تجربة القضية الكوردية مع الحكومات العراقية
استطاعت مجموعة من الشخصيات الكوردية المشاركة في مؤتمر الصلح بپاريس وقدموا مذكرة إلى المجلس الأعلى للمؤتمر في 22-3-1919 مطالبين فيها باستقلال كوردستان وتحرير جميع الكورد وجمعهم في دولة واحدة وتحت راية واحدة .
وكان هذا المؤتمر الذي عقد في پاريس من أجل تقاسم المغانم بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والقضاء على الدولة العثمانية .
وعندما تأسست أول حكومة عراقية في سنة 1921 لم تكن ولاية الموصل ذات الأغلبية الكوردية جزءًا من الحكومة العراقية ( المملكة العراقية. (
وقد أجري الاستفتاء من قبل عصبة الأمم والتي عرفت فيما بعد بــ ( الأمم المتحدة ) في 16-12-1925 على مصير ولاية الموصل ذات الأغلبية الكوردية وصوّت الشعب الكوردي والذين كانوا يشكّلون نسبة 80 % من السكان لصالح حكومة الملك فيصل بن الحسين بن علي الهاشمي وهو ثالث أبناء شريف مكة على خلفية الوعود التي قطعت لهم من قبل الإنگليز وحكومة الملك فيصل بمنحهم حكمًا ذاتيًا وجعلهم شركاء في الحكومة العراقية، إلا أنهم لم يفوا بوعودهم وعهودهم وتنصلوا عنها ولم تكن لهم نية صادقة لحل القضية الكوردية ومنحهم الحقوق المشروعة لهم فأصبحنا ضحية وكبش فداء للمصالح والأجندات الدولية. بعد انتهاء الحقبة الملكية ( الملك فيصل الأول والملك غازي والملك فيصل الثاني ) والتي استغرقت 37 سنة بقي الحال كما هو ولم يتغير أي شيء لصالح الشعب الكوردي من حيث الاستحقاقات على أرض الواقع .
ثم جاء العميد الركن عبدالكريم قاسم والذي أنهى حكم الملكية في سنة 1958 والإعلان عن قيام جمهورية العراق واستغرق حكمه خمس سنوات وقد أبدى في البداية حسن النية لحل الكوردية إلا أنه بدأ يتنصل شيئًا فشيئًا مستخدمًا الطائرات وزج الجيش العراقي بمحاربة الشعب الكوردي والقضاء على الحركة التحررية من خلال نهجه الذي تفرد بالسلطة وبداية التحول إلى الدكتاتورية والتنكر لحقوق الشعب الكوردي من خلال مطاردته لثوار الحركة الكوردية وتقديم الدعم المادي للمناوئين للبارزاني الخالد حتى قاد حملة عسكرية في كوردستان وعلى إثرها بدأت ثورة 11 أيلول في عام 1961 .
وبعد تصاعد وتيرة الخلافات السياسية بين الضباط الأحرار والذي كان عبدالكريم قاسم جزءًا منه حتى قاد حزب البعث العربي الاشتراكي انقلابًا عسكريًا في 8 شباط لسنة 1963 وبذلك تنتهي حقبة عبدالكريم قاسم، وكان ذلك من دون إشعار الحزب الديمقراطي الكوردستاني بذلك كما كان هو متفق سابقًا .
ثم تسلّم حزب البعث العربي مقاليد الحكم في العراق سنة 1963 بقيادة العقيد عبدالسلام عارف وهو شخصية قومية عروبية متطرفة وشن حملة كبيرة من قبل أجهزة الأمن والمخابرات والحرس القومي من الاعتقالات لكوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومناصريه وقد شملت حملة الاعتقالات من العسكريين ومنتسبي الشرطة في جميع المحافظات وفصل مئات الكورد من وظائفهم !
ثم أذاع راديو وتلڤزيون بغداد بيانًا من قبل ما يسمى بـ ( المجلس الوطني لقيادة الثورة ) بشن حرب في كوردستان ومن باب الاستهتار صرّح وزير الدفاع العراقي صالح مهدي عمّاش : " بأن الجيش العراقي يقوم بنزهة وطنية في الشمال "
وطالت حملة الاعتقالات في جميع مدن كوردستان من دون ذنب سوى أنهم من الشعب الكوردي !
وأعطيت الأوامر بإعدام أكثر من 90 شابًا كورديًا ودفن الكثير منهم أحياء وتدمير القرى الكوردية وفصل الموظفين الكورد في شركة نفط كركوك .
ثم بدأت حملة التعريب في كوردستان من كركوك فقامت القطعات العسكرية العراقية بحرق وتدمير مئات القرى الكوردستانية وقصفت الطائرات الحربية المدن الكوردستانية بالقنابل المدمرة والحارقة ولاسيما ( النابالم ) المحرمة دوليًا ومورست بحق كوردستان سياسة الأرض المحروقة .
إلا أن قوات الپيشمرگة لقنت تلك القوات الغازية درسًا كبيرًا وتصدت لهم وألحقت خسائر كبيرة في صفوف الجيش العراقي وجحوش النظام العراقي .
وقد اتضح فيما بعد بأن الجيش العراقي ليس في نزهة بكوردستان كما يظنون بل إن حساباتهم لم تكن دقيقة لأنهم وقعوا في مستنقع يصعب الخروج منه فبادر عبدالسلام عارف بالاتصال مع البارزاني الخالد قائد الثورة لفتح باب الحوار ووقف القتال كل ذلك لغرض كسب الوقت وإعادة تنظيم نفسه لشن حرب على كوردستان من جديد.
قامت حكومة عبدالسلام عارف بشراء النفوس الضعيفة من آغوات العشائر الكوردية وخصصت لهم مبالغ مالية كبيرة وسمّيت تلك العملية باسم خطة ( عزيز ) نسبة إلى عميد عزيز الچلبي الذي كُلف بتلك المهمة وكان ضابط استخبارات في الفرقة الثانية بكركوك .
وبعد عام من المفاوضات تراجع عبدالسلام عن وعوده التي قطعها للكورد وأعلنت الحكومة العراقية بأنها ستقضي على الثورة الكوردية ولكن محاولاتهم باءت بالفشل والاندحار نتيجة الانتصارات التي حققتها قوات الپيشمرگة في جميع الجبهات القتالية بكوردستان .
وأحلام عبدالسلام عارف لم تدم طويلاً بعد اغتياله في 13-4-1966 بإسقاط طائرته ودفنت تلك الأحلام معه !
واستغرق حكمه 4 سنوات من دون تقديم أي شيء للشعب الكوردي وبقيت القضية الكوردية على الرفوف ولم يحرك احدٌ ساكنًا سوى فتح الجبهات القتالية ضد الكورد !
ثم تولى عبدالرحمن عارف الحكم في 17-4-1966 من بعد مقتل أخيه ( عبدالسلام عارف ) وهو شخصية معتدلة ولم تكن ميولاته الحزبية واضحة المعالم وكان جديًا لحل القضية الكوردية من خلال زيارته إلى منطقة راوندوز والتقى بالبارزاني الخالد وامتعض البعثيون من تلك الزيارة إلا أن حزب البعث انقض عليه في 17-7-1968 .
وخلال سنتين من حكمه لم يوقع على إعدام أي شخص واستقرت كوردستان أمنيًا وعسكريًا.
وقبل تسلّم أحمد حسن البكر الحكم في العراق تظاهر أمام الوفد الكوردي بأنهم نادمون جدًا على الحرب ضد الثورة الكوردية حالفًا بالمصحف الشريف بأنهم إذا استلموا الحكم في المستقبل فإنهم سيقرون بالحكم الذاتي للشعب الكوردي ولن يطلقوا رصاصة واحدة ضد هذا الشعب!
وفي 17-7-1968 انتقلت السلطة إلى أحمد حسن البكر إلا أن مواقفه تجاه القضية الكوردية لم تكن جدية فقام بتصفية الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش من الذين ليس لهم ولاء لحزب البعث الدموي فقامت حكومة البكر بشراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتي وفرض حصار اقتصادي على كوردستان وشنوا حملة كبيرة من الاعتقالات على الكورد واستأنفت العمليات العسكرية من جديد ضد الثورة الكوردية وشعب كوردستان .
ولم تنجح محاولاتهم للقضاء على الثورة الكوردية ففتحوا باب المفاوضات مع القيادة الكوردية لوقف القتال واستمرت المفاوضات حتى اتفاقية 11آذار في سنة 1970 للإقرار بالحقوق القومية للشعب الكوردي .
وبحكم خبرة البارزاني الخالد كان يعلم بنية حزب البعث ولم يكن يثق بهم ثقة مطلقة ؛ لأنهم خانوا الوعود سابقًا مع القيادة الكوردية.
وكان الغرض من تلك المفاوضات هو لكسب الوقت وترسيخ دعائم سلطته فقط .
ولم يمض وقت طويل على اتفاقية 11 آذار حتى بادرت حكومة البعث في الساعة العاشرة من ليلة 6-12-1970بتدبير محاولة اغتيال للمرحوم إدريس بارزاني في بغداد وأصيب المناضل الپيشمرگة حميد برواري بجروح بليغة .
والحدث الآخر هو قامت حكومة البعث بإرسال وفد من رجالات الدين في 29-9-1970 لمقابلة البارزاني الخالد في مقر إقامته بــ (حاج عمران ا وبعد الترحيب بهم ومضي 7 دقائق حدث انفجار في مجلس البارزاني من خلال مسجل صوتي ملغم ونجى البارزاني بقدرة الله -عزوجل - وكانت تلك المحاولة بتدبير وتخطيط من قبل مدير الأمن العام ناظم گزار وبعلم صدام حسين !
فضلًا عن تهجير آلاف الكورد الفيليين من بغداد وديالى والكوت إلى إيران في سنة 1971 وسحب الجنسية العراقية منهم والاستحواذ على ممتلكاتهم الخاصة !
واستأنفت العمليات العسكرية على كوردستان مرة أخرى وذلك بقصف مقرات القيادة الكوردية والحزب والپيشمرگة بَيْدَ أن إرادة الشعب الكوردي كانت الأقوى لمخططات حزب البعث فكبدتهم خسائر جسيمة في صفوف الجيش العراقي مما اضطرت الحكومة العراقية بالاستعانة بجنرالات من الجيش الهندي لدراسة الوضع في كوردستان فقامت الجنرالات بعمليات مسح جوي وميداني لكوردستان فكانت الخلاصة منهم " إن القضاء على الثورة الكوردية عسكريًا يستغرق سنوات عديدة ... "
مما اضطر حزب البعث بعقد اتفاقية مع شاه إيران محمد رضا البهلوي في 6 -3-1975 في الجزائر بمبادرة من الرئيس الجزائري هواري بو مدين للتنازل عن مئات القرى وشط العرب لصالح شاه إيران مقابل القضاء على الثورة الكوردية وأصيبت ثورة أيلول بالانتكاسة نتيجة لتلك الاتفاقية السيئة الصيت ولكن لم يقف الثوار الكورد مكتوفي الأيدي حتى بدأت ثورة گولان التحررية للمطالبة بحقوق الكورد في 26-5-1975 ضد نطام البعث الشوفيني الدموي حتى الإطاحة بحكم أحمد حسن البكر في سنة 1979 وجاء خلفه المقبور صدام حسين والذي أزاح البكر عن السلطة وباشر في 29-5-1979 وحقبة جديدة من العمليات الإجرامية بحق الشعب الكوردي من خلال عمليات التعريب في مناطق كوردستان والتغيير الديمغرافي وسياسة تصحيح الهوية وعمليات التهجير القسري والمقابر الجماعية والقتل على الهوية وعمليات الأنفال وضرب مدينة حلبچة بالكيمياوي وزرع 15 مليون لغم في كوردستان لكي لا يرجع أهالي القرى إلى محل سكناهم وتجنيد الجحوش من رؤساء العشائر الكوردية الذين تعاونوا مع نظام البعث وعقد اتفاقية مع تركيا للتوغل في أراضي كوردستان بحجة ملاحقة قوات حزب العمال الكوردستاني الــ PKK ولازلنا ندفع ثمن تلك الاتفاقية .
ولم يكن أمام الشعب الكوردي الخيار سوى الانتفاضة في عام 1991 ضد نظام البعث وطردوا الجيش العراقي من كوردستان وعاملوهم معاملة إنسانية على الرغم من جرائمهم تجاه الكورد.
وانتهت حقبة البعث في 9-4-2003 والتي استغرقت 35 سنة من الإجرام بحق الشعب الكوردي .
وبعد الانتهاء من تلك الحقبة الدموية وسقوط نظام البعث فتحنا صفحة جديدة مع الأحزاب السياسية التي جاءت بعد صدام لبناء عراق اتحادي فيدرالي ديمقراطي وطوينا تلك الصفحات السيئة التي مرت بنا إلا أن غالبية الأحزاب السياسية ولاسيما من الإسلام السياسي السني والشيعي لا يختلفان عن عقلية حزب البعث في التعامل مع القضية الكوردية من خلال نسج خيوط المؤامرات ضد الشعب الكوردي، والذي يُقلب الصفحات التأريخية فلن يجد بأن السنة والشيعة كانا متفقين في يوم من الأيام والخلافات قائمة منذ 1400سنة في أيهما أحق بالإمامة ( أبو بكر الصديق أم علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما ) ولم يصلا إلى نتيجة إلى الآن !
ولكنهم اتفقوا على محاربة الشعب الكوردي وزجّه في الخلافات السياسية ومنذ تشكيل أول حكومة في سنة 2005 فإنهم لم يرسلوا الرواتب لقوات الپيشمرگة ولم يقوموا بتجهيزهم عسكريًا بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة ولم يطبقوا المواد الدستورية التي كُتبت من قبل الأحزاب السياسية عدا بعض السنة وصوّت عليها من قبل الشعب وحاولوا تهميش وإلغاء المادة 140 من الدستور العراقي المختصة بالمناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان باعترافهم عبر القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي إلا أن قرار المحكمة الاتحادية كانت لهم بالمرصاد بأن تلك المادة لازالت سارية المفعول .
وحاول نوري المالكي شراء طائرات F16 لضرب إقليم كوردستان إلا أن فخامة الرئيس مسعود بارزاني كانت على حق كونه على علم بما يجول في ذهن المالكي واعترض على تلك الصفقة وبين ليلة وضحاها سلم ثلاث محافظات سنية بيد داعش في 10-6-2014وسقوط المناطق الكوردستانية خارج إقليم كوردستان حتى تعرّض الإيزيديون إلى الإبادة الجماعية على يد خوارج العصر الإرهابية وهم ما يسمون بتنظيم ( الدولة الإسلامية ) ولم يتم محاسبته والقادة العسكريين في حقبته !
وجاء خليفته حيدر العبادي والذي حارب شعب كوردستان واستمر بقطع رواتب الموظفين وقطع الميزانية عن حكومة إقليم كوردستان وتآمر مع جهات اقليمية وداخلية على احتلال كركوك والمناطق الكوردستانية خاج إدارة إقليم كوردستان وأصبحت محتلة عسكرياً منذ 16 أكتوبر 2017 واتبعوا فيها سياسة التعريب والتهجير والتغيير الديمغرافي واستقدام العرب إلى كركوك وفصل الكورد من وظائفهم في ظل وجود محافظ 16 أكتوبر راكان الجبوري محافظا على كركوك والذي مازال غير شرعي لعدم التصويت عليه من قبل مجلس محافظة كركوك .
وانتهت حقبة حيدر العبادي بجميع سلبياتها وجيء بالدكتور عادل عبدالمهدي رئيسًا للوزراء الذي حاول حلحلة المشكلات المتفاقمة ما بين أربيل وبغداد لكن تلك الدعوات قوبلت بالرفض ومحاربة الدكتور عادل عبد المهدي في عمله حتى وصلت إلى ضغوط سياسية وتأجيج المتظاهرين عليه مما اضطر لتقديم استقالته ثم جاء مصطفى الكاظمي الذي يعرف كوردستان جيدًا ومدى نضال هذا الشعب ومحاربته الأنظمة العراقية المتعاقبة من أجل حقوقه، إلا أن بعض الكتل السياسية من الإسلام الشيعي تحاول الإطاحة بالكاظمي لأنه غير مدعوم إقليمياً ولا يقع تحت تأثيراتهم وتنفيذ أجنداتهم واتفقت مجموعة من الكتل الشيعية في فجر يوم الخميس 12-11-2020 بالتصويت على قانون العجز المالي دون مشاركة الكورد، وما قامت به تلك الكتل السياسية عبارة عن مسرحية هزيلة للضحك على ذقون الشارع العراقي بسيناريو معد مسبقًا وتغطية على فشل إدارتهم للحكومات المتعاقبة وبداية للترويج عن السباق الانتخابي لكي يستغلوا عواطف المواطنين ويجلسوا على الكراسي ويتقاسمون المنافع دون الاكتراث بالمواطن وكأنهم حققوا انتصارًا بذلك !
وقد كانت مواقف الكتل الكوردستانية إيجابية من خلال انسحابهم من جلسة التصويت على قانون العجز المالي . واليوم يمر الكورد بأحلك الظروف السياسية فيجب توحيد المواقف السياسية أمام المؤامرات التي تحاك ضد شعبنا المناضل عبر الحكومات العراقية المتعاقبة وسيعلم الجميع من أبناء شعبنا لماذا لجأ فخامة الرئيس مسعود بارزاني إلى عملية الاستفتاء من أجل الاستقلال؟!
ولاسيما الذين يطعنون الشعب الكوردي بخنجر الغدر والخيانة وضرب أسس التعايش السلمي وما أشبه فعلة الكتل السياسية بكفار قريش عندما جمعوا من كل قبيلة عربية لقتل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لكي يضربوه ضربة رجل واحد ويضيع دمه بين القبائل!
pdk