحظاتنا الثلاث في زحمة الكتابات عن المناسبة، لأنه عندما يتلقى أحدنا صدمة أو يتعرض لحادثة يُطلب منا بدايةً تركه إلى حين عودته إلى رشده، أو الانتظار إلى حين التخلص من آثار الواقعة إذا ما كان المصاب عظيماً، وهذا نوعاً ما ينسحب على حالاتنا النفسية قبل المناسبات وبعدها، فأوان المناسبة قد لا نعي تماماً كل ما نقوم به أو لا ننتبه إلى كل المجريات بما أننا في قلب الحدث، لذا كثيراً ما لا نُمعن التفكير ببعض التصريحات أو التصرفات التي جرت حين الجمع الغفير أو الحفل الكبير، و قد لا نُعاود التفكير بها إلاّ بعد المناسبة بأيام وربما أسابيع، وهذا الوضع كان حيال بعض ما قيل أو نشر اِبان عيد نوروز، إذ بخصوص بعض ما قيل في المناسبة وأوانها قلتُ بيني وبين نفسي فلأترك تلك الملاحظات الثلاث بعض الوقت حتى تكون قراءتها مفيدة ويتم التفكير فيها باعتبار أن ضخامة المكتوبات عن المناسبة تجعل المنشورات أشبه بحال سقوط المطر الكثيف على الاسفلت ، وحيث أن الأرض لا تستفيد على الأغلب من كل تلك الكمية من الأمطار وأغلبها تذهب هدراً، لذا تركت تلك الملاحظات إلى اليوم.
إذ أن من بعض ما قيل وكُتب في عيد النوروز وحوله هذا العام، لفت انتباهي ثلاثة مواقف جعلتني أتوقف عندها وأقرأ عن علاقتها ببنية التفكير القومي الظاهري لدينا نحن (كورد سويا) وحيث أن بعض الكتابات إضافة إلى الكثير من الممارسات تشير إلى أن مشاعرنا القومية ليست على ما يرام، وهي لدى الكثير منا أحاسيس مناسباتية، آنية، سطحية وسرعان ما يصيبها الفتور، فتبدو الهواجس القومية لدينا أقرب إلى حال الأوراق اليابسة التي تشتعل بسرعة ولكنها لا ترتقي قط إلى مستوى اشتعال قروم الأشجار التي يطول اشتعالها والتي لا تنطفئ بسهولة كما هو حال الورق اليابس، ولسنا أقوياء إرادياً كما يتصور البعض ممن يقارن حال الكورد بغيرهم من الأمم المندثرة وذلك حين التحدث عن أسباب بقائنا إلى الآن مقارنةً بأمم أخرى مثلنا.
إذ من خلال معاينة واقع فئة لا بأس بها من الكورد وسلوكهم في المغتربات أو حتى في المتروبولات أو عواصم الدول التي ينتمون إليها، نرى بأن الكوردي سريع التلاشي في ظروف الرفاهية، هذا إن لم نقل بأنه سريع التخلي عن قضيته ومرتكزاته عبر القليل من المغريات الحياتية كالمال أو الشهرة أو تسنم موقع ما في سلم الدولة التي ينتمي إليها، وبالتالي أن القمع وحده يجعله يستشعر أناه القومية التي يفتقدها سريعاً إن تحسنت ظروف حياته الشخصية، وهذا يعني بأن أعمدة الانتماء القومي لديه هشة، قابلة للشرخ والصدع بسرعة قياسية، وهي ضعيفة وسريعة العطب والخضوع والانحلال في ثقافة المحيط العام الذي يعيش فيه، وهذه العلة يمكننا قراءة ملامحها في هذه الفقرة من مقالة الكاتب محمد حبش كنو التي جاءت تحت عنوان "حينها أدركت بأنني كوردي" والتي نشرها في موقع الحوار المتمدن في تاريخ 21/3/2021 وحيث جاء فيها: "في ذلك الإجتماع الصباحي علمت أنني شيئ مختلف وأن هناك سببا لضربنا فأنظمة هذه الدول عبر قمع الكورد أشعروهم بكورديتهم وإلا لو كانت هناك دولة مواطنة متساوية فربما اضمحل الكورد في بوتقة تلك الدول فالعدل في الآخر أساس كل شيئ ".
والموقف الثاني متعلق بما صرَّح به القيادي السابق في حزب الاتحاد الشعبي الكوردي الاستاذ ربحان رمضان من خلال حديثه عن تظاهرة دمشق عام 1986، والتي استشهد فيها سليمان آدي، شهيد نوروز؛ إذ أنه خلال حلقة مرئية وقتها عن الموضوع ذكر رمضان بأنه أثناء المظاهرة كان أحد المتظاهرين يرفع من سقف شعاراته بشكل كبير جداً ويدعو إلى إسقاط النظام ـ تصوروا أن ينادي أحدهم بإسقاط النظام عام 1986! ـ ولكنهم عند إنزاله مِن على الأكتاف والتعرف إلى شخصيته تبين لهم بأنه من أجهزة أمن النظام؟ والذي خطر على بالي حين المقارنة بين مناخات عام 1986 وسنة 2011 وما بعدها، هو التوقع بأن المئات ممن طالبوا باسقاط النظام ربما لم يكونوا من الثوار أصلاً، ولا من المنتفضين على النظام، ولا من الجماهير الغاضبة نتيجة ممارساته وجوره واستبداده، إنما ربما كانوا من جسم النظام نفسه، وبالتالي الوصول إلى قناعة مفادها بأن معظم المزاودين من الطرف المعارض ربما كانوا ما يزالون جزء من عقل النظام، النظام الذي كان بحاجة ماسة إليهم في وقت من الأوقات حتى وصل إلى مبتغاه من خلال خطاباتهم، ومن ثم من خلال تحركهم وممارساتهم المنسجمة مع تلك الخطابات.
أما الموقف الثالث فمتعلق بالاحتفال بنوروز في ناحية شيخ الحديد بمنطقة عفرين، وغرابة الاحتفال بالمناسبة كانت متأتية من الاحتفال تحت أمرة وسلطة أبو عمشة، هذا في حال إذا لم تكن مشاركتهم جاءت رغماً عنهم وبقوة السلاح، إذ أن المشاركة لو كانت طوعية بحق ولم تفرض عليهم بقوة الكلاشنكوف، فهي تذكرنا بما أورده الكاتب الراحل بو علي ياسين في كتابه شمسات شباطية والتي يقول فيها: "إن العرب من قضاياهم الكبرى مثل طفل شاهد عرساً فطلب من والده عروسة، ولكن إذا ناوله الأب حبة ملبس ألهاه عن العروسة"، وقصة الطفل هنا أشبه بحالة الاخوة في شيخ الحديد، إذ أنه في الوقت الذي يعمل العشرات من النشطاء الكورد في الخارج لفضح أبو عمشة وجرائمه والدعوة إلى محاكمته على ما اقترفه مع رهطه المسلح بحق الأهالي من سلب ونهب وسطو مسلح وقتل عضو المجلس المحلي السابق للبلدة تحت التعذيب ، ووضع يده على ممتلكات أهالي البلدة ، جاء مَن ألهى الأهالي وأغراهم بالهدية الرخيصة أي الاحتفال بالعيد تحت إشراف ذلك المتهم باقتراف عشرات الانتهاكات ، حيث أنهم كالطفل المذكور أعلاه نسيوا كل جرائم وانتهاكات ذلك المسلط على رقاب سكان الناحية برمتها، ورضيوا مقابل ذلك كله بعقد حلقة رقص تافهة يوم العيد.
basnews