• Thursday, 02 May 2024
logo

تقاويم العراق.. تاريخ حافل بالحروب

تقاويم العراق.. تاريخ حافل بالحروب
معد فياض



بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد اجهدت نفسي في البحث عن اسم عراقي يليق بهذه السنة، وحاولت الاعتماد على تقاويم السنوات الماضية، اسوة بالتقويم الصيني، مثلا، حيث يسمي الصينيون اعوامهم باسماء الحيوانات، فهناك عام الفأر والتنين والكلب ...وهكذا، وبعد جهد جهيد أكتشفت ان تقويمنا العراقي حافل بتواريخ الحروب والاقتتال الداخلي والخارجي، لهذا فكرت بانه من الانسب ان نسمي سنوات تقويمنا بعناوين الحروب والمعارك.

منذ ان وعيت، وغيري الكثير ومن مختلف الاجيال، على الدنيا ونحن نسمع ونعيش احداث الحروب والاقتتال، أول وصف واضح سمعته في طفولتي حديث امي، رحمها الله، عن قصر الرحاب بعد مقتل العائلة المالكة فجر يوم 14 تموز 1958 ودكه بالمدفعية، كانت تقول "كانت آثار دم العائلة المالكة ما زالت لم تجف والناس تنهب موجودات القصر"، سألتها" واين كنت انا؟، ردت"كان خالك يحملك".

أما أول صورة ارتبطت في ذاكرتي، وستبقى هذه الصورة تتكرر خلال مراحل حياتي، هي لوالدي وهو يصغي لراديو الترانسستور متابعا انباء معارك فلسطين تارة، وما كان يسمى وقت ذاك بحرب الشمال التي شنها الجيش العراقي ضد كورد العراق الذين كانوا يطالبون بحقوقهم القومية المشروعة.

وفي سنوات دراستنا الابتدائية كان المعلمون يدفعوننا للخروج في مظاهرات لدعم الجزائر مرة والهتاف" يا ديغول اطلع برة والجزائر صارت حرة"، ولفلسطين مرات عديدة ونحن نصرخ باعلى اصواتنا الطفولية" فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية".

بعد ذلك بدأ تاريخ من الانقلابات (الثورية) التي كان ابطالها من الضباط الماسكين بسلاح الدولة لتدمير الدولة والاقتتال فيما بعضهم من اجل السيطرة على السلطة، انقلاب تشرين 1963 ومقتل (الزعيم الاوحد) عبد الكريم قاسم عندما انقلب ضده رفيقه (المشير) عبد السلام عارف، شريكه في جريمة انقلاب 14 تموز ضد الشرعية الملكية وفاجعة مقتل العائلة المالكة، ثم مقتل المشير بحادث طائرة مدبر في البصرة وتسلم شقيقه عبد الرحمن عارف الرئاسة، ومن مهازل تاريخ الانقلابات هي قيام رئيس الوزراء ووزير الدفاع، عارف عبد الرزاق، بانقلاب ضد رئيسه عبد السلام عارف عام 1965 ولم ينجح، ثم انقلابه ثانية ضد عبد الرحمن عارف عام في حزيران 1966، وايضا فشل في ذلك.

ومنذ انقلاب 17 تموز 1968 وسيطر البعث على السلطة، حيث اعقبه انقلاب آخر بعد اسبوعين في 30 تموز من ذات العام، والعراق كان قد دخل نفقا من الاقتتال السري والعلني، والتصفيات السياسية واذكاء نيران الحرب ضد الكورد التي لم تكن قد توقفت، وتصفية الشيوعيين عام 1978 ومسرحية قاعة الخلد للتخلص من الحرس القديم في حزب السلطة عام 1979 على يد (القائد الضرورة) صدام حسين الذي سلب السلطة من (الأب القائد) أحمد حسن البكر، وصولا الى حرب السنوات الثمان مع ايران ودخول النفق القاتل باحتلال القوات العراقية للكويت والنهاية التراجيدية التي ادت الى احتلال القوات الاميركية للعراق عام 2003 وبلوغ البلد الى ما هو عليه من خراب وفساد وافلاس.

مئات الالاف من العراقيين، عرب وكورد ومن بقية المكونات القومية والدينية والمذهبية، الابرياء فقدوا ارواحهم في تقاويم الانقلابات العسكرية والتصفيات الحزبية والحروب الداخلية والخارجية بسبب مغامرات العسكر واستحواذهم على السلطة.

لكن هل توقف تقويم الاقتتال والحروب بعد 2003؟ بالتأكيد لا، فقد بدأت مراحل جديدة من الحرب الطائفية والتصفيات على خلفيات الانتقام والثأر، رافق هذا انتشار الميلشيات المسلحة المنفلتة من سيطرة الدولة، وتعد هذه أسوء مراحل تاريخ العراق الحديث.

هذا بأختصار شديد لتقاويم التاريخ العراقي وعناوين سنواته، تقاويم مزدحمة بالحروب والقتل والسحل والتصفيات الجسدية والدم، فماذا سنسمي سنواتنا؟ وباي حرب نقرن عناوينها، وبأية مرحلة نتمسك لنتفائل بالحاضر او بقادم الاعوام.

منذ قرن من الزمان والعراق لم ينعم باي سلام او استقرار للاسف. لقد بحثت جاهدا عن مرحلة استطيع ان اسميها واحة للسلام والاستقرار في روزنامة تقاويمنا، لكنني فشلت في ذلك، اذ لم يترك لنا العسكر وسياسيو الصدفة اية مساحة، ولو ضيقة، لنحتفي فيها ونسميها واحة للسلام، ومع ذلك ما زلنا نتفائل بان يكون الغد أفضل، وليس لنا سوى ان نردد ما قاله الطغرائي في لاميته الشهيرة التي نظمها ببغداد سنة 505 هجرية:

" أعلل النفس بالآمال أرقبها:ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".









روداو
Top