• Sunday, 22 December 2024
logo

إقليم كوردستان موطن الأديان

إقليم كوردستان موطن الأديان
معد فياض

عانى مسيحيو العراق من مآساة هجرتين قاسيتين، الاولى بعد 2003 حيث حلت الفوضى جميع مناطق العراق، وخاصة العاصمة بغداد، وادى الانحلال الامني الى قتل الكثير منهم والاستيلاء على املاكهم مما دفع بغالبيتهم الى الهجرة الى سهل نينوى ومدينة الموصل، وهناك شعروا ببعض الامان والاستقرار، قبل ان تحتل عصابات تنظيم داعش الارهابية الموصل واجزاء من سهل نينوى، ليعيش المسيحيون والازيديون مآساة القتل والتهجير مرة ثانية.

الهجرة الثانية كانت الى اقليم كوردستان، العاصمة اربيل خاصة، حيث احتضنهم الكورد، قيادة وشعبا، كما احتضنتهم الكنائس المسيحية في منطقة عنكاوه، وليشعروا للمرة الاولى بالامان الكامل والاستقرار وينعموا بالحياة الكريمة حيث انخرطوا بالعمل والمناصب الحكومية والامنية كما انتظم ابناؤهم في المدارس والجامعات، ليأخذوا مكانتهم، كمكون اساسي ليس في العراق، وإنما في اقليم كوردستان.

اربيل لم تستقبل المسيحيين فحسب، بل استقبلت مئات الالاف من المسلمين الذين هجرهم الاقتتال الطائفي منذ عام 2006 ومن ثم هجوم تنظيم داعش الارهابي على محافظات الانبار وصلاح الدين ومناطق أخرى، ليتحول اقليم كوردستان بهذا المزيج الديني العراقي، من مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وازيديين وكاكائيين وزارادشتيين، من الكورد والعرب والتركمان، الى موطن حقيقي لجميع الاديان والمكونات الاصيلة للعراق الواحد.

اليوم لو التقطنا صورة من الجو لاربيل وشاهدنا مآذن وقباب المساجد وهي تعلو الى السماء الى جانب ابراج الكنائس ومعابد الازيديين، وعايشنا على الارض الواقع الاجتماعي لاقليم كوردستان، سواء في المدن الكبيرة او في اقضيته ونواحيه وقراه لتأكدنا ان هذا الاقليم يجسد المعنى الواضح للتعايش بين الاديان والقوميات، ويؤكد مفهوم التسامح الالهي على الارض.

من هنا جاء اصرار البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، على زيارة اربيل كمحطة مهمة في جولته الاولى والتاريخية الى العراق، واداء الصلاة في ملعبها (فرانسوا حريري) بحضور عشرات لالاف من المسيحيين، ولقاء رئيس الاقليم نجيرفان بارزاني، الذي كان قد التقى البابا في الفاتيكان سابقا، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني.

وفي تغريدة له قال الرئيس نجيرفان بارزاني : "آمل أن تعزز الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق التعايش السلمي والوئام بين الأديان والأعراق المختلفة في البلاد وأن تؤدي إلى مستقبل أفضل للجميع. أنا وشعب كردستان حريصون على استقبال قداسته في أربيل".

زيارة البابا فرانسيس التاريخية الى العراق هي، في الدرجة الاولى، رسالة الى السياسيين العراقيين بمختلف توجهاتهم للتوافق والتوحد حرصا على الشعب المتعدد الاديان والقوميات، وهذا ما عبر عنه صراحة في كلمته بقصر بغداد الرئاسي عندما قال"علينا ان نتطلع الى ما يوحدنا بدلا عما يؤدي الى انقسامنا"، داعيا الى"التصدي لآفة الفساد وتحقيق العدالة وتنمية الشفافية" و"ضمان الحقوق الاساسية لكل المواطنين وعدم اعتبار ان هناك مواطنين من الدرجة الثانية".

ان جل ما جاء في كلمة بابا الفاتيكان في قصر بغداد نجده مترجما عمليا في اقليم كوردستان، حول حرية الاديان واحترام حقوق الانسان، وحماية المكونات العراقية، وعدم استخدام كلمة "الله" للاقتتال، وبالتأكيد ان البابا فرانسيس، يتابع عن كثب، ومنذ توليه الكرسي البابوي في الفاتيكان، عام 2013، وقبل ذلك، ما يجري في العراق عامة، وفي اقليم كوردستان الذي تحول واقعيا الى موطن لجميع الاديان والقوميات والمكونات الاصيلة للعراق، خاصة، ومن هنا جاء اصراره على زيارة اربيل ولقاء اهلها من كورد وعرب وتركمان، مسيحيين ومسلمين وصابئة وازيديين وكاكائيين، وهي رسالة الى جميع العراقيين والعالم بان هذا الاقليم هو واحة للسلام وتحقيق مبادئ الانسانية، وهذا تحقق بفضل حكمة ومبادئ اهله الكورد وقيادته والعقيدة البارزانية التي تؤكد على التسامح والمحبة.





روداو
Top