• Monday, 29 April 2024
logo

بايدن وإقليم كوردستان

بايدن وإقليم كوردستان
د. ياسين محمود چومانی

من الطبيعي أن يسود لدى إقليم كوردستان العراق حالة من التفاؤل الكبير مع وصول بايدن إلى سدة البيت الأبيض، وذلك نظراً لمواقف بايدن التاريخية تجاه الكورد في العراق. فبايدن قد يكون من أكثر السياسيين الأمريكيين دعماً للقضية الكوردية عموما، وحقوق الكورد القانونية والتاريخية المشروعة على وجه الخصوص.

تعود العلاقة الوثيقة بين بايدن والكورد في العراق إلى 2002، أثناء زيارته التاريخية للإقليم كرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حيث ألقى خطاباً في برلمان كوردستان عبر فيه عن دعم أمريكا التام لحقوق الكورد داخل عراق فيدرالي موحد. وإبان عمله كنائب للرئيس أوباما، توطت علاقاته على نحو كبير مع قادة إقليم كوردستان خلال زياراته المتكررة للعراق التي تجاوزت العشرين زيارة.

وإن كانت حالة التفاؤل الكبيرة لدى الكورد في العراق بشان بايدن في محلها على نحو كبير. ومع ذلك، يجب على الكورد أيضاً وضع سقف لهذا التفاؤل. لا جدال أن مواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه إقليم كوردستان تندرج وتتداخل في السياقات الأوسع لأجندة الولايات المتحدة على نحو عام، وتجاه المنطقة على نحو خاص.

موقف إدارة بايدن تجاه إقليم كوردستان ، وإن كان سيكون داعما بشكل أكبر للكورد مقارنة بإدارة ترامب، إلا أنه سيتأثر على نحو كبير بموقف إدارة بايدن تجاه العراق، وعلى نحو مماثل تجاه تركيا وإيران وسوريا. من هذا المنطلق، تصور دعم بايدن لقيام دولة كوردية مستقلة في إقليم كوردستان قد يكون أمر مبالغ فيه.

لكن يمكن القول، انطلاقا من تعاطف بايدن مع إقليم كوردستان، وأيضا انطلاقاً من أجندة بايدن عامة، ومواقفه التاريخية تجاه بعض القوة الإقليمية، لاسيما تركيا. فمن المتوقع على نحو كبير أن تكون حقبة بايدن فرصة ذهبية سانحه للكورد في العراق لدعم وتعزيز مطالبهم ووضعهم الدستوري والتاريخي، المنتهك، ككيان شبه مستقل داخل العراق الفيدرالي.

فبايدن من أكثر السياسيين الأمريكيين دعما لفيدرالية لامركزية لعراق موحد. الفيدرالية اللامركزية التي يرغبها بايدن هي وضع أشبه بالنظام الكونفدرالي، تكون فيه بغداد منسق للمصالح المشتركة للأقاليم التي تدير شؤونها بشكل خاص وشبه مستقل. هذا النظام مطبق على نحو كبير في البوسنة. ومن الجدير بالذكر، أن اقتراح بايدن والذى نشره في مقال شهير له بعنوان "استراتيجية الخروج" 2006، كان محل ترحيب كبير من الشعب الكوردي.

من الواضح أن بايدن سيكون ضاغطا لتعزيز الفيدرالية اللامركزية لضمان المزيد من الاستقرار في العراق، لاسيما وأنها تتسق مع أجندة بايدن الرئيسية المرتكزة على تعزيز النموذج الديمقراطي الليبرالي.

وذلك في وقت يعانى فيه الإقليم من محاولات داخلية وإقليمية منسقة، خاصة بعد إجراء استفتاء الاستقلال في سبتمبر 2017. نلاحظ خلال الأونة الأخيرة محاولات بغداد المستمرة لفرض سياستها على الإقليم، ووقف المدفوعات المستحقة للإقليم وتشجيع سياسات التعريب وتجاهل مواد الدستور.



وفى هذا الصدد أيضا، فمن المؤكد أن تلعب إدارة بايدن دورا حاسما في التوصل إلى اتفاق عادل حول القضايا الرئيسية العالقة بين الإقليم وبغداد: المناطق الكوردستانية خارج إدارة حكومة الإقليم، الميزانية، وضع البيشمركة، وضع الكورد في النظام الفيدرالي.

على صعيد آخر، فمن الواضح أن العلاقات الأمريكية - التركية خلال عهد بايدن لن تسير على نحو هادئ. فبايدن من أكثر المنتقدين لسياسات تركيا التوسعية في المنطقة ، ومن شأن ذلك ممارسة إدارة بايدن المزيد من الضغوط لوقف تدخلاتها في إقليم كوردستان وشمال سوريا بزعم مطاردة حزب العمال الكوردستاني.

خلال الأعوام القليلة الماضية، خطى الكورد في العراق خطوات واسعة في عدة مجالات كمحاربة الإرهاب، كما عزز الإقليم وضعه الداخلي الديمقراطي والاقتصادي، ووضعه الخارجي ككيان دولي معترف به رسميا.

من هذا المنطق، بات الإقليم شريكا دوليا وإقليما لواشنطن في مناحي عدة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا يمكن التعويل عليه من قبل إدارة بايدن، وهذا متوقع أيضا لتحقيق أجندة بايدن في المنطقة. فتوثيق العلاقات الأمريكية-الكوردية سيكون بمثابة قوة دافعة لبايدن لمواجهة الإرهاب والتطرف، ورسالة أيضا لكل من إيران وتركيا لدعم سجل حقوق الإنسان والتركيز على الأولوية الاقتصادية والحد من تدخلاتهم في الشأن العراقي. على نحو آخر، سيظل الاستقرار الكبير الذى يتمتع به الإقليم، والمناخ الاقتصادي المتميز له عامل جذب كبير للاستثمارات الأمريكية.

على الرغم من تراجع أهمية المنطقة لواشنطن، إلا أن الكورد في العراق لايزالون شريكا استراتيجيا لواشنطن، بل يتعاظم أهميتهم لدى واشنطن بفضل المناخ الديمقراطي للإقليم، ودورهم الحاسم في تنفيذ أجندة واشنطن في المنطقة لاسيما في محاربة الإرهاب والتطرف.

بلا شك ستقف كل من بغداد وتركيا وإيران بالمرصاد لجميع محاولات بايدن الداعمة لحقوق الكورد المشروعة. لكن ذلك لابد وأن يكون محفزا للكورد في العراق للاستمرار والصمود في تعزيز وضعهم ومطالبهم المشروعة كعامل حاسم لاستمرار دعم بايدن لهم.





basnews
Top