..ولو كانت كافرة
سليمان جودة
سقطت حكومة بشار الأسد فى الثامن من ديسمبر، ومن يومها يتردد سؤال بغير جواب: كيف سقطت بهذه السرعة؟.. ويتردد سؤال آخر: لماذا لم تجد أحدًا فى داخل البلاد يبكى عليها؟.. وسؤال ثالث: كيف كانت بهذه الهشاشة؟!.
والإجابة تتنوع بين الأسباب الداخلية والخارجية، وأستطيع أن أذكر ألف سبب، ولكن السبب الأهم يظل يدور حول أنها لم تكن تحكم بين السوريين بالقانون، ولا كان للقانون وجود فى علاقتها بكل مواطن سورى.. ولو أننا تابعنا ما يتسرب عن الحياة هناك قبل ٨ ديسمبر، فسوف نجد أنه يؤكد ما أقوله ويشير إليه.
ولهذا السبب لم تجد مواطنًا واحدًا يبكى عليها.. ولا واحد.. فالمواطنون الذين خرجوا فى «الجمعة الأولى» بعد سقوطها فى ساحة الأمويين وفى غيرها من الساحات السورية كانوا فرحين بسقوطها، وكانوا يحتفلون بذلك ويهللون.. فأين مواطنوها الذين كانت تحكم لهم أو بهم؟.. لا أحد.. وربما يكون هذا هو الدرس الذى يجب أن تخرج به كل حكومة وأى حكومة من بين تفاصيل المشهد السورى فى مجمله.
يجوز أن يغيب القانون عن العلاقة بين مواطن ومواطن آخر مثله، فيلجآن إلى العدالة لتحكم بينهما، ولكن لا يجوز أن يغيب القانون نفسه فى علاقة الحكومة بالناس.. وهذا بالضبط ما حصل فى دمشق، وهذا أيضًا هو الذى جعل حكومة الأسد تسقط بسرعة أذهلت المتابعين ولا تزال.
كان الأسد يراهن على الإيرانيين فى مساندته، ولو أنصف نفسه وبلده لأدرك أن السوريين هُم سنده لا الإيرانيون، ولا بالطبع الروس الذين كانوا رهانه بالتوازى مع الإيرانيين.. لنا أن نتصوره فى هذه اللحظة لو كان رهانه على مواطنيه ورعاياه لا على سواهم بأى حال.
ولأن رهانه لم يكن على مواطنيه، فإنه لم يكن يعبأ بهم ولا يبالى، ولا كان من بين أولوياته أن يكون القانون العادل حاضرًا فى علاقته بهم أو فى تسيير أمورهم.. إننا نذكر أن ونستون تشرشل كان رئيسًا لوزراء بريطانيا فى أثناء الحرب العالمية الثانية، ونذكر أن بلاده تعرضت للقصف العنيف من قوات المحور، ونذكر أنه خرج من بين الأنقاض يخاطب البريطانيين ويتساءل: هل القضاء بخير؟ أجابوه: نعم.. رد: إذن لا مشكلة لأن كل ما عدا ذلك يهون.
ولماذا نذهب بعيدًا؟.. فالفقهاء المسلمون هُم الذين سبقوا تشرشل وغير تشرشل فقالوا هذه العبارة الخالدة: إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.
باسنيوز