تنوعت الجرائم والوأد واحد
الامومة غريزة أودعها الخالق العظيم في قلب الأمهات لتفضن كالأنهار بالحب على صغارها فيشعرون بالأمان والطمأنينة والسكينة والحنان وتتشبع أرواحهم الطاهرة بالبراءة فيشبون مع مراحل عمرهم أسوياء ورحماء دونما عنف.
وعرفت بالمرأة وفق فطرة سوية فطرها عليها الله بالقدرة على الصبر وتحمل المشاق لرعاية اطفالها والسهر عليهم وتلبية احتياجاتهم النفسية والتربوية والحياتية، غير ان هذه المفاهيم عن المرأة قد تبدلت وتغيرت فطرتها من الرحمة الى القسوة ومن الرأفة الى الوحشية والانتقام، ومن التضحية الى الانانية ومن الايمان بعطية الله لها بالاطفال الى كفران النعم وازهاقها حتى الموت، وربما يعكس ذلك يأسا من الحياة يقود الى الاكتئاب، وقد يرتبط بظروف العراق وما عاناه من عنف وحروب ودواعش جعلت الانسان العراقي اكثر عنفاً وبطشاً بل وتجرد من الانسانية في بعض الاحيان.
فلماذا تبدلت فطرة المرأة من الرقة والعطف والرحمة الى القسوة الأشد من الحجارة، بل ان من الحجارة لما يتفجرمنه الانهار؟
صدمني فيديو كما صدم كل ذي انسانية ورحمة ـ لمشهد أب مكلوم على طفليه التوأم بعد ان غدرت بهما أمهما وأغرقتهما في تانك أو برميل المياه، وبعدها أخذ الاب يبحث عنهما حتى عثر عليهما طافين غرقى داخل التانك، فليصبره الله وليربط قلبه، ولكني أقف مفزوعة من تجرؤ أم على انتزاع الرحمة من قلبها في لحظة تحولت فيها لوحش كاسر وشيطان مارد يفتك بتوأمين رضيعين لاحيلة لهما الا أمهما.
هذه الفاجعة نبهتني الى محاولة قراءة النماذج الوحشية التي تعرض لها الاطفال الابرياء والرضع بالعراق او بالدول العربية او بالعالم، فوجدت العجب الذي يدمي القلوب ويسرق النوم من العيون، ونقف امامها عاجزين عن فهم هذا السلوك الاجرامي، لكني وجدت في كتاب الله تعالي من يؤكد حقيقة فجور الانسان الذي ما تخلى عن انسانيته ومن ايمانه، كما في قوله تعالى:" بل يريد الانسان ليفجر أمامه".
فقد شاهدنا امرأة عراقية تفجر نفسها، وهي تحمل طفلها على كتفها، بعد أن دبرت حيلة للهروب مع النازحين للقيام بعملية انتحارية وسط عدد من الجنود العراقيين، وتتجرأ على حرق فلذة كبدها بالنيران ويتمزق جسدهما الى أشلاء، بينما ترمي امرأة عراقية أخرى طفليها في نهر دجلة من فوق أحد الجسور وسط بغداد في جنح الظلام.
وبينما يقدم أب في كربلاء على حرق أطفاله النيام انتقاما من زوجته، فان زوجين من أصول عراقية تحكم عليهما محكمة بالدنمارك العام الماضي بالسجن 14 عاما بعد إدانتهما في قتل طفلتهما الرضيعة، وذلك لكونها فتاة وليست ولداً، حيث قاما بالضغط على أضلع الرضيعة وكسرا لها 31 ضلعاً، وان أحد الأضلع المكسورة ثقب جزءاً من رئة الرضيعة وكسر آخر ثقب الجزء الآخر، في سابقة اجرامية لم تعرف من قبل.
العام الماضي تجرد أب أردني من أبوته خلال انتقاله مع زوجته للعيش في تايلاند واخذ طفله عمر ابن السنتين من أمه ليشتري له حلوى، واذا به يربطه بعربة الاطفال ويلقي به في البحر لانه يرفض ان يعيش حياة الابوة.
وشهدت مصر بين عامي 2018 و2019 جرائم قتل للاطفال مفزعة وتم بعضها وفق حبكات شيطانية تحير كتاب الدراما، ما بين أم تشنق طفلتها في الاسكندرية، وأخرى تلقي بطفليها في بحر يوسف بالمنيا، وثالث يلقي بطفليه في نيل الدقهلية.
وتعددت أسباب هذه الجرائم ما بين الفقر والخوف عليهم من الجوع والمستقبل المجهول، وقد تكون الدوافع منعدمة لوقوع هذه الجرائم، ففي قرية شرمساح التابعة لمركز الزرقا بمحافظة دمياط، ذبح سائق توك توك زوجته ووضع السم لأبنائه الأربعة ثم تناول السم ومات، بسبب مروره بأزمة مالية.
سكين وغرق سموم لقتل الاطفال
وذبحت ربة منزل بمنطقة جزيرة البداري البحرية بمركز البداري بأسيوط طفليها اللذين يبلغان من العمر4 و6 سنوات "عمر.م.ح، و"زياد.م.ح"، باستخدام سكين مطبخ.
وقتلت أم أطفالها الثلاثة خنقاً بالماء بينهم طفل رضيع لما يتجاوز عمره شهراً، وألقت بجثثهم في مصرف بالقرب من مسكنها، وذلك استجابة منها لرغبة ضرتها ومن أجل أن يحصل زوجها من ضرتها على شقة وسيارة.
وقبيل انطلاق مدفع الافطار، قامت احدى الامهات بتعذيب ابنها وخنقه والقائه في البحر بشرم الشيخ والتقطت كاميرات المراقبة صور الجريمة كاملة. وكشفت التحقيقات انها تخلصت من طفلها بسبب خلافات مع طليقها والد الطفل الذي هدد بأخذه منها.
بينما تجردت طبيبة صيدلانية من أمومتها وأقدمت على قتل طفلتها ذات الستة أعوام باستخدام عقار للعلاج النفسي وضعته لها في كوب عصير، وتلقي مصرعها.
وتعددت جرائم قتل الاطفال الرضع في ربوع عالمنا العربي خاصة اطفال السفاح في تكتم شديد، وبعيداً عن ابلاغ الشرطة او معرفة المجتمع المحيط بالضحايا.
جريمة عالمية
كما تنتشر جرائم قتل الامهات لاطفالهن في مختلف دول العالم، فقد وثقت كاميرات مراقبة في إحدى الحدائق الأميركية في مدينة ميامي بولاية فلوريدا هذا العام جريمة قتل نفذتها أم في حق طفلها الصغير المصاب بالتوحد، واكتشفتها الشرطة الأميركية، بواسطة كاميرات المراقبة وهي تلقي بطفلها في مياه قناة مائية.
وفي روسيا تحاكم عشرات الأمهات كل عام بسبب قتلهن أطفالهن، رغم تنوع خلفياتهن الاجتماعية من ربات منازل وسيدات أعمال ناجحات إلى معلمات وغيرها.
أسباب ونتائج
يرجع خبراء علم النفس والاجتماع جريمة قتل الأطفال الى نتيجة ضغوط اجتماعية أو نفسية أو غيرها، كالخلافات الأسرية أو لتبول الطفل لا إرادياً أو بكائه المستمر، أو التخلص منه نتيجة لإنجابه من علاقة آثمة وخوفاً من الفضيحة، أو بسبب الخيانة الزوجية، وهناك بعض الأشخاص يكون لديهم ميول للخيانة فيقومون بقتل أبنائهم للتفرغ لشهواتهم الخاصة.
وقد تسعى الام للانتقام من الاب بسبب عنفه وقهره بحقها، بينما قد تتعدى الأم بالضرب على طفلها حتى الموت بهدف تأديبه، أو صعوبة الإنفاق عليه أو لارتكابه جريمة السرقة، تكرار التغيب عن المنزل أو الاحتفاظ بالأبناء بعد الطلاق من جانب الأب رغم حضانتهم للأم.
ويؤكد علماء الاجتماع في الصدد على ان ما يعرف بدائرة القهر الجهنمية، تقود في النهاية لمنظومة القتل، وتتمثل هذه الدائرة في عنف الرجل ضد المرأة يليه رد فعل تقهر فيه المرأة لأطفالها ويكون رد هؤلاء الأطفال في استخدام العنف في الأصغر منهم والأصغر منهم ضد الحيوانات، وينتج عن هذا العنف، الجرائم الأسرية البشعة التي بتنا نعيشها يومياً.
ولاشك أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة وراء هذه الجرائم، فالرجل يتربى على مفهوم العنف والضرب من جانب الاهل بدعوى تقوية عظامهم وتعويدهم على التحمل في الحياة ومشاقها، وعندما يكبر يستخدم نفس التربية الخاطئة مع أولاده وتصبح دائرة الضرب والتعذيب مستمرة وينعكس ذلك على المرأة والاطفال.
انقاذ سريع
مع تزايد جرائم قتل الاطفال، فان هذه الظاهرة العالمية تستدعي خطة عمل دولية تتعاون فيها جهود اليونسيف مع منظمات المجتمع المدني لسبل تهيئة الفتاة الصغيرة على الزواج والتربية وتوعيتها للتعامل مع اطفالها، وذلك من خلال دورات تثقيفية بالمدارس مستمرة حتى لوكانت خلال منهج دراسي، وكذلك وضع مناهج تربوية بالمدراس لتنشئة وتوعية النشىء بأدوارهم الاسرية على قاعدة من التفاهم والتراحم الاسري والتعاون في التنشئة السليمة للصغار.
تبقى أدوار الاعلام والمؤسسات الدينية أكثر اهمية في تكريس الوعي بقيمة التراحم داخل البيت، مع محاربة كل اشكال الفنون التي تؤدي الى انتشار ثقافة العنف في المجتمع من مسلسلات درامية او افلام سنمائية او العاب اطفال الكترونية.
كما ان الثقافة بشكل عام و بكافة مناحيها وانواعها بنظري هي المنقذ الحقيقي للمجتمع بالتوعية الاخلاقية و التربوية لخلق مجتمع سليم خال من العنف الاسري والتفكك والانهيار، حيث انني لا اميل الى تصديق حجج الامراض النفسية والعصبية اغلب الاحيان، فانني اذكر فيلماً بعنوان "توت توت" كانت قصته عن امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة اعتقد اعاقة ذهنية، جسدت الدور الفنانة نبيلة عبيد، حيث اظهرت الفطرة السليمة للامومة بالغريزة رغم انها كانت غير طبيعية صحياً وعقلياً الا ان قلبها كان سليماً (قلب الام) الذي اودعه الله في كل امراة لتكون مصدر الحنان والامان والطيبة، كما انني اؤكد ان الظروف الاقتصادية لا يمكن ان تكون مبرر لمثل هذه الافعال.
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
الا انه ربما تراكمات العنف والقهر وسوء التربية وغياب القدوة والوازع الديني والاهم من هذا كله الثقافة التي تجعل البسيط والعظيم الغني والفقير لديه حكمه ورؤية للتعامل والتعاطي مع الامور بوعي وادراك تام، فالوعي المجتمعي المستمد من الثقافة وما تبثه وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هو طوق النجاة.
ومما لاشك فيه ان اقدام الام او الاب على قتل اطفالهم يتطلب تغليظ العقوبة القانونية والجنائية بحقهم، حتى يكون في ذلك ردع عملي لهذه الجرائم الوحشية بحيث تتم معاقبة قتلة صغارهم بالاعدام او المؤبد وفقاً للقوانين الجنائية.
روداو