العمال الكوردستاني.. ماذا عن الديمقراطية مع الشعب الكوردي؟
"ديمقراطية الشعوب وأخوتها".. شعار براق جميل، يختزل في طياته معانٍ سامية يمكن أن تكون حلاً للكثير من المشاكل التي تعاني منها منطقتنا. فمن منّا لا يتمنى أن تسود الديمقراطية والمساواة بين شعوب المنطقة بعيدا عن التطرف بكافة أشكاله؟ لكن من اجل أن ترى هذه الشعارات النور، يجب أن تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع أو لا، ومن ثم يتعين أن تمتلك الجهة التي تتبنى هذه الشعارات الأدوات اللازمة لتطبيقها على ارض الواقع.
فهل أن شعار ديمقراطية الشعوب الذي يرفعه حزب العمال الكوردستاني قابل للتطبيق على ارض الواقع؟ وهل أن الطرف الذي يتبناه يمتلك الأدوات اللازمة لتطبيقه على أرض الواقع؟
من البديهي أن تكون ساحة الدعوة الى إخوة الشعوب وديمقراطيتها بين الشعوب التي تمارس (الدكتاتورية) على بقية الشعوب، وذلك لتخفيف هذه التوجهات عندها وتحويلها إلى مجتمعات أكثر ديمقراطية وتقبل للشعوب الأخرى، إلا أن ما نراه هو أن العمال الكوردستاني اختار الساحة الخطأ في الزمن الخطأ، ويمارس ازدواجية قاتلة في تعبيره عن تلك الشعارات، وذلك حسب ما هو موضح أدناه:-
1- لقد اختار العمال الكوردستاني ساحة كوردستان منطلقاً لهذا الشعار، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الكوردستاني أساساً من دكتاتورية الشعوب المحيطة به، وهو بذلك كمن يطالب الضحية بتقديم ما ليس بمقدوره تقديمه، فماذا يمكن أن يقدم شعب مضطهد من قبل ثلاثة شعوب أخرى لفكرة الأخوة بين الشعوب؟ خاصة وهو يمارس ثقافة التعايش والمساواة واقعاً في حياته، ويتعامل مع جميع الشعوب على هذا الأساس.
إن كان العمال الكوردستاني يؤمن حقيقة بهذا الشعار فيفترض أن تكون ساحة نشاطه، هي الساحة التركية والفارسية والعربية وليست الكوردية، لكن ما نراه أن نشاطه بين الشعوب الأخرى معدوم تماماً، مما يفسر بان تبنيه لهذا الشعار هو تكتيكي مرحلي يحاول من خلاله إيجاد مبرر له للاستمرار والوجود، كما كان يتبنى قبل أقل من عقد فكرة كوردستان الكبرى بأجزائه الثلاثة (باعتبار انه كان لا يؤمن بوجود كوردستان في سوريا)، ثم بين ليلة وضحاها تحول 180 درجة وأخذ يطرح فكراً مناقضاً تماماً لما كان يدعو له.
2- في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من توجهات متطرفة مركبة في الشعور القومي والديني والمذهبي، يأتي العمال الكوردستاني ليغرد خارج السرب وينادي بشعار أشبه ما يكون بالخيال العلمي في ظل هذه الأجواء. وهذا لا يعني تأييدنا للتطرف الذي تعاني منه المنطقة، لكن ما نقصده هو أن مثل هذه الشعارات لا يمكن تطبيقها في هكذا أجواء مشحونة، وهو أقرب ما يكون بالتيه السياسي أدى الى فشل العمال الكوردستاني في كسب أفراد لفكرته من بين الشعوب الثلاثة الأخرى.
3- كيف يمكن للعمال الكوردستاني وهو ينادي بإخوة الشعوب (أي عبور الانتماءات القومية والدينية والمذهبية) أن يفسر علاقاته المتميزة مع الفصائل الشيعية المسلحة في سوريا والعراقـ وهي تتبنى واحدة من أكثر الأفكار تطرفاً في المنطقة وتعاني من عقد تاريخية مركبة تؤمن بـ"دكتاتورية المذهب".
4- إن كان العمال الكوردستاني يبرر سابقاً تبنيه للكفاح المسلح في انه كان يقاتل الجيش التركي دفاعاً عن حقوق الشعب الكوردي، فإن تخليه عن الفكر القومي وتبنيه فكرة ديمقراطية الشعوب تفقده المبرر للاستمرار في حمل السلاح. فديمقراطية الشعوب لا يمكن تطبيقها عبر قتال جيوش وحكومات، فهي تتعلق بتوجهات شعوب وليست حكومات، ومحاولة لتغير سلوكها الجمعي الدكتاتوري وإحلال ثقافة التسامح والأخوة بينها وهذا لا يكون من خلال القسر واستخدام السلاح معها.
إن شعار ديمقراطية الشعوب وأخوتها يمكن أن تكون موضع اهتمام منظمات المجتمع المدني أكثر من الأحزاب عوضاً عن منظمات مسلحة، لذلك فان العمال الكوردستاني مع هذه الأفكار عليه التحول الى منظمة مدنية تنشط لنشر أفكارها هذه.
5- كيف يمكن تفسير استعداد العمال الكوردستاني بالانفتاح والتحالف مع أي جهة في المنطقة (سواء الفصائل المسلحة الشيعية أو الحكومة العراقية أو الحكومة السورية وحتى الإيرانية) ويرفض بإصرار الانفتاح على أي حزب كوردستاني، بل ويحاربه، هل أن تطبيق فكرة إخوة الشعوب قدر لها أن تكون على حساب الشعب الكوردي وطموحه وأهدافه المشروعة؟
6- لو وضعنا أنفسنا لحظات محل العمال الكوردستاني وحاولنا تقمص أفكاره لتقييم أدائه السياسي بإنصاف ودون انحياز، فسنكتشف ازدواجية صارخة في الأداء، واختلافاً فاضحاً بين ما يتبناه كنظريات مقولبة وبين ما يطبقه على ارض الواقع.
فهو كان ولا يزال يتمتع بعلاقات متميزة مع الحكومة السورية حتى أثناء الثورة السورية، وهو مستعد للقبول بأقل سقف من المطالب للاتفاق معها، رغم أن الحكومة السورية ليست بتلك الحكومة الديمقراطية التي يمكن له أن يبرر تلك العلاقات المتميزة معها، كذلك فهو يتمتع بعلاقات متميزة مع أطراف في الحكومة العراقية رغم عدم وجود أي مشتركات فكرية أو سياسية معها ولا حتى تداخلات حدودية، لكنه يقف بالضد من حكومة إقليم كوردستان في أي توجه.
إن تحول الحزب هذا من حزب قومي (متطرف) إلى حزب يلفظ أي توجهات قومية لا يعني بالضرورة أن يكون ضد القومية التي كان يقاتل من أجلها سابقا، فهو مثلا يستغل تواجده في شنكال (سنجار) لإضعاف إقليم كوردستان وهضم حقوق الشعب الكوردي في تلك المدينة، برفع مناصريه العلم العراقي فيها ومطالبتهم انضمام تلك المدينة إلى حكومة بغداد رغم أنها ارض كوردستانية تندرج ضمن المناطق المتنازع عليها، كل ذلك فقط بسبب معاناة ذلك الحزب من عقدة تاريخية تجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني دون أن يدركوا أن التضحية بسنجار هي خيانة لأرض وشعب وليس لحزب، واقتطاعها من كوردستان يؤثر على حقوق الشعب الكوردي عموماً، فهل أن ديمقراطية الشعوب بالنسبة للعمال الكوردستاني تكون من خلال التضحية بحقوق الشعب الكوردستاني وكوردستان؟
kurdistan 24