عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية
بعد أيام قليلة تحل الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع ثورة السوريين التراجيدية التي طلبت المستحيل، ولم تحقق أياً من رهاناتها الرئيسية. بل أكثر من ذلك: سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس مستمر يبدو، إلى اليوم، بلا مخرج قريب. وفي ظل انعدام الأفق هذا يتراشق سوريو الثورة فيما بينهم باتهامات، ويخوضون صراعات عبثية لكنها أكثر حدة من صراعهم الأصلي ضد النظام، حتى لو كان بأدوات لغوية ـ فكرية لا بالسلاح. هذا مفهوم بالنظر إلى الهزيمة التي يراوغ كثيرون في الاعتراف بها، ولا يقدم من يعترفون بها شيئاً ذا قيمة بشأن الدروس الواجب استخلاصها من الهزيمة، أو بشأن البحث عن آفاق جديدة تعيد ثقتهم بأنفسهم وبصواب خيار الثورة التي شاركوا فيها أو انحازوا إليها.
حدث أمران في فترتين متقاربتين قبيل ذكرى الثورة، طغيا على ما عداهما من سجالات، الأول هو الحكم الصادر عن إحدى المحاكم الألمانية بحق الجندي المنشق إياد الغريب بالسجن أربع سنوات ونصف، والثاني رفع بعض سوريي الثورة شعار «تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة» الذي كانت الناشطة وعد الخطيب قد نقشته، العام الماضي، على ثوبها بمناسبة ترشيح فيلمها «من أجل سما» إلى جائزة الأوسكار للأفلام التسجيلية الطويلة.
انقسم مجتمع الثورة السورية، بشأن الحكم على إياد غريب، بين من اعتبره فاتحةً لمحاكمة نظام بشار، ومن اعتبره ظلماً بحق منشق انحاز للثورة منذ الأشهر الأولى، فضلاً عن كون الحكم نذير شؤم قد يؤدي إلى محاكمة كل من انشق عن النظام وشارك في الثورة، في الوقت الذي لا تسمح فيه الظروف بمحاكمة مجرمي النظام الملطخة أيديهم بدماء السوريين، بحث تتحول محاكمة إياد إلى سابقة يمكن تأويلها على أنها إدانة لفعل الانشقاق بحد ذاته.
كذلك انقسموا حول العبارة التي اعتمدها البعض شعاراً بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة، وهاجمه آخرون بسبب شقه الثاني، غالباً، بدعوى أن مآلات الثورة لم تثمر كرامة بل ذلاً، سواء لسوريي الداخل أو سوريي الشتات، سواء في المخيمات أو في الملاجئ القريبة والبعيدة.
الواقع أن السوريين منقسمون، قبل ذلك، لأسباب أكثر خطورة من الخلاف حول محاكمة أو حول شعار، بين سوريي الثورة وسوريي النظام، وبين أنصار تركيا والكورد، وبين الإسلاميين والعلمانيين، وبين من يعيشون تحت خط الفقر وفوقه، وبين مؤيدي العقوبات على نظام الأسد ومعارضيها…إلخ، إضافة إلى خضوعهم إلى سلطات أمر واقع متعددة في مناطقهم وسلطات الدول المستقبلة لنازحيهم ولاجئيهم. وتدور صراعات فكرية حادة فيما بينهم، في كل فرصة ومناسبة، وعلى كل صغيرة وكبيرة، مقابل تراجع حدة الصراعات المسلحة في الداخل، وهي تدور بين قوى أمر واقع متفاوتة القوة، ولا تعني سائر السوريين كثيراً إلا من حيث الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها.
أما النظام الغارق في أزمته الاقتصادية – الاجتماعية الخانقة، بفعل عوامل كثيرة أضيفت إليها العقوبات الأمريكية المعروفة باسم «قيصر» وآثار جائحة كورونا، ليتعزز هذا الغرق بابتعاد الحل السياسي الذي يريده عودةً مستحيلة إلى ما قبل آذار 2011، ابتعاد السراب. بدلاً من مواجهة هذا الواقع القاتم، بدأت استعداداته مبكراً لتجديد البيعة لبشار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات وكأن كل شيء بخير، في وقت تنتظر فيه القوى المنخرطة في سوريا، روسيا وإيران وتركيا، ما الذي قد تأتي به الإدارة الأمريكية الجديدة من مقاربات بشأن سوريا، ليعيدوا حساباتهم بناءً على ذلك.
في هذا الوقت حدث أمر مفاجئ أثار مخيلات بعض المحللين على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن مصير النظام ورأسه. فقد نشرت وكالة أنباء النظام (سانا) خبراً حول إصابة بشار وزوجته بفايروس كورونا، مضيفة أن «وضعهما الصحي مستقر» ويحتاجان إلى أسبوعين أو ثلاثة لتجاوز الإصابة. المفاجئ في الخبر هو مصدره، أي وكالة سانا، فالتقليد المتبع في وسائل إعلام النظام هو التستر على أخبار من هذا النوع، لا نشرها. فإذا حدث وتسرب شيء ما عن صحة «الرئيس» إلى وسائل إعلام عالمية، كان يتم التكذيب أو التجاهل إلى حين عودته إلى نشاطه المعتاد، فتنشر وسائل إعلامه خبراً عن «وعكة صحية خفيفة» تم تجاوزها، بصرف النظر عن حقيقة ما حدث.
ربطت بعض التحليلات بين خبر الإصابة بالفايروس وبين الاستعدادات الجارية للبيعة، في حين علق آخرون عليها آمالاً، بربطه بمجموعة عوامل أخرى تدعم، برأيهم، نظريتهم المتفائلة حول قرب نهاية النظام. الواقع أنه بمجرد صدور الخبر من وسائل إعلام النظام تفقد تلك التحليلات المتفائلة كل أساس. فمن الواضح أن النظام أراد أن يعتقد الآخرون أنه مصاب بالفايروس، بصرف النظر عن حقيقة الأمر. ترى هل أراد النظام من هذا الخبر أن يزيل الآثار السلبية التي نتجت عن صفقة اللقاحات الروسية بتمويل إسرائيلي؟ وذلك من خلال الإيحاء بأن «الرئيس الممانع» رفض تلقي اللقاح فأصيب بالفايروس؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تتحدث عنه وسائل إعلام النظام في الأيام القادمة.
تجرأ السوريون، قبل عشر سنوات، على الحلم، وتذوقوا طعم الحرية والكرامة في مواجهة إجرام النظام ووضاعته. تكالبت كل الظروف ضد حلمهم، عزاؤهم الوحيد اليوم هو أن النظام جثة تسير على قدمين. ولا بد للجثة أن تدفن أو تحرق في لحظة ما لا يمكننا اليوم التكهن بشأنها.
basnewws