ماذا يعني الانسحاب الاميركي؟
التصريح الذي اعقب التسريب حول انسحاب جزئي او اعادة تموضع كما يسميه البعض للقوات الأميركية في العراق كان سريعا للغاية، القضية متعلقة بالعراق وافغانستان، وفيما يتعلق بالعراق الحديث يكون من زاويتين.
الزاوية الاولى حول المعاني والثانية حول التأثيرات، فيما يتعلق بالزاوية الاولى فان هذا القرار من ترمب الرئيس الذي خسر الانتخابات يعني:
1- اظهار نفسه كرئيس قوي للولايات المتحدة الأميركية وان خسارته لا تثنيه ولا تشوش عليه الافكار، لان قضية سحب الجنود ولو كان بضع عشرات وليس بضع مئات تعني في الشارع الأميركي الشعبي الكثير وان التغطية الاعلامية لها لن تكون متواضعة، مع لفت النظر عما يجري من تأثيرات الانتخابات ونشوة بايدن والحزب الديمقراطي وما يتعرض له ترمب من حالة شبيهة بالتنمر من قبل الفريق الانتخابي لجو بايدن، كما انه وفاء او التزام بسياسة انهاء الحروب في المنطقة من التي تخوض الولايات المتحدة الأميركية.
2- دعم الكاظمي والتزام بالجولات الكثيرة والنقاشات الحاصلة بخصوص وجود الجنود الأميركيين على الارض العراقية، في كثير من الاحاديث الكاظمي لم يتردد في التاكيد على الانسحاب الأميركي المبرمج من العراق وبالتنسيق بين الطرفين وان الأميركيين ملتزمون بهذه السياسية، فهذا القرار وان كان لن ينهي ما يتعرض له رئيس الحكومة العراقية من ضغط ايراني ومن يهواها، لكن يخفف عنه ويمكنه الاستناد اليه للحديث عن مراحل قد تأتي في نهاية السنة المقبلة 2021 وبداية السنة التي تأتي بعدها، وان كانت الادارة في واشنطن تتغير الا ان الديمقراطيين اكثر ليونة مع المطالب الايرانية حول الموضوع.
3- تخفيف على الجنود الأميركيين في تعرضهم للرشقات الصاروخية وتلافي اضرار التهديدات التي تطلقها الجماعات المسلحة باستمرار التي لا تحسب للحكومة العراقية حساباً، لكن يبدو ان الامر بهذا الخصوص لم ينجح، فقد تعرضت السفارة الأميركية الى قصف صاروخي مباشرة بعد المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الأميركي بالوكالة حول الانسحاب، أصحاب الكهف المجموعة المولودة من رحم جماعة أخرى دون الانفصال عنها، تبنت رسمياً القصف الصاروخي على السفارة الأميركية في بغداد، وهذا دليل على أن المهام والنزاع بين الطرفين لا يرتبط في كليته بوجود او عدم وجود الجيش الأميركي في العراق.
4- الانسحاب اشارة ضمنية الى تحسن الوضع وقدرة الجيش العراقي على التصدي للعدو، وان كانت الشهور المنصرمة شهدت تصاعدا في عديد الهجمات التي يشنها داعش ضد القوات الامنية العراقية بمختلف عناوينها.
اما عن الزاوية الثانية، أي حول التأثيرات على الارض، فهناك نقطتين رئيستين:
1- إن الهيمنة الأميركية او حضورها في العراق لا تتعلق بالجنود الموجودين على الارض فعليا، لان حالة الحرب المفتوحة التي كانت البلاد تمر بها في العقد الماضي قد انتهت، والحرب ضد الحكومة العراقية او الجيش الأميركي لم تعد موجودة، الحضور الأميركي الآن في العراق هو اقتصادي سياسي استخباري، الأميركيون حاضرون على الدوام وان لم يتحرك الجنود في الشوارع، ومن هنا تأتي الاتفاقية بين الطرفين تلك المتعلقة بالتعاون الستراتيجي بعيد المدى بين بغداد وواشنطن، فهي متعددة المجالات، ما اقصده هو ان سحب 500 جندي لا يعني انخفاض النفوذ والسطوة الأميركية في العراق.
2- إن السحب على المستوى الامني العسكري وتحديدا فيما يتعلق بالحرب على الارهاب لن يؤثر لا قليلا ولا كثيرا، القواعد العسكرية الأميركية تبقى فعالة في توفير الدعم للقوات الامنية العراقية، فهي بالدرجة الاساس استخبارية ودعم جوي عبر المقاتلات الفتاكة التي كانت الوسيلة الانجع في تحطيم البنية القتالية لتنظيم الدولة، كما ان تقديم المساعدات اللوجستية والتدريب لرجال الامن العراقيين يبقى مستمراً، وهذا هو المهم والاهم للعراق، ثم ان الأميركيين وبناء على الستراتيجية المتعلقة بدول الخليج في اطاره العام، توجب على الادارة الأميركية من كانت، الحضور القوي وتجنب ترك الساحة للخصم اللدود إيران.
فلا ينبغي القلق اذن من الفريق العراقي وفي مقدمتهم الجانب الكوردي من القرار المفاجيء للرئيس دونالد ترمب، آخذاً بنظر الاعتبار اعتراض الاغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على قرار الانسحاب.
روداو