هل تذهب السليمانية باتجاه بغداد؟
حديث توجه السليمانية صوب بغداد بمعزل عن أربيل ودهوك أو بعيداً عن حكومة إقليم كوردستان، يدور كثيرا، وهو ليس بجديد، بل جزء منه متعلق بالحاجز النفسي التاريخي بين المنطقتين، ورغم المحاولات المسؤولة لردم الفجوة الاجتماعية الا ان الأمور تعود بين فينة وأخرى بسبب الاحداث السياسية.
في مثل هذه الأيام القضية تطرح ليس بقوة اكبر بل بزيادة نسبية ممن ليس بيدهم القرار في المحافظة الا جزئياً، والذريعة هي عدم قدرة حكومة الإقليم على تحمل رواتب الموظفين في الإقليم كما ينص قانون الخدمة المدنية.
لو كنت محقا، فأن من يروج للأمر في بغداد - وليس في السليمانية - ويتلقفه هم من يريدون اعلاء الكلمة على الإقليم وتثبيت العلو المعنوي، وفي الإقليم ما عدا البرلمانيين من خارج الحزبين في مجلس النواب العراقي كل ما يدلى به ليس سوى إبداء رغبات شخصية أو طلعات إعلامية ومناكفات حزبية.
لماذا لا تذهب السليمانية كليا بإتجاه بغداد؟:
1- إن القوة المسيطرة التي تمتلك كامل وكل السلطة في السليمانية هي الاتحاد الوطني الكوردستاني، السلطة ليست السياسية والإدارية فقط، بل المالية والاقتصادية بمشاركة جزئية من حركة التغيير وفقا للإتفاق الثنائي في إدارة المحافظة بينهما، وبالتالي لا يمكن للاتحاد الوطني التضحية بكل ما يأتي اليه من مال ودخل من التجارة والمنافذ مما يؤهله لان يتحكم، لان السيطرة على الاقتصاد تعني السيطرة السياسية ايضاً وإلا لا احد يحسب لك حسابا في ظرف يكون الحزب هو كل شيء، إن الكثير والكثير من التمويل الحزبي والكيان التنظيمي القائم متعلق بالجانب المالي، تسليم كل ذلك الى بغداد يعني هزّ الحيوية والحركية الحزبية في جانب كبير منها.
2- إن المخالفات القانونية في التجارة والصادر والوارد عبر المنافذ الحدودية ليس في السليمانية فحسب بل في الإقليم كله والعراق في نطاقه الوطني لا تخفى على متابع، إن تسليم تلك المنافذ الى بغداد، يعني تمكين ديوان الرقابة المالية وهيئات النزاهة والمتابعة الضرائبية من التدقيق في كل الأنشطة، وهنا اما غلق تلك المنافذ في وجه الدخل الحزبي او رفع الغطاء عن تلك المخالفات التي في النهاية تذهب فوائدها الى الحزب والكيانات الغالبة والشخصيات النافذة في الأحزاب، وهذا لن يحدث، ثم ان تلك المنافذ ووارداتها لن تسلم الى حكومة الإقليم التي هي حكومتهم فكيف تسلم الى بغداد؟ هذه الحكومة التي نجاحها يعتبر نجاحا للاتحاد الوطني وفشلها فشل له، حيث الانتقادات الصادرة من المعارضة والاعلام موجهة للحكومة بكلا الحزبين بمشاركة حركة التغيير، وليس لطرف دون الاخر.
3- إن التشديد بان السليمانية تذهب الى بغداد من دون أربيل ودهوك، الغاية الأساسية منها هي التالي:
أ- ان قيادة الاتحاد الوطني تريد المزيد من السلطة وامتلاك القرار في حكومة الإقليم، فهي تتهم الحزب الديمقراطي بالاستحواذ على الغالبية الساحقة من الواردات والقرار السياسي، وهذه حالة مفهومة في الممارسة السياسية والخصومة الحزبية التأريخية.
ب- تمرير مشروع اللامركزية داخل الإقليم وفقاً للقوانين المعمول بها والصادرة من برلمان الإقليم، التي هي أيضا ورقة تهديد في جزء منها.
ت- تصوير الامر برمته على ان الاتحاد الوطني او محافظة السليمانية غائبة في المسار الحكومي الحاسم وبالتالي إصطفافه مع الأصوات المعارضة، أي أن تكون القوة الثانية في السلطة والإدارة ثم المعارضة والبقاء في الفضاء الرافض في السليمانية، أي الانسجام مع الجمهور في وقت يكون في السلطة رقم إثنين.
ربما الخطوة الأولى من اجل إثبات وجهة النظر المتداولة هذه، تكون بإصدار القيادة السياسية في السليمانية أمراً بمنع السيد قوباد الطالباني التوجه الى بغداد إذا لا يمتلك الصلاحية او غير راضية عن تلك السياسات او المفاوضات مع بغداد ونتائجها، وهذا من دون أن يعني ذلك غياب حس الإمتعاض لدى السلطة السياسية في السليمانية.
ث- المعروف والمتيقن ان السليمانية غير موحدة تجاه هذا الملف، أي التوجه نحو بغداد، حتى على المستوى الرسمي في الاتحاد الوطني كحزب او في الإدارة في السليمانية لم يخرج تصريح يمكن الاعتماد عليه، كل ما يقال تصريحا وتلميحا هو ضرورة التوصل الى اتفاق مع الحكومة الفدرالية حول الموازنة وحصة الإقليم فيها، وليس أكثر من ذلك، ربما لو وصل الأمر الى الجد سيكون الموقف مختلفاً، تأريخ السليمانية يقول ذلك.
ج- إن النزاع الإقليمي وإنعدام المودة بين تركيا والاتحاد الوطني مؤثر، فالاعلام لا ينفك كما مسؤولون في مستوى محدد لا يمكن الاستناد اليه كموقف رسمي يرجعون عدم التوصل للاتفاق مع بغداد الى الرفض التركي.
rudaw