• Saturday, 04 May 2024
logo

الشخصية الكوردية بين الطبع الكوردواري والتطبع المكتسب

الشخصية الكوردية بين الطبع الكوردواري  والتطبع المكتسب
ريبر فوزي احمد


قال الملك عبد العزيز: "الكورد لا يحتاجون إلى رجال فرجالهم أهل الثبات ".

وقال كيسنجر: "لا يوجد؛ولم أجد في حياتي أعند من رجال الكورد".

و على ضوء نظرية التحدي والاستجابة (لتويني) نستدل منها إن الشعوب الشجاعة استجابت للتحديات المفروضة عليها باستجابة بنائية،تحدت إرادة الطبيعة وأخضعتها لإرادتها بتشيد الحضارات،قاومت ببسالة من أجل البقاء،اختارت أفضل أرض ودافعت عنها بشجاعة..

فالشخصية الكوردية في هذا السياق تنتمي إلى عالم الاستجابة البنائية التي لا تخشى الموت ومن لا يخشى الموت يبدع و يبادر ويستجيب لكل أنواع التحديات.

فالملاحم البطولية نبعت من أعماق الكورد وأينعت الكون .

لقد تفاعلت الشخصية الكوردية عبر تاريخها مع القمم أثرت فيها وانطبعت في كيانها فأكسبتها بعض صفاتها وكون الكورد ينحدرٍون من السلالة الآرية يحملون مورثات هذا العرق كامنة فيهم وتم إغنائها من البيئة،وهذا ما تؤكده الأبحاث السيكولوجية من تأثير الوراثة والبيئة على الهوية الجماعية وعلى ثقافاتها فكأن الهوية الكوردية مرآة لقمم الجبال (الشموخ،الصبر،الشجاعة،حب العمل،وطلب المعرفة،الانفتاح...إلخ).

وحسب النظرية العلمية إن شخصية الإنسان مكونة من مجموعة من الجينات الوراثية تتفاعل مع البيئات المختلفة تحدد ملامح الشخصية،وكل منهما(الوراثة،البيئة) تؤثران في تحديد بعض جوانب الشخصية سواء في مظهرها (الخارجية أوالداخلية)فالعلاقة الديالكتيكية بينهما ترسمان الشخصية الكوردية التي هي مجموعة من الصفات الجوهرية التي تميزها عن باقي الشعوب وتدخل هذه الخصائص في تحديد الهوية الكوردية التي تتميز بميزات منها(أولى بأس شديد، الشجاعة، الوفاء،تقديس القانون،احترام الكلمة،قابلية التكييف،التكامل،الانسجام ،الاتزان الوحدة في الشخصية،الجد بعناد، قبولها التحدي،امتلاك ملكة ضم ثقافات إلى الذات...إلخ)وهذه الملكات تفاعلت مع البيئات لتصور مسارالشخصية الكوردية بكل أبعادها الجسديةوأعماقها الروحية.
الكورد أقدم شعب عرفته المنطقة وتحدثت عنهم امهات الكتب وخاصة الكتب المقدسة بتشيدهم حضارات، ممالك وامبراطوريات عرفت بلادهم بـ " سوبارتو" اكتشفوا الزراعة في سهل جرمو7000 ق.م وعلمت العالم التصنيع فصنعوا الفخار وهذا ما تؤكده أركولوجيا بأكتشاف أول الأواني الفخارية في لورستان 6000 ق.م وأيضا التجارة تم المقايضة "تبادل أواني الفخارية بسلعة أخرى" بعد تصنيع الفخار أمست موزوبوتامية مركز النشاط الإنساني ومهد الديانات الجماعية فعلى سبيل المثال الإيزيدية ترجع بتاريخها إلى الألف الرابع ق.م "كتاب جورج حبيب الإيزيدية بقايا الديانة القديمة" أما الزارادشتية أول من دعت إلى توحيد الإله ترجع بتاريخها على الأرجح إلى الألف الأول ق.م قدمت منظومة دينية أخلاقية وفلسفية متكاملة.



إن هذه الأرض التي نعشقها ونفتخز بها كانت جنة أدم عليه السلام كما هو مدون في الكتاب المقدس العهد القديم التوراة :( أن الرب أقام جنة عدن بين نهري دجلة و الفرات)وعن النبي محمد(ص)قال:"....والفرات من أنهار الجنة "،ويمكن أن نقول إن بدء زمننا على الأرض كانت في كوردستان ونستطيع قراءة ذلك في العهد القديم سفر التكوين,كتاب موسى الأول : " و أخذ الرب الإله أدم ووضعه في جنة عدن ليعلمه و يحفظه ".

إذا كوردستان حسب النصوص جنة عدن ومنبع نهر الفرات وأرض بعض الأنبياء وخصها الله بان تكون الانطلاقة الأولى للبشرية من جديد بعد الطوفان بعد أن رست سفينة نوح على جبل جودي وجعلها أرضا مباركة لقوله تعالى في القرآن الكريم على لسان نوح عليه السلام:(وقل ربي أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) المؤمنون( 29 ) والقرآن الكريم يحدد المكان الذي نزل فيه نوح ورست فيه سفينته هو (جبل جودي) "واستوت على الجودي" سورة هود "44" .

هذه الأرض التي حملت إبراهيم وغيره من الأنبياء يؤكد الكتاب المقدس بأن كثير من أحداثها حدثت في كوردستان وكثير من الشخصيات الهامة في الكتاب المقدس عاشت على هذه الأرض الطاهرة .

أما عن صفات الكورد تذكر الكتب المقدسة هذه الصفات فعلى سبيل المثال شجاعة ووفاء الملكة الكوردية أستير وفائها وإخلاصها لربها ولقومها أنقذت قومها من التدمير عاشت في كوردستان كان من الممكن أن تخسر حياتها أثناء محاولتها الشجاعة ولا نستغرب شجاعة ليلى قاسم وأم حليمة ولبوات بيشمركة وغيرهن من المناضلات طالما أن أمنا أستير.



لقد تنبأ عدد من الأنبياء في الكتاب المقدس بشجاعة وقوة الكورد وبعبارات عن الكورد الميديين وبعد مرور فترة تاريخية تحققت النبوءات على يد الكورد،وللميدين أهمية وشأن في هذا الكتاب مثلا في ناحوم 3\7 تم التنبؤ بانهيار نينوى وبعدئذ تحقق الأمرعلى يد الميديين.

وفي أرمياء 5\11 تم التنبؤ مرارا بشكل دقيق أن الميديين سيدمرون بابل.

وفي دانيال 5\28قال هذا النبي بنهوض الميديين وتأسيسهم إمبراطورية عظيمة يقول نفس المصدر في قصة نبي دانيال " إن شريعة مادي وفارس لا تنسخ" وهذا يدل على أن الكورد يقدسون القانون ويحترمون شخصيتهم و كلامهم وأحكامهم .



والقرآن الكريم يصف الكورد بأولى بأس شديد كما في الآية الكريمة "قل للمخليفين من الأعراب ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أويسلمون ...." 16 سورة الفتح.

يذكر الكتاب المقدس العهد الجديد الإنجيل زيارة المجوس لبيت المقدس ليباركوا ويبشروا ميلاد اليسوع.

هناك أيضا الكثير من قصص الكتاب المقدس الرائعة التي جرت أحداثها في كوردستان،ناهيك عن قبور الأنبياء العظماء مثل ناحوم، يوناه ،هاباكوك،دانيال،نوح كلها موجودة على هذه الأرض المباركة بالإضافة إلى قبور الموارنة مثل مار مارون،مار سمعان في عفرين ... وتبشير الزرادشت الحكيم بمحمد (ص) وزيارة سلمان المجوسي لمحمد (ص ) ما هي دليل إلاغنى البعد الروحي والفكري والأخلاقي والديني لدى الكورد.

لكن وبعد التقسيم الثاني لكوردستان بين الدول مارست أنظمة هذه الدول خاصة في فترة البعث العراقي سياسات ممنهجة بشعة بحق الشعب الكوردي والمحصلة: إفساد لبعض جوانب الشخصية الكوردية بإفساده لكل عامل حيوي فوضع خطط ومناهج وسياسات لتذويب الهوية الكوردية في بوتقة عروبية، فأفسدت الشخصية من خلال مجموعة عوامل حيوية أهمها: 1ـ العامل الاقتصادي:وضع سياسة اقتصادية في الإقليم الكوردي لإفقارهم (الفقر الممنهج) بتهجيرهم من إقليمهم ليكونوا أزلاء لدى الغير باللإضافة إلى "الإحصاء الاستثنائي،الحزام العربي ،التعريب، مرسوم 49 وقرارات استثنائيةوتقطيع مناطقهم وتغير ديمواغرافيةإقليمهم بتوطين العربان في مناطقهم وعسكرة مجتمعهم واحتلالها "كل هذه السياسات شلت الاقتصاد الكوردي وأهلكت الشخصية الكوردوارية.

أما في كوردستان الجنوبية تعرض الكورد لأبشع حملات التطهير العرقي وحملات الإبادة الجماعية والتهجير القسري من أنفال واستخدام السلاح الكيماوي كما في حلبجة والتوطين ..."دمرت الوجود والشخصية والهوية الكوردية.

هذا العامل أثر سلبا على تكوين شخصية منسجمة و فاعلة ومؤثرة وقوية لدى الإنسان لكوردي.



2ـ العامل العلمي:لقد أفسد البعث العملية التربوية في الإقليم الكوردي سواء في كوردستان الجنوبية أو في غرب كوردستان لتكون بعثية عروبية تحمل في طياتها الحقد وصهر الكورد،فوضع سياسة مبرمجة لتجهيل المجتمع الكوردي بنشرالأمية وإفساد المؤسسات التربوية لتغيب الوعي العلمي وليصبح التعليم برمته موجها في خدمة الخطابات العربية البعثية (طلائع البعث ،شبيبة البعث...) وإحلال الأمية بضغط المخابرات على الطلاب وإرهابهم وملاحقة المدرسين ولو على الشك لإقصاء الحركات التنويرية وفصل وسجن كل من يشك بأنه من المنظمات والجمعيات والأحزاب الكوردية ونفيهمٍ عن مجتمعهم والقضاء على الحالة المؤسساتية والمدنية .

3ـ العامل الاجتماعي :نشر الخوف والرعب والإرهاب بين الفينة والأخرى لإرباك الأسرة وخلق المشاكل ووضعها ضمن دائرة القلق فبمجرد أن يسأل عنصر أمني عن شخص يعني بأن باب الجحيم قد فتحت له بالإضافة إلى حرب مفتوحة ضد كوردستان الجنوبية من قبل البعث العراقي.

4ـ العامل الديني والروحي:لقد أفسد البعث البعد الديني والروحي وألبس قميصه العروبي للدين الحنيف فأفسده من خلال إفساد رجال الدين وبث سمومه في كثير من الكتب لما للدين والأخلاق في المجتمع الكوردي من دور في رسم ملامح الشخصية الكوردية منذ الولادة وحتى الممات وله دور في بناء الشخصية الكوردية المتزنة وأيضا تأكيده على رابط يربط الكورد ببعضهم.

وهذه العوامل الأساسية جوهرية في بناء الشخصية ؛1ـ الاقتصاد القوي 2ـ تفتح العقل 3ـ وفرة الكادر المتخصص ضمن مؤسساته الفاعلة 4ـ الإغناء الروحي.

وإفساد هذه العوامل الرئيسية يعني غياب نهضة المجتمع وبناء الشخصية الكوردية،والمشكلة الكبرى رغم تغير مجموعة العوامل والظروف ما زال البعض منا يعاني عقدة النقص ومن الاستلاب وغياب الانتماء وعدم تمييز البعض بين الدين الحنيف كما دعا إليه الرسول محمد (ص) والدين كما أفسده البعث.

لكن وبعد تغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعميم نظام العولمة غلبت الطبع الكوردواري على التطبع فقدم الكورد في كوردستان الجنوبية أروع نموذج يحتذى في الفدرالية والحكم الديمقراطي وبناء اقتصاد متين وتفعيل دور مؤسسات الإقليم واحترام حقوق الإنسان والأديان والاثنيات وتشجيع هيئات المجتمع المدني والاهتمام بالتخصصات والكوادر العلمية والعمل وفق المنظور المؤسساتي لتقدم لوحة فسيفسائية للعالم.

كذلك أثبتت روج آفا كردستان شخصيتها الكوردية بتفجير الانتفاضة 2004 آذار وبتوحيد كل الفعاليات والقوى وانخرطت في الحراك المجتمعي لسوريا منذ اللحظات الأولى لتنشر قيم التسامح والسلام والحرية الديمقراطية وتضع مشروعا مدنيا ديمقراطيا مستقبليا بعد تحرير مناطقهم وتوحيد الخطاب وتجاوز الخلاف وترك باب الحوار بين الفرقاء الكورد مفتوحا في أسوأ الظروف وتأطير القوى الكودية ووضع المصالح الاستراتيجية العليا للقضية الكوردية فوق كل الاعتبارات الأخرى ووقف المد الاسلاموي المتطرف ودهر الإرهاب في الإقليم الكوردي وخير مثال ملحمة كوباني وترتيب سوريا لكل سوريين مع القوى المعارضة المنفتحة.

ربما سياسات البعث الاقتلاعي تجاه الكورد دامت حوالي نصف قرن لكن إرادة الحياة لدى الكورد استطاعوا التغلب على آثارها.

كيف لا؟ والشخصية الكوردية تتمثل في قيم وأفكار الخالد الرمز ملا مصطفى بارزاني الذي قال :"طالما أحمل البندقية فأنا سيد نفسي ".

وقال:"إننا ننتصر عندما يعتبر كل كوردي خير وشر أخيه الكوردي هو خير وشر لنفسه ونكون إخوة بحق".

وقال:"التاريخ لا يذكر بشرف إلا من ركبوا الصعاب وتجرعوا الآلام من أجل وطنهم وشعبهم وعملوا دون كلل لرفع الظلم عنه.".

لقد عانق عظيم الأمة القمم وحافظ على أمانة قاضي محمد وأخلص لكوردستان وكان في المقدمة دائما ولقب بالصقر العجوز،وأجبر صدام ليقول عن الكورد:في كل نقطة دم كوردية يولد مجاهد .

نعم نهج الزعيم الرمز بافي مزن في قلوبنا وعقولنا،رحل عنا بجسده بينما روحه وفكره حيان لقد ترك لنا كنزان منارتان وفيهما تتجسدان الشخصية الكوردية البارتي والبيشمركة.

يقول الجواهري:شعب دعائمه الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم

إن المعتقد الديني والنصوص الدينية للكتب المقدسة (التوراة،الانجيل،القرآن) لها الدور الكبير في ثقافة الشعوب وعلائقها مع السياسة وتفاعلاتها مع المجتمعات خاصة التي تعتقد بهذه الكتب المقدسة، بل ربما للمعتقد الديني تأثير بليغ حتى على العلاقات بين الدول لا يقل عن الموقع الجغرافي مهم وبوابة الريجينل بوليتك لها من الأهمية أكثر من الجيوبوليتكا حسب اعتقادي.









باسنيوز

Top